بعد أيام قلائل تُكمل الثورة السورية عامها الثاني وقد شهدت سوريا خلال هذين العامين مجازر وفظائع وجرائم ضد الإنسانية لم يتحرك أحد لوقفها ومحاسبة مرتكبيها.
والأزمة المستمرة في سوريا منذ عامين لم تكن لتستمر لولا عناد طاغية الشام الذي أصر على إهلاك الحرث والنسل لكي يبقى رئيسا لشعب خرج ثائرا على الظلم والاستبداد ومطالبا بحقوقه المشروعة.
والأزمة في سوريا لم تكن لتستمر لولا تفرق وتشرذم المعارضة السورية وعدم تمكنها من تشكيل كيان موحد في مرحلة مبكرة من الثورة يمكنها من إدارة الصراع مع النظام وتسلم السلطة بعد رحيله.
والأزمة في سوريا لم تكن لتستمر لولا تواطؤ وتدخل أطراف خارجية في الصراع من أجل إطالة أمده والهدف من ذلك هو إنهاك كافة الأطراف داخل سوريا وفرض التسوية التي تحقق أهدافها وتحافظ على مصالحها في سوريا وفي المنطقة العربية وتضمن أمن إسرائيل.
والثورة السورية ثورة باهظة الثمن بكل المقاييس فقد خلفت دمارا شاملا ومعاناة تفوق الوصف فقد تجاوز عدد القتلى 55 ألفا منذ بدء الثورة وحتى الآن وزاد عدد اللاجئين على 500 ألف لاجئ، وجيش الأسد قام بتدمير ملايين البيوت والبنية التحتية تعرضت لتدمير شامل نتيجة قصف الطائرات والدبابات المتواصل على المدن السورية واحدة تلو الأخرى.
وهناك خسائر باهظة تكبدها الجيش السوري الذي دمرت أسلحته التي اشتراها النظام القمعي والوحشي بأموال السوريين وحرمهم من الاستفادة منها تحت شعارات وهمية وكاذبة كشعار الممانعة والمقاومة.
والأوضاع في سوريا بعد عامين من الثورة مأساوية وكارثية وستكون لها تداعياتها الخطيرة على مستقبل سوريا وعلى المنطقة العربية وفي مقابل الخسائر الفادحة التي منيت بها سوريا والدول العربية تحققت الكثير من المكاسب لإسرائيل والدول الغربية.
وسعي القوى الغربية من أجل استمرار الصراع في سوريا بين النظام وبين الثوار لأطول مدة ممكنة الهدف منه هو تدمير سوريا وحضارتها وإعادتها للعصر الحجري وإضافة دولة فاشلة أخرى لدول المنطقة العربية المرشحة للمزيد من القلاقل والاضطرابات والفشل والتقسيم.
وما حدث ويحدث في سوريا من قتل وتدمير هو رمية بغير رام تحققت من خلالها مكاسب كثيرة لإسرائيل وحققت أهداف ومصالح الدول الغربية المتآمرة على الدول العربية دون أي خسائر تذكر ولذلك ينبغي على الدول العربية مجتمعة أن تعمل على وقف الحرب المستعرة في سوريا وأن تقدم الدعم المادي والمعنوي للائتلاف الوطني السوري لكي يتمكن بمفرده ودون ضغوط خارجية من ترتيب الأوضاع في سوريا بعد رحيل بشار الأسد وألا تترك المجال مفتوحا أمام القوى الغربية لوضع التصور الذي تراه وتخطط له وفرض التسوية التي تحافظ على مصالحها في سوريا وفي المنطقة العربية.
ونظام بشار الأسد الوحشي الذي رفض الاستماع والاستجابة لمطالب الثوار في بداية الثورة لا زال يراوغ ويحاول كسب المزيد من الوقت وعندما شعر ذلك النظام المنهار بأن الدائرة تضيق من حوله وبأن الثوار يقتربون من حسم المعركة خرج وزير خارجيته وليد المعلم ليعلن عن قبول النظام للحوار مع المعارضة المسلحة بعد مرور عامين على الفظائع التي ارتكبها الشبيحة والمجازر التي ارتكبتها قوات الأسد.
ونجاح الثوار والجيش الحر في السيطرة على عدد من المدن السورية وتقدمهم نحو العاصمة دمشق سرع وتيرة البحث عن مخرج للنظام وعن تسوية للأزمة السورية المستمرة منذ عامين.
ومواقف الدول الغربية من القضايا العربية والتي تتميز بالانتهازية تتضح يوما بعد يوم والخلاف الوهمي بين هذه الدول على طريقة حل الأزمة في سوريا والذي يتم تسويقه إعلاميا ووجود أطراف تدعم النظام وأطراف أخرى تدعم المعارضة كان الهدف منه هو إطالة أمد الصراع بين النظام والمعارضة وإنهاك وإضعاف سوريا والحفاظ على مصالح هذه الدول في المنطقة.
ومن الدلائل على مواقف الغرب المخزية تجاه حقوق الإنسان وبخاصة الإنسان العربي أن محكمة الجنايات الدولية لم تحرك ساكنا ولم تتخذ أي قرار أو موقف ضد الجرائم البشعة التي ارتكبتها القوات الموالية لبشار الأسد والتي تعد جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية!
وجرائم الأطراف الخارجية بحق السوريين تمثلت في الدعم المادي والمعنوي لنظام الأسد واستخدام روسيا والصين لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ووصل الأمر إلى رفض روسيا لإقامة مناطق وممرات آمنة لتقديم الإغاثة للسوريين الذين يعانون أشد المعاناة وحرموا من الطعام والشراب والدواء والكهرباء بحجة أن ذلك سيؤدي إلى تفاقم النزاع وبذلك تعتبر روسيا شريكا لنظام بشار الأسد في قتل السوريين.
والهدف الوحيد الذي تحرص عليه القوى الغربية بعد عامين من القتل والتدمير هو ترتيب الأوضاع في سوريا بما يخدم المصالح الغربية ويضمن ولاء وتبعية النظام القادم وعدم تشكيله أي خطر على إسرائيل أو على المصالح الغربية.
وموقف تركيا من الأزمة في سوريا لم يتجاوز التصريحات الداعمة للثورة والتي لم تقدم أي شيء ملموس للسوريين والتهديدات الفارغة للنظام السوري وإدانة المجازر الوحشية التي يرتكبها.
ومواقف الدول العربية من الأزمة في سوريا كانت في مجملها مواقف متخاذلة بل ومخزية والدول العربية ونظرا لتفرقها وضعفها لم تستطع تقديم أية حلول عملية للأزمة السورية وهذه الدول لم تتمكن حتى من ممارسة أي نوع من الضغوط على الدول التي تساند وتدعم نظام بشار الأسد الوحشي وتشجعه على قتل السوريين وتدمير سوريا.
والمهمة الوحيدة التي قامت بها جامعة الدول العربية في سوريا هي إعطاء نظام بشار الأسد أكثر من مهلة للقتل والتدمير والموقف الوحيد المتقدم في المواقف العربية هو موقف دولة قطر التي ساندت السوريين في محنتهم ودعا أميرها الشيخ حمد بن خليفة إلى نشر قوات عربية في سوريا لوقف إراقة الدماء هناك.
ومواقف الشعوب العربية من الأزمة السورية لم ترق إلى مستوى الأخوة في الدين أو في العروبة أو حتى الأخوة في الإنسانية فقد تزايدت معاناة اللاجئين السوريين في الدول العربية وعجزت تلك الدول عن توفير الملاذ والمأوى اللائق بإخوانهم الذين شردتهم الحرب.
والتدخل العربي الجاد لإيجاد حل للأزمة السورية تأخر كثيرا وهذا التدخل أصبح ضرورة الآن لإنقاذ الشعب السوري ولإنقاذ سوريا وإفشال المخططات الغربية الرامية إلى ترتيب الأوضاع في سوريا بعد عامين من الصراع الدموي بما يخدم مصالحها وإلى تفريغ الثورة السورية من مضمونها وحرمان الثوار والشعب السوري من جني مكاسب الثورة باهظة الثمن التي كلفتهم الكثير وضحوا فيها بعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى من أجل الحرية والكرامة.