أزمة حقوق الإنسان
تواجه حقوق الإنسان في العالم بأسره أزمة حقيقية تستوي في ذلك الدول الفقيرة والدول المتقدمة وإن اختلفت الأسباب والنتائج ففي الدول الفقيرة هناك إهدار لكرامة الإنسان وحرمان من أبسط مقومات الحياة وغياب شبه كامل للحقوق والحريات الأساسية وفي الدول المتقدمة ما زال هناك تمييز وعنصرية تجاه بعض المواطنين لأسباب تتعلق بالدين والعرق واللون وانتهاك لحقوق الإنسان في الدول الأخرى. وهناك انتهاك واضح ومقنن أحياناً لحقوق الإنسان وخصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية وذلك من خلال التنصت على الأفراد والمراقبة المستمرة للمواطنين في جميع أحوالهم وهناك مطالبة وتقنين لحقوق تتعارض مع الفطرة السوية كحقوق الشواذ الذين أصبحوا أفضل حالاً من غيرهم لأنهم يجدون من يدافع عنهم وعن حقوقهم المزعومة.
والتوصل إلى معرفة نتائج أزمة حقوق الإنسان في عالمنا المعاصر لا يحتاج إلى جهد كبير فالقاصي والداني يدرك أن هناك أزمة حقيقية من خلال ما يلمسه من انتهاك – منظم في كثير من الأحيان – لحقوق الإنسان وعلى كل المستويات. فقد سجلت تقارير منظمة العفو الدولية وقوع حالات التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة فيما لا يقل عن 111 بلداً وحدوث محاكمات جائرة فيما لا يقل عن 55 بلداً وفرض قيود على حرية التعبير فيما لا يقل عن 96 بلداً بالإضافة إلى احتجاز سجناء رأي فيما لا يقل عن 48 بلداً وتمتع مرتكبو انتهاكات حقوق الإنسان بالحصانة من العقاب عن التعذيب في 61 دولة.
ونتائج أزمة حقوق الإنسان نجدها في القتل اليومي العشوائي للأبرياء وفي الاغتيالات وفقدان العشرات بل المئات يومياً لحقهم في الحياة. ونجدها في فقدان الملايين من البشر لحقهم في الحياة الكريمة ووقوعهم في براثن الفقر المدقع ومعاناتهم المستمرة مع الجوع والمرض. ونجدها في النزاعات المسلحة وانعدام الأمن في مناطق كثيرة من العالم الذي تشتعل فيه الحروب لأن هناك من يغذيها ويحقق مكاسب من ورائها. ونجدها في انتهاك حقوق وحريات المسلمين في أماكن كثيرة من العالم حتى في الدول المتقدمة التي تزعم أنها مهد الحرية والديمقراطية وأنها تدافع عن حقوق الإنسان. ونجدها كذلك في انتهاك حريات الأقليات في مناطق كثيرة من العالم ونجدها في التمييز بين المواطنين في البلد الواحد وهو ما تعاني منه دول كثيرة ومن بينها الدول المتقدمة. ونجدها في حرمان الشعوب من حق تقرير المصير ومقاومة الاحتلال واعتبار هذه المقاومة إرهاباً وهو الموقف الذي تنتهجه الولايات المتحدة والغرب ضد المقاومة في فلسطين والعراق. ونجدها في العقاب الجماعي وتجويع الشعوب وفي الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الدول الكبرى على الدول التي ترفض هيمنتها وتعارض مخططاتها. ونجدها في الصمت المطبق على المجازر التي ترتكب بحق الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ. ونجدها في التضييق على المعارضين وأصحاب الفكر والرأي والزج بهم في السجون والمعتقلات والكثير من الأنظمة اليوم تضيق ذرعاً بأي انتقاد يوجه إليها حتى ولو استهدف الصالح العام. والأرقام المتزايدة لأعداد اللاجئين حول العالم توضح بجلاء الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الإنسان في أماكن كثيرة من العالم. واللاجئون يتعرضون لصنوف من المعاناة التي تبدأ بالحرمان من الطعام والشراب وفقدان المأوى وتنتهي بالتعرض للإصابة بالأمراض الخطيرة وتعرض الأطفال والنساء للاعتداءات الجنسية نظراً لغياب السلطة وعدم توفر الحماية. والنساء في مخيمات اللاجئين يتعرضن للاغتصاب من قبل جنود الأمم المتحدة وقوات حفظ السلام ويتعرض الأطفال للخطف من قبل منظمات الأغاثة الدولية.
انتكاسة مسيرة حقوق الإنسان
الانتهاك المنظم لحقوق الإنسان في أماكن كثيرة من العالم وفقدان ملايين البشر لحقوقهم الأساسية أعاد الإنسانية إلى المربع رقم واحد في مسيرة حقوق الإنسان التي تبلورت المفاهيم المتعلقة بها عبر ثلاث مراحل رئيسية وهي:
أولاً: جيل حقوق الإنسان السياسية والمدنية وعبر عن هذا الجيل إعلان فرجينيا في 12 يونيو 1776م ثم اعلان استقلال الولايات المتحدة في 4 يوليو 1776م فالإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن في 26 أغسطس 1789م.
ثانياً: جيل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وعبر عن هذا الجيل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948م. ثالثاً: جيل ثالث ما زال محل جدل فقهي ويقصد به جيل حقوق التضامن وعبر عنه مجموع القرارات والإعلانات والمعاهدات التي تتعلق بحق الإنسان في السلم أو في بيئة سليمة أو في مكاسب البشرية قاطبة والتي صدرت منذ بداية الستينيات.
واصطلاح “الجيل الثالث” من حقوق الإنسان يشير إلى مجموعة من الحقوق التي اقتضتها ضرورات الحياة المعاصرة وما تشهده من تطورات ومنها: حق الإنسان في العيش في بيئة نظيفة وآمنة والحق في تداول المعلومات وعدم حجبها والحق في السلام والأمن. وهذه الحقوق مرتبطة بحقوق الإنسان الأساسية ومتفرعة عنها فحق الإنسان في العيش في بيئة نظيفة مرتبط بحقه في الحياة وحقه في تداول المعلومات مرتبط بحقه في العلم والمعرفة وحقه في السلام والأمن مرتبط بحقوقه المدنية والسياسية. والتطور التقني المذهل أدى إلى ظهور أنواع عديدة من الحقوق فمن أنواع حقوق الإنسان الرقمية: الحق في الاتصال المفتوح بالإنترنت والحق في اتصالات غير مقيدة والحق في شبكات مجتمعية قوية والحق في حصة بالتلفاز الرقمي والحق في الخصوصية عبر الانترنت والحق في أجهزة ومعدات خالية من القيود والحق في برمجيات متحررة من القيود. وبإلقاء نظرة سريعة على هذه الحقوق يتضح أنها أقرب إلى الأمنيات والأحلام منها إلى الواقع لأن هناك عقبات كثيرة تمنع ملايين البشر من التمتع بهذه الحقوق. فملايين البشر لا يملكون أجهزة كمبيوتر ولا توجد لديهم شبكات إنترنت ولا تتوفر لديهم شبكات اتصال والبرامج الإلكترونية تخضع للحماية الفكرية والكثير من الدول تضع قيوداً على المواقع الإلكترونية وتحجب العديد منها لتعارضه مع سياساتها. وما يحزن في مجال حقوق الإنسان في الألفية الثالثة هو أن الإنسان في دول العالم الثالث لم ينل من الحقوق ما نالته الحيوانات في الدول المتقدمة فالحيوانات هناك تعيش في نعيم ورفاهية وتجد من يدافع عنها بينما الإنسان في دول العالم الثالث محروم من أبسط مقومات الحياة ولا يجد من يدافع عن حقوقه! ويمكن القول بأن حقوق الإنسان في هذا العصر وبخاصة الجيل الثالث منها أصبحت تعني بالضرورة حقوق الإنسان الغربي وليس حقوق الإنسان في أي مكان آخر من العالم.
حقوق الإنسان تبدأ من أميركا
حقوق الإنسان تبدأ من أميركا لأنها الدولة الحلم والقوى العظمى المسيطرة على العالم حالياً ولأنها الدولة الأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان منذ نشأتها وإلى الآن. والولايات المتحدة التي تتزعم الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم تنتهك حقوق مواطنيها وتجسس عليهم والمواطن الأمريكي لا يحصل على حقوقه الأساسية وتنتهك خصوصياته وملايين الأمريكيين يعانون من الفقر ومن التمييز العنصري والمواطن الأمريكي محروم من حقه في الأمن لأن الإدارة الأمريكية وأصحاب المصالح يعملون جاهدين من أجل إبقاء الأمريكيين في حالة خوف وذعر من وقوع أعمال إرهابية محتملة.
وحقوق الإنسان تبدأ من أميركا لأن مصانع السلاح الأمريكية الضخمة تهدد أمن دول العالم فهذه الأسلحة تستخدم في غزو واحتلال دول مستقلة ذات سيادة وهذه الأسلحة تستخدم في قتل الأبرياء وتستخدم في النزاعات المسلحة في أماكن كثيرة من العالم وهذه الأسلحة التي تنفق بعض الدول في شرائها مليارات الدولارات تحرم ملايين المواطنين في هذه الدول من حقهم في التنمية والعيش بكرامة.
وحقوق الإنسان تبدأ من أميركا لأن مصانع الأدوية الأمريكية العملاقة تبالغ في أسعار الأدوية التي تنتجها وتحرم ملايين مرضى من الحصول على العلاج بدعوى حماية الملكية الفكرية وتنتج أدوية مضارها أكثر من منافعها وتسوق هذه الأدوية بطرق غير مشروعة تنطوي على الغش والخداع وبيع الوهم للمستهلكين.
وحقوق الإنسان تبدأ من أميركا لأن جيوشها وأساطيلها البحرية وقواعدها العسكرية المنتشرة في أماكن كثيرة من العالم كانت سبباً مباشراً في حرمان الشعوب المسالمة من الحرية والأمن ومن التنمية والرخاء.
والحفاظ على حقوق الإنسان في العالم سوف يتحقق عندما يعود الأمن القومي الأمريكي إلى وضعه الطبيعي المتمثل في حدود الولايات المتحدة وجوارها الإقليمي بعد أن أصبح كل العالم. وشعوب العالم سوف تنعم بحقوق الإنسان عندما تعود الجيوش الأمريكية المنتشرة في العالم إلى مواقعها وعندما تكف الولايات المتحدة عن التدخل في شؤون الآخرين وتتوقف عن دعم الأنظمة الديكتاتورية في العالم وتتوقف عن نشر الحرية والديمقراطية في العالم لأن شعوب العالم قد شبعت من الحرية والديمقراطية الأمريكية.
الوعي بحقوق الإنسان
حقوق الإنسان تشهد تآكلاً وتراجعاً على كل المستويات وانتهاكات حقوق الإنسان باتت ممنهجة وأصبح الاعتداء عليها تحت مسميات كثيرة ومختلفة أمراً هيناً لا يلتفت إليه في كثير من الأحيان وأول شيء يجب الاهتمام به في مجال حقوق الإنسان هو توعية الجماهير وتبصيرهم بحقوقهم وتشجيعهم على المطالبة بها فما ضاع حق وراءه مطالب والكثير من الحقوق تنتهك لأن أصحابها لا يطالبون بها إما جهلاً بها وإما خوفاً من بطش أصحاب السلطة والسطوة وأعوانهم. والكثير من الحقوق لا تؤخذ إلا إنتزاعاً من الجبابرة والمتكبرين في الأرض بل إن هناك حقوقاً لا يجوز التنازل عنها مطلقاً وأولها حق الإنسان الأصيل في اختيار دينه وعقيدته التي لا يحق لأحد أن يكرهه عليها. ومن حقوق الإنسان أن يعيش آمناً وأن يعيش بكرامة وألا تنتهك حرماته وخصوصياته وكل ذلك من الأمور التي يجب أن يدافع عنها الإنسان. والمشكلة لم تعد في إصدار التشريعات والقوانين لحماية حقوق الإنسان من الانتهاك وإنما في الحماية الفعلية لهذه الحقوق وإيجاد الطرق والوسائل والضمانات الكفيلة بحفظها.
والمحافظة على حقوق الإنسان تتطلب أموراً منها:
أولاً: التربية على حقوق الإنسان وزرع مفهوم وثقافة حقوق الإنسان وواجباته في نفوس النشء من خلال المناهج التعليمية ووسائل الإعلام المختلفة.
ثانياً: تشجيع الشباب على المشاركة في الحياة العامة وأن يكونوا عنصراً فعالاً في المجتمع وأن يسعو إلى التغيير بكل ما أوتوا من قوة حتى تستقيم حياة الناس على المنهج الذي ارتضاه الله عز وجل للعالمين.
ثالثاً: توعية الناس بحقوقهم وتشجيعهم على المطالبة بها ومحاربة أي مظهر من مظاهر انتهاك حقوق الإنسان والعمل على إزالته بكل الوسائل الممكنة والمتاحة لأن الحقوق تنتهك وتضيع نتيجة الجهل بهذه الحقوق أو عدم المطالبة بها والمثل يقول: ما ضاع حق وراءه مطالب.
رابعاً: وسائل الإعلام اليوم أقدر من غيرها على نشر ثقافة حقوق الإنسان وعلى كشف الانتهاكات والتجاوزات التي تحدث بحق المواطنين. ووسائل الإعلام شجعت الكثيرين على المطالبة بحقوقهم وأصبحت أداة ضغط ومراقبة وعيناً مفتوحة ترصد أي انتهاك لحقوق الإنسان.
خامساً: تكاتف منظمات المجتمع المدني والرقابة المجتمعية على تطبيق القوانين والاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان ورصد أية انتهاكات أو تجاوزات تمس حقوق الإنسان واللجوء للجهات المعنية بحقوق الإنسان لوقف هذه الانتهاكات وإعادة الحقوق لأصحابها.
* المصدر: كتاب أزمة حقوق الإنسان، محمد إبراهيم خاطر، دار ابن الجوزي، 2012م