أنواع الكذب
وللكذب صلة بعادتين سيئتين أخريين, هما : السرقة – الغش, ويمكن إجمال هذه الصفات الثلاثة السيئة بعدم الأمانة, حيث يلجأ الشخص للكذب لتغطية الجرائم التي يرتكبها للتخلص من العقاب.
وقد وجد الباحثون في جرائم الأحداث بنوع خاص أن من اتصف بالكذب يتصف عادة بصفتي الغش والسرقة, فيوجد صلة وثيقة تجمع بين هذه الصفات, فالكذب والغش والسرقة صفات تعني كلها عدم الأمانة.
يلجأ الكثير من المربين إلى الأساليب القسرية لمنع الناشئة من تكرار هذه العادة, غير أن النتائج التي حصلوا عليها هي أن هؤلاء استمروا على هذا السلوك ولم يقلعوا عنه.
وعلى هذا الأساس فإن معالجة الكذب لدى أبنائنا تحتاج إلى أسلوب آخر, إيجابي وفعال, وهذا لا يتم إلا إذا درسنا هذه الصفة وأنواعها ومسبباتها, فإذا ما وقفنا على هذه الأمور استطعنا معالجة هذه الآفة الخطيرة.
وللكذب عشرة أنواع هي :
أولًا: الكذب التقليدي:
ويحدث هذا النوع من الكذب لدى الأطفال, حيث يقلدون الآباء والأمهات الذين يكذب بعضهم على البعض الآخر على مرآى ومسمع منهم, أو يمارس الوالدان الكذب على الأبناء, كأن يعدون أطفالهم بشراء هدية ما, أو لعبة ما, فلا يوفون بوعودهم فيشعرون بأن ذويهم يمارسون الكذب عليهم, فيتعلمون منهم صفة الكذب, وتترسخ لديهم هذه العادة بمرور الوقت، وعلى الوالدين أن يكونا قدوة صالحة لأبنائهم, وأن يكونا صادقين وصريحين في التعامل معهم, وإن فسدوا فسد أبناؤهم.
ثانيًا: الكذب الخيالي :
كأن يصور أحد الأبناء قصة خيالية ليس لها صلة بالواقع, وكثيرًا ما نجد قصصًا تتحدث عن بطولات خيالية لأناس لا يمكن أن تكون حقيقة.
ويجب علينا كمربين أن نعمل على تنمية خيال أطفالنا لكونه يمثل جانبًا إيجابيًا في سلوكهم, وأهمية تربوية كبيرة, وحثهم لكي يربطوا خيالهم الواسع بالواقع من أجل أن تكون أقرب للتصديق والقبول غير أن الجانب السلبي في الموضوع, هو أن هذا النوع يمكن أن يقود صاحبه آخرالأمر إلى نوع آخر من الكذب أشد وطأة, وأكثر خطورة إذا لم نعطيه الاهتمام اللازم لتهذيبه.
ثالثًا: الكذب الوقائي :
وهذا النوع من الكذب نجده لدى بعض الأبناء الذين يتعرض أصدقاءهم لاتهامات معينة فيلجأون إلى الكذب دفاعًا عنهم, فلو افترضنا أن تلميذًا ما قام بكسر زجاجة إحدى نوافذ الصف, فإننا نجد بعض التلاميذ الذين تربطهم علاقة صداقة وثيقة معه ينبرون للدفاع عنه, نافين التهمة رغم علمهم بحقيقة كونه هو الفاعل.
وعلى المربي في هذه الحالة أن يحرم هؤلاء من الشهادة في الحوادث التي تقع مستقبلًا كي يشعروا أن عملهم هذا يقلل من ثقة المعلم بهم, وعليه عدم اللجوء إلى الأساليب القسرية لمعالجة هذه الحالات, وتشجيع التلاميذ على الاعتراف بالخطأ سيقابل بالعفو عنهم, وبذلك نربي أبنائنا على الصدق والابتعاد عن الكذب.
رابعًا: الكذب الدفاعي :
وهذا النوع من الكذب ينشأ غالبًا بسبب عدم ثقة الآباء والأمهات بسبب كثرة العقوبات التي يفرضونها على أبنائهم, أو بسبب أساليب القسوة والعنف التي يستعملونها ضدهم في البيت مما يضطرهم إلى الكذب لتفادي العقاب, وهذا النوع من الكذبشائع بشكل عام في البيت والمدرسة، فعندما يعطي المعلم لطلابه واجبًا منزليًا فوق طاقتهم ويعجز البعض عن إنجازه نراهم يلجئون إلى اختلاق مختلف الحجج والذرائع والأكاذيب لتبرير عدم إنجازهم للواجب, وكثيرًا ما نرى قسمًا من التلاميذ يقومون يتحوير درجاتهم من الرسوب إلى النجاح في الشهادات الدراسية خوفًا من ذويهم.
وفي بعض الأحيان يكون لهذا النوع من الكذب ما يبرره حتى لدى الكبار, فعندما يتعرض شخصاً ما للاستجواب من قبل السلطات القمعية بسبب نشاطه الوطني, يضطر لنفي التهمة لكي يخلص نفسه من بطش السلطات, وفي مثل هذه الأحوال يكون كذبه على السلطات مبررًا.
ومعالجة هذا النوع من الكذب يتطلب منا – آباءً ومعلمين – أن ننبذ الأساليب القسرية في تعاملنا مع أبنائنا بصورة خاصة, ومع الآخرين بصورة عامة, كي لا نضطرهم إلى سلوك هذا السبيل.
خامسًا: الكذب الانتقامي :
هذا النوع من الكذب ناشئ بسبب الخصومات التي تقع بين الأبناء وخاصة التلاميذ, حيث يلجأ التلميذ إلى إلصاق تهم كاذبة بتلميذ آخر بغية الإنتقام منه, ولذلك يجب التأكد من كون التهم صحيحة قبل اتخاذ القرار المناسب إزاءها, وكشف التهم الكاذبة, وعدم فسح المجال أمام أبنائنا للنجاح في عملهم هذا كي يقلعوا عن هذه العادة السيئة.
سادسًا: الكذب الغرضي :
يُدعى هذا النوع الكذب كذلك الأناني, وهو يهدف بالطبع إلى تحقيق هدف يسعى له بعض الأبناء للحصول على ما يبتغونه, فقد نجد أحدهم ممن يقتر عليه ذويه يدعي أنه بحاجة إلى دفتر أو قلم أو أي شي آخر بغية الحصول على النقود لإشباع بعض حاجاته المادية، وعلى الأهل ألا يقتروا على أبنائهم فيضطروهم إلى سلوك هذا السبيل.
سابعًا: الكذب الالتباسي :
هذا النوع من الكذب ناشئ عن عدم التعرف أو التأكد من أمر ما, ثم يتبين أن الحقيقة على عكس ما روى لنا الشخص, فهو كذب غير متعمد, وإنما حدث عن طريق الالتباس، وهذا النوع ليس من الخطورة بمكان، وهنا يكون دورنا بتنبيه أبنائنا إلى الاهتمام بالدقة وشدة الملاحظة تجنبًا للوقوع في الأخطاء.
ثامنًا: الكذب الادعائي :
هذا النوع من الكذب يهدف إلى تعظيم الذات, وإظهارها بمظهر القوة والتسامي لكي ينال الشخص الإعجاب, وجذب انتباه الآخرين, ومحاولة تعظيم الذات, ولتغطية الشعور بالنقص, وهذه الصفة نجدها لدى الصغارو الكبار على حد سواء, فكثيرًا ما نجد أحداً يدعي بشيء لا يملكه، فقد نجد رجلًا يدعي امتلاك أموال طائلة, أو مركز وظيفي كبير, أو يدعي بطولات ومغامرات لا أساس لها من الصحة, ويجب في مثل هذه الحالة أن نشعر أبنائنا أنهم إن كانوا أقل من غيرهم في ناحية ما فهم أحسن منهم في ناحية أخرى، ويجب أن نكشف عن كل النواحي الطيبة لدى أطفالنا وننميها ونوجهها الوجهة الصحيحة لكي نمكنهم من العيش في عالم الواقع بدلاً من العيش في عالم الخيال الذي ينسجونه لأنفسهم, وبذلك نعيد لهم ثقتهم بأنفسهم, ونزيل عنهم الإحساس بالنقص.
• تاسعًا: الكذب العنادي :
يلجأ الطفل إلى هذا النوع من الكذب لتحدي السلطة, سواء في البيت أو المدرسة, عندما يشعر أن هذه السلطة شديدة الرقابة وقاسية, قليلة الحنو في تعاملها معه, فيلجأ للعناد, وهو عندما يمارس هذا النوع من الكذب يشعر بنوع من السرور.
عاشرًا: الكذب المرضي المزمن :
هذا النوع من الكذب نجده لدى العديد من الأشخاص الذين اعتادوا على الكذب, ولم يعالجوا بأسلوب إيجابي وسريع, فتأصلت لديهم هذه العادة, بحيث يصبح الدافع للكذب لا شعوريًا وخارجًا عن إرادتهم, وأصبحت جزءًا من حياتهم ونجدها دومًا في تصرفاتهم وأقوالهم, وهم يدعون أمورًا لا أساس لها من الصحة, ويمارسون الكذب في كل تصرفاتهم وأعمالهم, وهذه هي أخطر درجات الكذب, وأشدها ضررًا, وعلاجها ليس بالأمر السهل, ويتطلب منا جهودًا متواصلة ومتابعة مستمرة.
علاج مشكلة الكذب :
لمعالجة هذه الآفة الاجتماعية لدى أبنائنا, ينبغي ملاحظة النقاط التالية :
• عدم إرهاق التلاميذ بالواجبات المنزلية.
• إذا كان الكذب متكررًا فما نوعه؟, وما هي دوافعه؟.
• ينبغي عدم فسح المجال للكاذب لأداء الشهادات.
• التأكد ما إذا كان الكذب لدى أبنائنا نادرًا أم متكررًا.
• ينبغي عدم إلصاق تهمة الكذب جزافًا, قبل التأكد من صحة الواقعة.
• عدم معالجة الكذب بالعنف أو السخرية أو الإهانة, بل ينبغي دراسة الدوافع المسببة للكذب.
• ينبغي عدم فسح المجال للكاذب للنجاح في كذبه, لأن النجاح يشجعه على الاستمرار عليه.
• ينبغي أن يكون اعتراف الكاذب بذنبه مدعاة للتخفيف أو العفو عنه, وبهذه الوسيلة نحمله على قول الصدق.
• استعمال العطف بدال الشدة, وحتى في حالة العقاب, فينبغي ألا يكون العقاب أكبر من الذنب بأية حال من الأحوال.
• عدم نسبة أي عمل يقوم به المعلمون أو الأهل إلى التلاميذ على أساس أنه هو الذي قام به, كعمل النشرات المدرسية, أو لوحات رسم … وغيرها.
وأخيراً …ينبغي أن نكون صادقين مع أبنائنا في كل تصرفاتنا وعلاقتنا معهم, وأن ندرك أن الطفل الذي ينشأ في محيط يحترم الصدق يتعود عليه, وأنه إذا ما توفر له الاطمئنان النفسي والحرية والتوجه الصحيح, فإن الحاجة تنتفي إلى اللجوء إلى الكذب.
* المصدر: عمر بدران، الشخصية، مكتبة جزيرة الورد – المنصورة، ص30-37.