استثمر عقلك الباطن
مع إيقاع الحياة المتسارع قد ترغب في أداء مهمةٍ أو فكرةٍ ما، ولكنك لا تجد الحافز القوي الذي يدفعك بشغف لتنفيذ الفكرة، فتكون رغبتك باردةً باهتة، وتحتاج للمحفزات التي ترفع من همتكَ لبلوغِ المراد. هذا له علاقة قويةٌ بما يتخالج في صدرك ويجول في عقلك وفق ترتيب أولوية الحدث وأهميته؛ فأنت قد اشتريت عددًا من الكتب، وقد انتويت يومها أن تنصب عليها انصباب الغزاة الفاتحين، وإلى اليوم لم تجرد سيف همتك لتقدّم على وضع الأمنية في حيز التنفيذ. أيضًا أنت قد قررت أن تمارس الرياضة وتضع لها جدولاً أسبوعيًا كي تحافظ على لياقتك البدنية أو لتنعم بقوامٍ مثالي، وإلى الساعة أنت لم تنجز الأمر. أضف إلى ذلك ما قد تعانيه غرفتك من فوضى عارمة، وأنت من باب الكسل تسميها فوضى خلاقة.
إن الدافع الذي يسوقك لقراءة الكتاب الآن، والحافز الذي يجعلك تدخل في سباق مع الزمن لإنقاص وزنك، وترتيب غرفتك وتنظيم وتخطيط حياتك بشكلٍ عام هو أن تضع الأمر في موضع التنفيذ. وقد تسأل بصدقِ المتلهِف: وكيف ذلك؟ والجواب: استخدم مهارات عقلك الباطن. العقل الباطن عندما ترسل له رسالة بأن هذا الأمر لا أحتاجه الآن فهو لن يعبأ به، أما لو أرسلت له رسالة مختصرةً وإيجابيةً ومحددة بأنكَ مهتم بالأمر؛ فإن عقلك الباطن يأخذ الأمر على محمل الجد، ويبدأ على الفور في ترتيب أوضاعه، فتجده ينقل موضوعٍ ما من بؤرة الشعور إلى هامش الشعور، ثم يأتي للفكرة التي كلفته بالاهتمام بها ويحملها بين يديه ويفسح لها مكانًا فسيحًا في بؤرة الشعور. هذا قد يدفعك للاندهاش! فتخاطب نفسك: بالأمس كنت أفكرُ في مسألةٍ لا طائل منها، وظننتها مشكلة العالم، أما الآن فهي لا تحركُ في ساكنًا؛ فأقول لك: ذلك أنكَ أرسلت لعقلك الباطن رسالة إيجابية مختصرة ومحددة بأن يبحث في فكرةٍ أجدى، وأن يكفَ عن التفكير في سفاسِف الأمور. عقلك الباطن كالطفل الوديع المطيع؛ متى ما تحدثت إليه بشكلٍ مبسطٍ وإيجابي، كلما كانت ردود أفعاله حيال ما تعرضه عليه في صالحك وعلى النحو الذي تريد.
هنا مسألة ينبغي أن تتنبه لها؛ وهي أن عقلك الباطن طفل مما يوجب عليك تكرار الفكرة التي تريده أن يعمل عليها. التكرار أداة قوية لحمل العقل الباطن على اعتناق الفكرة؛ فلو أنك كررت عليه مرةً بعد مرةٍ فكرة القراءة، لوجدت عقلك الباطن قد تهيأ لذلك بطريقةٍ أو بأخرى تتوافق مع تنفيذ فكرتك. ادعم ذلك بالتأكيدات الإيجابية واستعمل بطاقات التذكير؛ مما يؤهل عقلك الباطن لاستدعاء فكرتك في كل مكان، والأمر يحتاج إلى دُرْبةٍ ومثابرة؛ فلا تعجل واعلم أنّ من تأنى نال ما تمنى.
مبدأ التكرار في ترسيخ الفكرة بالعقل الباطن مهم جدًا، وكلما كانت المشاعر التي تصاحب الفكرة أكبر، كلما كان عدد مرات التكرار المطلوبة أقل. لأنك العقل الباطن عاطفي بطبيعته، فالمشاعر المصاحبة للفكرة قد أقنتعه بضرورة تبني هذه الفكرة، ومع ذلك فهو بحاجة للتنبيه فقط وهذا التنبيه يتمثل في التكرار. ركز على فكرةٍ معينة قد تلكّأتَ طويلاً بشأنها، أو ابحث داخلك عن فكرةٍ قد ترردت في تنفيذها لسببٍ أو لآخر، ثم تحدث عنها وبشكلٍ إيجابيٍ مختصرٍ ومحدد لعقلكَ الباطن، واجمع مشاعرك الإيجابية حول هذه الفكرة، وأضف إليها سلاح التكرار، وستجد ما يدهشك، وستكتسب عادة الحديث الفعال مع عقلك الباطن.
محمد الشبراوي
Life.chemistry@outlook.com
كاتب ومدوّن