استمتع وخذ الأجر!
سعادة الإنسان في هذه الحياة لا يمكن أن تتحقق بعيداً عن المنهج السماوي الذي جاء ليربط الإنسان بخالقه عز وجل وينظم علاقته مع غيره من البشر ومع جميع المخلوقات من حوله ويحقق له السعادة في الدنيا والنجاة والفوز في الآخرة.
والشقاء الذي تعاني منه البشرية اليوم هو نتيجة حتمية للبعد عن منهج الله عز وجل واللجوء للمناهج الوضعية والتحلل من القيم والأخلاق وإطلاق العنان للغرائز والشهوات التي لا تنطفئ جذوتها ويزداد سعارها يوماً بعد يوم.
وفي الدول التي ينعم مواطنوها بالرفاهية ورغد العيش تزداد معدلات الانتحار وفي ذلك دليل على وجود صراع نفسي يعكر صفو حياتهم وهذا الصراع هو الذي يدفعهم إلى الانتحار وذلك على الرغم من توفر جميع وسائل الرفاهية وعلى الرغم من الإباحية المطلقة وصولاً إلى الشذوذ الجنسي.
واستمتاع المواطنين في الدول المتقدمة بنعيم الحياة ليس خالصاً ويكدره مخالفة الفطرة التي فطر الله عز وجل الناس عليها والعذابات النفسية التي يشعرون بها وتدفعهم للانتحار هي في حقيقة الأمر عقاب على مخالفة الفطرة السليمة وهناك دلائل كثيرة على ذلك فممارسة الجنس على سبيل المثال تعتبر من وسائل الاستمتاع بين الرجل والمرأة ولكن هذه الممارسة بغير ضوابط شرعية تتحول إلى جحيم ومعاناة لا تنتهي وهذه المعاناة تبدأ بالاحساس بالذنب والخطيئة وتنتهي بالإصابة بالأمراض الخطيرة كالإيدز وغيره من الأمراض التي تنتقل عن طريق الممارسات الجنسية المحرمة.
والدراسات النفسية أثبتت أن المرأة التي تمتهن البغاء لا تشعر بأي لذة في المعاشرة الجنسية وتصاب بالبرود الجنسي وتتحول إلى آلة لممارسة الجنس وتشعر بالدونية وتحتقر نفسها. ولنقارن بين حال المرأة التي تحمل من زواج شرعي وكيف تستمتع بالحمل على الرغم من الآلام التي تجدها وتكون سعيدة بظهور بوادر الحمل عليها وبين المرأة التي تحمل من الزنا وكيف تصبح حياتها جحيماً لا يطاق ومعاناة مستمرة وتحاول جاهدة أن تخفي حملها عن أعين الناس وتتمنى الموت لكي تتخلص العذاب والألم النفسي الذي تشعر به وتتخلص من العار الذي لحق بها وبأهلها.
وفي مقابل الشقاء والتعاسة التي يشعر بها غير المسلمين على الرغم من توفر مقومات وأسباب السعادة لديهم نجد دعوة الإسلام إلى الاستمتاع بطيبات الحياة في إطار ما أحله الله عز وجل ووفق ما أراده سبحانه وتعالى بل وتحصيل الأجر على ذلك الاستمتاع، فمن المفاهيم التي تفرد بها الإسلام عن الأديان والمذاهب الأخرى هو أن المسلم يستمتع بطيبات الحياة ويؤجر على ذلك وهذا المفهوم تعجب منه الصحابة رضي الله عنهم حتى بين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة الأمر فقد قالِ لهم النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في بعض حديثه:« … وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ:«أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ». صحيح مسلم: 2282.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ اللّه لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا. أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا». صحيح مسلم: 6881.
وفي وصف حال الكفار الذين أعرضوا عن منهج الله عز وجل في الدنيا والمصير الذي ينتظرهم في الآخرة يقول الله عز وجل:{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ}. إذاً نحن أمام صورتين متقابلتين: الصورة الأولى هي صورة الإنسان المسلم الذي يأكل ويشرب ويستمتع بطيبات الحياة ويحمد الله عز وجل على تلك النعم، فيؤجر على استمتاعه وعلى قضاء شهوته في الحلال ويؤجر على شكره لله عز وجل فيحيا حياة طيبة هانئة في الدنيا ويفوز بالنعيم الأبدي في الآخرة.
والصورة الثانية هي صورة غير المسلم الذي يأكل ويشرب ويقضي شهوته كالأنعام فيعيش في قلق وعذاب وفي حيرة واضطراب لأنه خالف الفطرة التي فطر الله عز وجل الناس عليها ولذلك يسعى من أجل التخلص من هذه الحياة بالانتحار أو بانتظار الموت فتكون النار جزاؤه في الآخرة. فهل بعد هذه الرفاهية التي وفرها الإسلام للإنسان في الدنيا والآخرة من رفاهية تضارعها أو تدانيها؟!!!
إن من محاسن الإسلام التي ينبغي على المسلمين أن يظهروها للإنسانية بكل الوسائل المتاحة أن الإسلام دين سعة واعتدال وليس دين ضيق ومشقة وأنه يدعو للإقبال على الحياة والاستمتاع بطيباتها فالدنيا مزرعة الآخرة ومن الأدعية التي يحرص المسلم عليها طلب الخير في الدنيا والآخرة كما ورد في القرآن الكريم يقول الله عز وجل:{ وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}. ومن حسنات الدنيا وأسباب سعادة الإنسان فيها أن يرزق بامرأة صالحة فعَنْ عَبْدِ الّلهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ». صحيح مسلم: 3598.
والإسلام لا يدعو إلى التخلص من هذه الحياة بالانتحار أو غيره من الوسائل المفضية إلى الموت. يقول الله عز وجل:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}. والإسلام لم يضيق على الناس في أمور دنياهم فترك لهم مجال الإبداع في الأمور المادية مفتوحاً ولم يحرم عليهم الإبتداع والاختراع في الشؤون الدنيوية، فللإنسان أن يستمتع بطيبات الحياة الدنيا كما شاء في غير سرف ولا مخيلة فعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« كلوا، واشربوا، وتصدقوا، والبسوا في غير مخيلة ولا سرف، إن الله يحب أن ترى نعمته على عبده». مسند الإمام أحمد: 6689.
والله عز وجل جواد كريم يحب أن يرى أثر نعمته على عبده يقول الله عز وجل:{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}. سورة الضحى: 11.
والهدف من إظهار محاسن الإسلام هو أن يعلم الناس في أقطار الأرض أن السعادة والهناء لا توجد إلا في ظلال الإسلام وشريعته السمحة التي جاءت لتحقق السعادة للبشرية في الدنيا والآخرة.