أخفق العالم في علاج الأمية والجوع، فهناك حوالي مليار جائع في العالم، وهناك حوالي 800 مليون أمي في العالم، ومشكلة الفقر تكمن في أنه يؤدي إلى الحرمان من التعليم، والحرمان من التعليم، يبشر بالمزيد من الفقر والجوع والمرض، وهناك ما يعرف بالثالوث المدمر المتمثل في:(الفقر والجهل والمرض).
الأمية في الدول العربية
الأمية في الدول العربية والإسلامية من المعضلات المزمنة التي تعوق تقدم هذه الدول، والأمية في هذه الدول ترعاها النظم المستبدة، التي ترتكب بحق أوطانها جرائم لا تقل عن جرائم الاحتلال في نهب الخيرات والثروات وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات وتصفية العلماء، ومن هذه الجرائم محاربة دعاة الإصلاح والعلماء.
وبقاء النظم غير الديمقراطية في الحكم مرهون بانتشار الجهل والأمية في المجتمع،
يقول المفكر عبد الرحمن الكواكبي:”ترتعد فرائص المستبدُّ من علوم الحياة التي تُكبر النفوس، وتوسّع العقول، وتعرّف الإنسان ما هي حقوقه”.
والحقبة الاستخرابية في الدول العربية لم تنته، فالغرب ترك وراءه في الدول التي احلتها وكلاء يؤمنون مصالحه السياسية وهيمنته الاقتصادية.
والحروب والصراعات في الدول العربية حرمت ملايين الأطفال من الدراسة كما هو الحال في العراق وليبيا وسوريا واليمن وغيرها.
وإحصائيات ألكسو سبتمبر 2021، أظهرت أن عدد الأميين من الفئة العمرية 15 سنة فما فوق: قرابة 70 مليون أمي وأمية، مجموع الأطفال والشّباب خارج المدرسة: أكثر من 16 مليون في الدول العربية، وحوالي 27.5 مليون طفل في الدول العربية في سنّ المدرسة الابتدائية يفتقرون إلى مهارات القراءة الأساسية.
وأظهرت إحصائيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “ألكسو” لعام 2018، أن معدلات الأمية في الدول العربية وصلت لـ 21%، وهو معدل مرتفع عن المتوسط العالمي، والذي يبلغ 13.6%..
والنموذج الذي يحتذى في الدول العربية هو نموذج دولة قطر التي تحتل المركز الأول عربياً والرابع عالمياً في انخفاض نسبة الأمية، حيث بلغت نسبة الأمية في قطر 1.5 %لمن هم فوق سن ال 15 سنة، مشيراً إلى أن نسبة الأمية لمن هم تحت هذه السن صفر%.
وقطر أطلقت مبادرة “علّم طفلًا” على هامش “مؤتمر القمّة العالمي للابتكار في التعليم” في 2012، وهدفها هو الوصول إلى نحو 10 ملايين طفل محروم من التعليم.
الجهود الدولية للقضاء على الفقر
في عام 2021، كان أكثر من 800 مليون شخص يعانون من الجوع، واقترب 45 مليون شخص من المجاعة بسبب جائحة كوفيد-19 والانكماش الاقتصادي.
والعدد الإجمالي للجوعى في العالم منهم في آسيا 520 مليون، وفي أفريقيا 243 مليون، وفي أمريكا اللاتينية والكاريبي: 42 مليون.
وفي عام 2000 أعلنت الأمم المتحدة عن الأهداف الإنمائية للألفية، وعددها 8 أهداف، وكان الهدف الأول منها هو القضاء على الفقر المدقع والجوع في العالم بحلول عام 2015، وعلى المستوى العالمي، تراجع عدد الناس الذين يعيشون في فقر مدقع بأكثر من النصف فقد انخفض من 1.9 بليون شخص في عام 1990 إلى836 مليون في عام 2015.
وفي عام 2015 أطلقت الأمم المتحدة خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وتضمنت أهداف التنمية المستدامة 17 ومنها الهدف الأول القضاء على الفقر، والهدف الثاني القضاء على الجوع، والهدف الثالث الصحة الجيدة والرفاه، والهدف الرابع التعليم الجيد.
سلوك الأفراد وقرارات الحكومات
ثلث المواد الغذائية التي يتم إنتاجها يُهدر سنويًا، وفي المقابل يعاني نحو مليار نسمة من الجوع في العالم، وفي الدول الغنية تقام مهرجانات اللعب بالغذاء: مهرجان الطماطم، ومهرجان البطيخ ومهرجان الدقيق.
والدول الكبرى تقوم بإتلاف فائض الإنتاج للمحافظة على السعر العالمي للسلع الغذائية الاستراتيجية وفي مقدمتها القمح.
ومنتجو الألبان في الدول المتقدمة يقومون بسكب مئات الأطنان من الحليب على الأرض اعتراضًا منهم على انخفاض الأسعار، وبالطبع لا يمكن تحميل المسؤولية كلها للغرب فنحن نتحمل القدر الأكبر منها.
وفي مقال لي على بعنوان “مفارقات الحرب الروسية على أوكرانيا” كتبت عن الحرب في أوكرانيا والجوع في أفريقيا التي باتت مهددة بالجوع نتيجة اعتمادها بشكل رئيسي على القمح الروسي والأوكراني.
والسودان الذي يُعد سلة غذاء العرب وأفريقيا، يستورد نحو 70% من احتياجاته من القمح!
التغير المناخي والجوع
الظواهر المصاحبة للتغيرات المناخية كالأعاصير والفيضانات، والجفاف والتصحر، وحرائق الغابات، وارتفاع درجة حرارة وحموضة البحار والمحيطات، كلها ظواهر تؤثر بشكل مباشر على الفقراء في العالم؛ لأنها تُحدث نقصًا بالغذاء، ولها مخاطر صحية إضافية.
ومنظمة الصحة العالمية قدرت عدد الوفيات بسبب التغيرات المناخية بحوالي 529 ألفا عام 2050. وسيكون ملياران من البشر عرضة لأمراض متعلقة بهذه التغيرات، كما سيعاني 600 مليون آخرون من سوء التغذية عام 2080.
أين تكمن مشكلة الجوع؟
هل تكمن مشكلة الجوع عالميًا في قلة الموارد أم في سوء التوزيع؟ وفي الإجابة على هذا السؤال نجد أنفسنا أمام عقليتين، العقلية الأولى هي عقلية الوفرة التي ترى أن الموارد الطبيعية تكفي الجميع بشرط تحقق العدالة في التوزيع، يقول الله عز وجل:{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ} سورة فصلت: 10.
ويقول الله عز وجل:{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} سورة هود: 6.
والعقلية الثانية هي عقلية الندرة ترى أن الموارد محدودة ولا بد من السيطرة عليها ولو بالقوة، وإبادة الآخرين إذا لزم الأمر.
كيف عالج الإسلام مشكلة الفقر والجوع؟
الإسلام حارب الأمية والجهل والفقر، وجاء لتحقيق الكرامة الإنسانية، يقول الله عز وجل:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}. سورة الإسراء: 70.
والإسلام حث القادرين على العمل، وذم السؤال، ودعا إلى التعفف، وضمن الكرامة المالية للفقراء، يقول الله عز وجل:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}. سورة المعارج: 24-25.
وضمن الكرامة المالية للمرأة بأن جعل نفقتها على وليها من الرجال، وضمن الكرامة المالية لغير المسلمين بأن جعل لهم حقوقًا في بيت مال المسلمين.
ونحن بحاجة لتصحيح توظيف الزكاة والوقف فهما أدوات تنموية وليست استهلاكية، وهو ما فهمه الفاروق رضي الله عنه وعبر عنه بقوله:”إذا أعطيتم فأغنوا”، أي أعطوا الفقير والمحتاج ما يسد حاجته ويخرجه من دائرة الفقر.
وصدقة الفطر قدرها الدكتور علي القره داغي بنحو مليار دولار، والزكاة ما بين 500-600 مليار دولار، وهي كافية لتغطية احتياجات جميع المسلمين في العالم.
وذهاب أموال الزكاة والوقف للمساعدات الشهرية والطارئة يجب أن يتوقف إلا في حالة واحدة وهي حالة العجز عن الكسب، وفي بحث لي حول الزكاة والتنمية اقترحت تخصيص 20% فقط من أموال الزكاة للحالات الطارئة والمساعدات الإنسانية، وأن يخصص الباقي وهو 80% للمشروعات التنموية التي يستفيد منها الفقراء، ومن الأمثلة عليها: توفير أدوات الحرفة ووسائل الإنتاج للفقراء القادرين على العمل، وبذلك نخرجهم من دائرة الفقر، ونحولهم إلى أفراد منتجين في المجتمع.
كيف نقضي على الأمية ونتغلب على الجوع؟
مشكلة الأمية يمكن حلها من خلال التوعية بالحق في التعليم كحق أساسي من حقوق الإنسان في الشريعة وفي المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
وفي مقابل عجز الجهود الحكومية عن القضاء على الأمية يجب تشجيع المبادرات الفردية والجماعية التي تعمل على توفير التعليم الجيد للأطفال.
ومشكلة الجوع يمكن التغلب عليها من خلال ترشيد الاستهلاك، وتقليل الهدر في الغذاء، والتخلص من التبعية للغرب وتحقيق الاستقلال الوطني، ومن خلال التوزيع العادل للخيرات والثروات، والتركيز على الدور التنموي للزكاة والوقف في معالجة مشكلة الفقر.
المصدر: مدونات الجزيرة