الإسلام والرفاهية *
من المفاهيم المغلوطة التي علقت في أذهان الكثيرين من المسلمين ومن غير المسلمين عن الإسلام أنه دين يدعو أتباعه إلى التقشف والحرمان وترك الاستمتاع بطيبات الحياة الدنيا ويحثهم على أن يؤثروا الفقر والحرمان وشظف العيش على متاع الدنيا الذي يوصف بأنه قليل وزائل.
وهذا المفهوم الخاطئ يصححه القرآن صراحة حيث يقول الله عز وجل: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} . سورة الفرقان : 44
سورة الأعراف: 32. وعَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ:« إِنَّ الله جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ. الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ». صحيح مسلم: 225 .
ومن رحمة الله عز وجل بعباده أن جعل دائرة الحلال والمباحات واسعة جداً ودائرة المحرمات ضيقة جداً فالأصل في الأشياء هو الإباحة والتحريم هو الاستثناء. فعن الحلال يقول الله عز وجل:{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. سورة البقرة: 29. ويقول الله عز وجل:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}. سورة البقرة: 168.
وفي شأن المحرمات يقول الله عز وجل:{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. سورة البقرة: 173.
والله عز وجل دعا المؤمنين إلى الأكل الطيبات يقول الله عز وجل:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}. سورة البقرة: 172.
ومن أهداف بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاء ليحل الطيبات ويحرم الخبائث يقول الله عز وجل:{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. سورة الأعراف: 157.
والزهد له معنى خاطئ عند الكثيرين الذين يظنون أنه حرمان وتعذيب للنفس والزهد الحقيقي أن يزهد الإنسان عن غنى وعن متع الدنيا التي منحها الله عز وجل له أما أن يزهد في أشياء لا يستطيع إليها سبيلاً وحقيقة الزهد أن تكون الدنيا في يد العبد لا في قلبه.
والرسول صلى الله عليه وسلم عد وسيلة المواصلات المريحة والمسكن الواسع وهما من وسائل الرفاهية قديماً وحديثاً عدهما من أسباب السعادة في الدنيا فعن نافع بن عبد الحارث رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« مِنْ سَعادَةِ المَرْءِ الجارُ الصَّالِحُ وَالمَرْكَبُ الهَنِيءُ، وَالمَسْكَنُ الوَاسِعُ» . مسند الإمام أحمد: 15070.
والصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا جميعاً فقراء وكان من بينهم أصحاب تجارات وأموال عظيمة كأبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعاً، والأغنياء من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وظفوا أموالهم في خدمة الدعوة وفي مساعدة المحتاجين.
ومن المبادئ الإسلامية التي أرساها الإسلام في المجال الاقتصادي أن تضمن الدولة الإسلامية للإنسان حد الكفاية وليس حد الكفاف، فعن المُسْتَوْرِدِ بنِ شَدَّادٍ رضي الله عنه، قال سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:« مَنْ كَانَ لَنَا عَامِلاً فَلْيَكْتَسِبْ زَوْجَةً فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَكْتَسِبْ خَادِماً، فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَكْتَسِبْ مَسْكَناً. قال قال أبُو بَكْرٍ: أُخْبِرْتُ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: مَن اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ أوْ سَارِقٌ». سنن أبي داود: 2947 .
ومن المبادئ المتعلقة بفريضة الزكاة مبدأ إغناء الفقراء فعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:”إذا أعطيتم فأغنوا”، أي أعطوا الفقير ما يسد فقره وحاجته وينقله إلى حالة الغنى التي يستيطع من خلالها أن يعمل وينتج وينفع نفسه ويتصدق.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ غَنَماً بَيْنَ جَبَلَيْنِ. فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا. فَوَاللّهِ إِنَّ مُحَمَّداً لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ. فَقَالَ أَنَسٌ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنْيَا. فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسْلاَمُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا. صحيح مسلم: 5974.
والفئات الضعيفة والمحرومة في المجتمعات غير الإسلامية تعيش في رغد في ظل الإسلام الذي جعل لها حقوقاً في أموال الأغنياء وهذا الأمر يشمل حتى غير المسلمين الذين يعيشون في كنف الدولة الإسلامية. ورفاهية ورغد الحياة لم يوفرها الإسلام للإنسان فقط بل شملت الحيوان أيضاً فقد إعتنى الإسلام برفاهية الحيوان المتمثلة في الحصول على الطعام والشراب بل والحصول على الراحة.
والاهتمام برفاهية الحيوان نجده في استشعار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه حتى تجاه الحيوانات فمن هيبته وخشيته لله عز وجل كان يخشى أن يسأله الله عز وجل يوم القيامة عن الدواب بقوله:” لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله عز وجل يوم القيامة: لم لم تمهد لها الطريق يا عمر؟”.
وتحقيق الرفاهية في الدولة الإسلامية حلم تحقق في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي حكم بين الناس بالعدل ورد المظالم إلى أهلها وأعطى كل ذي حق حقه فكثرت الخيرات وفاضت الأموال فصرفها في وجوه الخير وزوج بها الشباب.