الاحتفال بالمولد النبوي في التاريخ
دكتور نعيم عبد الغني
الاحتفال بالمولد النبوي استأثر بكلام كثير عبر التاريخ، حتى صنفت في فيه الكتب المستقلة فمثلا في القرن السادس الهجري صنف كتاب (التنوير في مولد البشير النذير)، للشيخ أبو الخطاب ابن دحية الذي أجيز عليه بألف دينار من الملك المظفر أبو سعيد كوكبري وفي القرن الثامن ألف الفاكهاني”المورد في الكلام على المولد” وحديثا صنف كتاب تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي لحسن السندوبي. بالإضافة لما هو مبثوث في كتب الأدب والتاريخ كصبح الأعشى للقلقشندي وتاريخ الجبرتي والبداية والنهاية لابن كثير…إلخ فضلا عن كتب الفقه التي تتناول مشروعية الاحتفال فتضطر لتتبع مساره التاريخي حتى تتصور المسألة تصورا صحيحا فيكون حكمها سليما فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.
ويكاد يردد الكاتبون عن تاريخ الاحتفال بميلاد المصطفي – صلى الله عليه وسلم- أن هذه الظاهرة ترجع للفاطميين في القرن الرابع الهجري وإن كان بعضهم يؤرخ لبدايتها بالقرن السادس الهجري على يد الملك المظفر أبو سعيد كوكبري، بيد أن البعض حاول التوفيق بين الرأيين فقال إن العادة بدأت في مصر في القرن الرابع الهجري على يد الفاطميين ثم انتقلت إلى العراق فبدأ انتشارها على يد كوكبري.
وأيا ما كان الأمر فقد بدأت عادة الاحتفال بالمولد ما بين مؤيد لها ومعارض، حتى أصبحت أداة سياسية يستخدمها الساسة لتقريب الشعوب إليها؛ فإن رأو ميلا من الشعوب للاحتفال بها احتفو بها وأيدوها وإن رأو إنكارا من الناس وقفوا في وجه من يدعو لها، وهذا واقع منذ بدئها وحتى الآن، من الساسة المسلمين وغيرهم، فيروي الجبرتي أن نابليون أراد أن يحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم إبان الاحتلال الفرنسي لمصر فدفع للشيخ البكري أمولا، وبعث له طبولا وطعاما وشراب للاحتفال بميلاد المصطفى؛ مما دفع بالرافعي إلى تبرير ذلك بمحاولة استمالة نابليون قلوب المصريين وإظهار أن فرنسا صديقة الإسلام والمسلمين وهذا منطق أي محتل على مر التاريخ بصفة عامة؛ فهو يأتي لخراب البلاد بزعم الصداقة والمحبة ونشر السلام.
ومظاهر الاحتفال بمولد النبي – صلى الله عليه وسلم- لا تخرج عن تناول الأطعمة والأشربة وحلقات الذكر والإنشاد وقراءة القرآن وإلقاء الخطب والموعظ الدينية وزينة الشوارع مع إفراط وتفريط واعتدال في هذه المظاهر التي صاحبها ألوان من التجديد. وقد تصاحب ذلك أفعال خير كالصدقة والصيام ونحو ذلك.
ففي الطعام والشراب نذكر مثلا ما رواه القلقشندي من أن الفاطميين كانوا يصنعون حفلا عظيما ويكثرون من عمل الحلوى وبالغوا في ذلك حتى وصلت أموالا باهظة بلغت سنة 517هـ 467,140 ألف دينار. ويروي ابن كثير أن كوكبري كان يصنع الموائد عليها خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى.
وقبل هذه المائدة الكبيرة بيومين كانت تساق الذبائح تزفها الطبول إلى مكان نحرها، وكانت تتعطل الأعمال وتقام الزينات في الشوارع والميادين.
ومن مظاهر البذخ في الطعام والشراب أن الفاطميين قاموا بصنع عروسة المولد المصنوعة من السكر المذاب؛ التي يرجعها فريق للحضارة المصرية القديمة ويردها فريق ثان للتأثر بقبط مصر ويرجحها فريق ثالث لتأثر الفاطميين بتراثهم الفارسي القديم.
وأما حلقات الذكر فإنها اتخذت ألوانا متعددة، فهناك الذين يكتفون بقراءة القرآن والصلاة على النبي ومدحه في هذه المناسبة، وهناك من يسرف في ذلك بإقامة الحضرات الصوفية التي تحدث فيها كثير من التجاوزات من شطحات وكلمات لا يستسيغها العقل ولا يوجد لها أصل في النقل، وكتب التاريخ مملوءة بكثير من الحكايات في ذلك، فمثلا نقرأ في البداية والنهاية لابن كثير أن كوكبري “كان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم ويطلق لهم ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر، ويرقص بنفسه معهم”
ولا تقتصر هذه الحلقات على المساجد بل تكون في خارجها، في أماكن خالية أو في سرادقات يجتمع فيها الناس على الطعام والشراب وحلقات الذكر المصحوبة بالإنشاد والطبول والملبس الخاص ببعض المداحين وأهل التصوف.
وإذا كانت هذه الطقوس موجودة حتى اليوم باختلاف درجاتها من حيث التوسط والإفراط والتفريط مما دعا بالكثير إلى مهاجمتها لابتداعها في الدين أولا ولمصاحبتها بهذه الطقوس التي لا يرضها الشرع ثانيا فإن لهذه الظاهرة ميزة في الإبداع الأدبي والفني ينبغي أن تذكر؛ فالإنشاد جعل هناك إبداعا شعريا في مدح الرسول قامت عليه دراسات نقدية متميزة، وأصبحت هناك شهرة لأعلام المديح النبوي كالبوصيري وابن الفارض والبارودي وشوقي وكثيرون الذين أبدعوا قصائد ترقى بالأحاسيس وتسمو بالمشاعر.
وقد تغنى بهذه القصائد أعلام من الإنشاد الديني في مناسبات دينية كثيرة بصوت عذب جميل فأضافوا إلى إبداع الصورة براعة التصوير. وما زالت ساحة الإنشاد الديني تذكر أعلاما غردوا في سماء هذا الفن الجميل كالشيخ طه الفشني والشيخ يوسف البهتيمي والشيخ النقشبندي والشيخ طوبار وغيرهم.
إن هؤلاء غنوا القصائد مدحا في النبي في قوالب مختلفة من الشعر العمودي والموشحات وأحيانا بالعامية الموزنة على موسيقى
ويكاد يردد الكاتبون عن تاريخ الاحتفال بميلاد المصطفي – صلى الله عليه وسلم- أن هذه الظاهرة ترجع للفاطميين في القرن الرابع الهجري وإن كان بعضهم يؤرخ لبدايتها بالقرن السادس الهجري على يد الملك المظفر أبو سعيد كوكبري، بيد أن البعض حاول التوفيق بين الرأيين فقال إن العادة بدأت في مصر في القرن الرابع الهجري على يد الفاطميين ثم انتقلت إلى العراق فبدأ انتشارها على يد كوكبري.
وأيا ما كان الأمر فقد بدأت عادة الاحتفال بالمولد ما بين مؤيد لها ومعارض، حتى أصبحت أداة سياسية يستخدمها الساسة لتقريب الشعوب إليها؛ فإن رأو ميلا من الشعوب للاحتفال بها احتفو بها وأيدوها وإن رأو إنكارا من الناس وقفوا في وجه من يدعو لها، وهذا واقع منذ بدئها وحتى الآن، من الساسة المسلمين وغيرهم، فيروي الجبرتي أن نابليون أراد أن يحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم إبان الاحتلال الفرنسي لمصر فدفع للشيخ البكري أمولا، وبعث له طبولا وطعاما وشراب للاحتفال بميلاد المصطفى؛ مما دفع بالرافعي إلى تبرير ذلك بمحاولة استمالة نابليون قلوب المصريين وإظهار أن فرنسا صديقة الإسلام والمسلمين وهذا منطق أي محتل على مر التاريخ بصفة عامة؛ فهو يأتي لخراب البلاد بزعم الصداقة والمحبة ونشر السلام.
ومظاهر الاحتفال بمولد النبي – صلى الله عليه وسلم- لا تخرج عن تناول الأطعمة والأشربة وحلقات الذكر والإنشاد وقراءة القرآن وإلقاء الخطب والموعظ الدينية وزينة الشوارع مع إفراط وتفريط واعتدال في هذه المظاهر التي صاحبها ألوان من التجديد. وقد تصاحب ذلك أفعال خير كالصدقة والصيام ونحو ذلك.
ففي الطعام والشراب نذكر مثلا ما رواه القلقشندي من أن الفاطميين كانوا يصنعون حفلا عظيما ويكثرون من عمل الحلوى وبالغوا في ذلك حتى وصلت أموالا باهظة بلغت سنة 517هـ 467,140 ألف دينار. ويروي ابن كثير أن كوكبري كان يصنع الموائد عليها خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى.
وقبل هذه المائدة الكبيرة بيومين كانت تساق الذبائح تزفها الطبول إلى مكان نحرها، وكانت تتعطل الأعمال وتقام الزينات في الشوارع والميادين.
ومن مظاهر البذخ في الطعام والشراب أن الفاطميين قاموا بصنع عروسة المولد المصنوعة من السكر المذاب؛ التي يرجعها فريق للحضارة المصرية القديمة ويردها فريق ثان للتأثر بقبط مصر ويرجحها فريق ثالث لتأثر الفاطميين بتراثهم الفارسي القديم.
وأما حلقات الذكر فإنها اتخذت ألوانا متعددة، فهناك الذين يكتفون بقراءة القرآن والصلاة على النبي ومدحه في هذه المناسبة، وهناك من يسرف في ذلك بإقامة الحضرات الصوفية التي تحدث فيها كثير من التجاوزات من شطحات وكلمات لا يستسيغها العقل ولا يوجد لها أصل في النقل، وكتب التاريخ مملوءة بكثير من الحكايات في ذلك، فمثلا نقرأ في البداية والنهاية لابن كثير أن كوكبري “كان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم ويطلق لهم ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر، ويرقص بنفسه معهم”
ولا تقتصر هذه الحلقات على المساجد بل تكون في خارجها، في أماكن خالية أو في سرادقات يجتمع فيها الناس على الطعام والشراب وحلقات الذكر المصحوبة بالإنشاد والطبول والملبس الخاص ببعض المداحين وأهل التصوف.
وإذا كانت هذه الطقوس موجودة حتى اليوم باختلاف درجاتها من حيث التوسط والإفراط والتفريط مما دعا بالكثير إلى مهاجمتها لابتداعها في الدين أولا ولمصاحبتها بهذه الطقوس التي لا يرضها الشرع ثانيا فإن لهذه الظاهرة ميزة في الإبداع الأدبي والفني ينبغي أن تذكر؛ فالإنشاد جعل هناك إبداعا شعريا في مدح الرسول قامت عليه دراسات نقدية متميزة، وأصبحت هناك شهرة لأعلام المديح النبوي كالبوصيري وابن الفارض والبارودي وشوقي وكثيرون الذين أبدعوا قصائد ترقى بالأحاسيس وتسمو بالمشاعر.
وقد تغنى بهذه القصائد أعلام من الإنشاد الديني في مناسبات دينية كثيرة بصوت عذب جميل فأضافوا إلى إبداع الصورة براعة التصوير. وما زالت ساحة الإنشاد الديني تذكر أعلاما غردوا في سماء هذا الفن الجميل كالشيخ طه الفشني والشيخ يوسف البهتيمي والشيخ النقشبندي والشيخ طوبار وغيرهم.
إن هؤلاء غنوا القصائد مدحا في النبي في قوالب مختلفة من الشعر العمودي والموشحات وأحيانا بالعامية الموزنة على موسيقى
الشعر، فمثلا نذكر من تواشيح الفشني:
ميلاد طه أكرم الأعياد …وبشير كل الخير والإسعاد
يا أفضل الرسل جميعهم…أنت الشفيع لنا ليوم ميعاد
فضياك عم المشرقين ,,,,منذ استنار الكون بالميلاد
يا أفضل الرسل جميعهم…أنت الشفيع لنا ليوم ميعاد
فضياك عم المشرقين ,,,,منذ استنار الكون بالميلاد
وليس أشهر من قول نشيد النقشبندي الذي يقول فيه:
وأتى ربيع فمرحبا بهلاله …قد أقبل الإسعاد في إقباله
شهر به سعد الزمان ….. فحقه أن يزدهي شرفا على أقرنه
ما ازدانت الأعياد إلى أنها…جمعت لزينتها بديع جماله
لما بدا في الأفق نور محمد ….كالبدر في الإشراق عند كماله
واخضر وجه الأرض ليلة وضعه …وانهل كل الغيث باستهلاله
نشر السلام على البرية كلها…. وأعاد فيها الأمن بعد زواله
ما في البرية قط مثل محمد … ..في حسن سيرته وسمح خصاله
شهر به سعد الزمان ….. فحقه أن يزدهي شرفا على أقرنه
ما ازدانت الأعياد إلى أنها…جمعت لزينتها بديع جماله
لما بدا في الأفق نور محمد ….كالبدر في الإشراق عند كماله
واخضر وجه الأرض ليلة وضعه …وانهل كل الغيث باستهلاله
نشر السلام على البرية كلها…. وأعاد فيها الأمن بعد زواله
ما في البرية قط مثل محمد … ..في حسن سيرته وسمح خصاله
وهكذا تتنوع الاحتفالات بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم التي لم تكن شرا محضا ولا خيرا محضا بل خلطت عملا صالحا وآخر سيئا وخلفت لنا إرثا من الإبداع وحب النبي يستحق الجمع والدراسة؛ للوقوف على المفردات التي تتكون منها جملة العقل المسلم؛ بغية دراسة إنسانية تنبه على ما يتأشبه من فكر ضال وانحراف في السلوك؛ ليستقيم على طريق لا عوج فيه ولا أمتا