الاقتصاد هو عصب الحياة، وهو المحرك الرئيس لكل الأحداث في العالم قديمًا وحديثًا، والاقتصاد الإسلامي وعلى الرغم من حداثة نشأته، استطاع أن يحقق معدلات نمو سريعة، وأن يجذب شريحة واسعة من العملاء، ولكن يبقى السؤال الجوهري مطروحًا وهو: هل يمكن أن يولد نظام اقتصادي إسلامي من رحم الاقتصاد الربوي؟!
الاقتصاد الإسلامي
نشأت البنوك الإسلامية في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وأولها كان بنك دبي الإسلامي الذي أسس في عام 1975، وتلاه إنشاء عدد كبير من المصارف الإسلامية في عدد من الدول العربية والإسلامية، وهناك العديد من المصارف الغربية التي فتحت فروعًا إسلامية!
والتطبيق العملي للمبادئ الاقتصادية التي جاء بها الإسلام، شابته بعض الانحرافات في ممارسات البنوك الإسلامية، وهناك الكثير من الشبهات التي تثار حول طبيعة العقود التي تتم فيها، وهو ما أدى إلى استقالة عدد من المستشارين في الهيئات الشرعية لعدد من المصارف الإسلامية.
والمعضلة الكبرى التي تواجه المصارف الإسلامية تحديدًا هي العمل ضمن إطار النظام الربوي، فهذه المصارف محكومة بتعليمات البنوك المركزية ونسبة الفائدة التي تحددها، وهذه البنوك مرتبطة هي الأخرى بالمؤسسات الاقتصادية الدولية التي تقوم على الربا.
النظام الاقتصادي العالمي
يقوم النظام الاقتصادي العالمي بالأساس على الربا وعلى الإقراض بفائدة، والمؤسسات المالية الكبرى وفي مقدمتها صندوق النقد والبنك الدوليين هي التي تضع قواعد اللعبة الاقتصادية ولا تسمح بالخروج عليها حفاظًا على الأرباح والمكاسب التي تجنيها من وراء ذلك، وجميع الدول التي اقترضت من هذه المؤسسات واتبعت سياساتها الاقتصادية فشلت في تحقيق أي نمو اقتصادي، وعانت من مشكلات اقتصادية جمة تتمثل في رفع الدعم عن السلع الأساسية وتزايد أعداد الفقراء وخفض الإنفاق على التعليم والصحة، وماليزيا ربما كانت الدولة الأسيوية الوحيدة التي نجت من تداعيات أزمة النمور الآسيوية في عام 1997 لأنها رفضت الاقتراض من هذه المؤسسات ولم تطبق سياساتها.
أردوغان والفوائد الربوية
أبرز مثال على محاولة الخروج من النظام الربوي العالمي، هو محاولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تخفيض الفائدة في بلاده، حيث خُفضت تدريجيًا ابتداء من مارس 2021 من 19% حتى وصلت إلى 8.5% في نوفمبر 2022، وانخفضت معها نسبة التضخم من 85% إلى 39.59%.
ولكن الضغوط الاقتصادية الخارجية والداخلية جعلت الرئيس أردوغان يتراجع مؤخرًا -ولو مؤقتًا- عن رؤيته الاقتصادية ويتجه نحو السياسات الاقتصادية (العقلانية) واختار قيادات مالية جديدة قامت برفع سعر الفائدة من 8.5 إلى 15%، بزيادة 650 نقطة أساس، في محاولة لجذب الاستثمارات الخارجية، ولكن هذه الزيادة لم تلب تطلعات المرابين العالميين وأصحاب رؤوس الأموال الساخنة، حيث كانت توقعات رفع سعر الفائدة تتراوح ما بين 20-40%، وكانت النتيجة انهيار سعر الليرة التركية مجددًا ووصولها إلى رقم قياسي غير مسبوق، وهو 26 ليرة مقابل الدولار الواحد!
ومحاولة أردوغان التخلي عن الفوائد الربوية والتي لم تكلل بالنجاح، تُظهر سطوة المؤسسات المالية العالمية القائمة على الربا وتحكمها في الاقتصاد العالمي، وتظهر أيضا حجم احتياجات الدول العربية والإسلامية للتمويل الخارجي واعتمادها عليه في التنمية، في حين أن رؤوس الأموال العربية والإسلامية مودعة في البنوك الغربية، وهو ما يشجع البنوك المركزية الغربية على خفض سعر الفائدة والوصول بها إلى صفر في المائة وربما إلى فائدة سلبية في بعض الأحيان تنشيطًا للاقتصاد!
ما هو المخرج؟
ربما يكون من المستحيل إنشاء نظام اقتصادي إسلامي في إطار نظام اقتصادي عالمي يقوم على الربا، والحل يكمن في إنشاء نظام اقتصادي موازي للنظام الربوي الذي يتحكم في اقتصاديات دول العالم والمتمثل في صندوق النقد والبنك الدوليين، والبنوك العالمية الأخرى.
والتغيرات والتحولات الاقتصادية الكبرى التي يمر بها العالم اليوم تُعد فرصة ذهبية للدول العربية والإسلامية لإنشاء منظومة مالية جديدة بالشراكة مع القوى الاقتصادية الصاعدة في العالم مثل الصين والهند وروسيا، وإحياء فكرة الدينار الذهبي الإسلامي التي طرحها مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق في عام 1997.
المصدر: العربي الجديد