التحديات التي تواجه الشباب
الفراغ هو العدو اللدود للشباب في كل زمان ومكان وهو السبيل التي تؤدي الى البحث عن الصحبة السيئة وإلى الانحراف، فعن ابن عباسٍ رضيَ اللّه عنهما، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:« نِعمتانِ مَغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصِّحة، والفراغ». صحيح البخاري: 6265.
وإذا كان في العمل مجهدة ففي الفراغ مفسدة كما يقولون. وعمر الإنسان من الأشياء التي سيسأل عنها يوم القيامة، فعن أَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه، قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« لا تزولُ قَدَما عَبْدٍ يَوْمَ القيامَةِ حتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فيما أفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ مَا فَعَلَ بِهِ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أيْنَ إكْتَسَبَهُ وفِيْمَا أنْفَقَهُ وعن جِسْمِهِ فيما أبْلاَهُ ». سنن الترمذي: 2462.
ولا شك في أن التعليم الذي يتلقاه الشباب هو تعليم سيء من ناحية المناهج التعليمية، ومن ناحية طرق التدريس وغياب الوسائل التعليمية الحديثة واعتماد التلقين كوسيلة للتدريس وإلغاء فكر وشخصية الطالب وقتل روح الإبداع عند الشباب، ولذلك يكره الكثير من الطلبة الذهاب إلى المدارس، وهناك إحصائية تقول إن 30% من المراهقين في تونس يكرهون المدرسة وقس على ذلك باقي الدول العربية.
وبعد التخرج من المدارس الثانوية أو الجامعات نجد أن هناك معضلة تنتظر كل خريج وهي البطالة والبطالة في عالمنا العربي تعتبر معادلة صعبة من ناحيتين:
أولاً: حديث المسؤولين العرب عن عدم توفر الموارد اللازمة لتشغيل الشباب والحقيقة أن تلك الموارد لا تستغل الاستغلال الأمثل ويساء استخدامها من قبل القائمين عليها وهي عرضة دائماً للنهب والسرقة، والكثير من مشروعات الشباب التي يتم تمويلها عن طريق الصناديق الاجتماعية تفشل والسبب هو الشروط المجحفة التي يضعها القائمون على تلك الصناديق من أجل الحصول على القرض وخصم الفائدة مقدماً من أصل القرض وعدم قيامها بتدريب وتأهيل الشباب للقيام بمثل هذه المشروعات.
ثانيا: وجود عجز في الوظائف التي تحتاج تخصصات معينة ووجود شباب عاطلون يحملون شهادات جامعية في نفس هذه التخصصات أو وجود وفرة في تخصصات بعينها ليس لها مجال في سوق العمل.
والعاطلون عن العمل يعتبرهم بعض المسؤولين العرب عبئاً على الدولة، وهم ليسوا كذلك فهم طاقات معطلة ومهدرة يجب استغلالها وتوظيفها بشكل جيد وإلا تحولت هذه الطاقات إلى قنابل موقوتة في كل بيت عربي والبطالة في صفوف الشباب تنذر بمشاكل اجتماعية خطيرة. فهناك شباب وصلوا إلى سن الخامسة والثلاثين ولم يجدوا فرصة عمل وبالتالي لم يتزوجوا، وهؤلاء عرضة أكثر من غيرهم لارتكاب جرائم مثل السرقة والزنا وعرضة لاعتناق أفكار متشددة ومتطرفة تذوق المجتمعات ويلاتها في شكل أعمال العنف التي تهدد أمن واستقرار المجتمعات العربية والإسلامية.
والبطالة ليست مشكلة في حد ذاتها وإنما تكمن خطورتها في الاثار السلبية الكثيرة الناجمة عنها فحوالي 80 % من العاطلين يرتكبون جرائم أسرية وحالات السرقة تمثل 60 % منها.
وفي مصر هناك 3000 حالة انتحار سنوياً بين الشباب العاطلين أقل من 40 سنة وهناك 15 ألف شاب مصري يعملون في اسرائيل ويمثلون تهديداً للأمن القومي.
وتقرير منظمة العمل العربية وصف الوضع الحالي للبطالة بأنه الأسوأ بين جميع مناطق العالم من دون منازع وأنه في طريقه لتجاوز كل الخطوط الحمراء.
وأشار التقرير الى أن أبرز خصائص البطالة في البلدان العربية تدني المستويات التعليمية للعاطلين عن العمل بجانب انتشارها بين الشباب وضعف الخبرة المهنية المتوفرة لدى العاطلين عن العمل وغياب التدريب المهني الموجه لسوق العمل بالإضافة إلى غياب التخطيط وارتفاع نسبة الإناث العاطلات عن العمل.
ومن واقع التقرير فقد اختفظت المنطقة العربية بأعلى معدلات نسبة البطالة بين الشباب على مستوى العالم بنسبة فاقت 25%”.
وإذا نظرنا إلى معدل البطالة في اليابان نجد أنه عندما يرتفع لا يزيد عن 5 % والصين التي يزيد عدد سكانها على المليار نسمة يمثلون خمس سكان العالم تعاني من نقص الأيدي العاملة في قطاع الصناعة ومصانع الجنوب يوجد بها مليوني وظيفة شاغرة!
وللقضاء على ظاهرة البطالة لا بد من التوسع في التعليم الفني وخصوصاً التعليم الصناعي والعمل على تغيير نظرة المجتمع لأصحاب الحرف المهنية لأن التعليم الفني هو سبيلنا للنهوض في المجال الصناعي وفي مجال التكنولوجيا التي سبقنا فيها الغرب. ومن الأمور الهامة أيضاً العمل على إيجاد موارد لتمويل براءات الاختراع وتشجيع القطاع الخاص على تمويل عشرات الآلاف من براءات الاختراع المهملة والكفيلة بحل الكثير من المشكلات التقنية والاقتصادية والزراعية في العالم العربي. وعدم وجود وظيفة تكفل حياة كريمة وتؤسس لأسرة جديدة ونظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الكثير من الأسر العربية، كل ذلك أدى إلى تأخر سن الزواج عند الشباب والفتيات.
ومن أسباب تأخر سن الزواج غلاء المهور والطلبات التعجيزية من قبل والد ووالدة الفتاة ومشكلة غلاء المهور يعود جزء كبير منها إلى نظر البعض لمن فوقهم في المستوى الاجتماعي يقول تعالى:{ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}. سورة طه: 131.
وفي ظل هذه العقبات التي توضع أمام تكوين أسرة على أساس سليم اتجه الشباب إلى أنواع من الزيجات يطلقون عليها مجازاً (الزواج العرفي) وإلى أنواع أخرى من العلاقات الشاذة مثل زواج الكاسيت وزواج الدم والزواج السياحي وغيرها، وانتشرت هذه العلاقات الشاذة انتشار النار في الهشيم بين الطلبة والطالبات في الجامعات ووصلت إلى الطلبة في المدارس الثانوية أيضاً !
محمد خاطر
mimkhater@hotmail.com