التعليم حق إنساني
التعليم في البلاد العربية أصبح جزءاً من المشكلة وليس الحل، لأننا لم نحدد وبدقة أهداف العملية التعليمية والوسائل التي تؤدي إلى تحقيقها، ولأننا لم نحدد نوعية الخريجين الذين نحتاجهم والمهارات الأساسية التي يجب أن يكتسبوها من خلال العملية التعليمية، وأصبح هناك فجوة كبيرة بين التخصصات التي يحملها مئات الآلاف من الخريجين وبين التخصصات التي يحتاجها سوق العمل وتحتاجها البلاد العربية لتحقيق النهضة والتقدم.
البعد عن منهج الله عز وجل هو سبب شقاء الإنسان وتعاسته، وسبب شقاء جميع المخلوقات من حوله لأن الله هو الذي خلق الإنسان وهو أعلم بما يصلحه وبما يفسده، ولذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين لهداية الناس إلى طريق الحق والخير.
الجمود والتحجر، والانغلاق على الذات، وعدم الانفتاح على الآخر، وترك إعمال العقل، والحجر على عقول الناس ومنعهم من التفكير يؤدي حتماً إلى التخلف وهذا هو الداء العضال الذي تعاني منه الأمة اليوم.
من المشكلات التي تعوق تحقيق النهضة الأنانية والنزعة الفردية التي طغت على حياة الكثيرين من أبناء هذه الأمة وجعلت كل فرد منها مشغولاً بنفسه وبملذاته وشهواته أو مشغولاً بأسرته وبتوفير إحتياجاتها الضروروية وقلما نجد من يحمل هم هذه الأمة ويعمل من أجل نهضتها ورفعة شأنها.
أدى الجهل ونقص الوعي إلى تهميش العلماء وتغييبهم عن الساحة وإقصائهم عن عمد عن دائرة التأثير وصنع القرار وعن الحياة العامة وكانت النتيجة أن المجتمعات العربية فقدت جهود خيرة أبنائها ووضعت مقدراتها في أيدي أنصاف المتعلمين وأشباه العلماء في مجالات كثيرة وهو ما يعكس التردي والتدهور الذي حدث في قطاعات كثيرة.
والنخب العلمية في العالم العربي والنقابات التي تمثلها يوضع في طريقها الكثير من العقبات وتتعرض للكثير من المضايقات، وتتعرض لحرب شرسة من قبل الأنظمة الحاكمة .
الفساد السياسي من أهم معوقات تحقيق النهضة، لأنه يلقي بظلاله القاتمة على المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، وهو سبب عدم تفعيل دور الكثير من المؤسسات التعليمية والبحثية في البلاد العربية والإسلامية.
من أسباب عدم القدرة على تحقيق النهضة والتنمية في البلاد العربية والإسلامية غياب الدراسات والإحصائيات الدقيقة التي يمكن من خلالها إدراك طبيعة وحجم المشكلات التي تعاني منها ومن ثم وضع الحلول المناسبة لها.
والأرقام لا تكذب ولا تتجمل في الغرب والدول المتقدمة وتظهر الأمور على حقيقتها وكما هي حتى وإن كانت سيئة، أما الأرقام عندنا فتكذب وتتجمل وتستخدم في تضليل الشعوب وإيهامهم بأن هناك تقدماً يحدث في الوقت الذي يزداد فيه معدل تراجعنا في الكثير من المجالات.
عدم القدرة على تحقيق النهضة في البلاد العربية رغم كثرة المؤسسات البحثية دليل على وجود خلل وقصور في عمل هذه المؤسسات وعلى غياب المقومات الأساسية التي يقوم عليها البحث العلمي.
الدور المشبوه الذي تقوم به وسائل الإعلام العربية هو القاسم المشترك الأعظم بين كل المصائب والنكبات التي حلت وستحل بالأمة العربية، وهذا الدور سيستمر ما لم يقف العقلاء والمصلحون وقفة جادة ضد ما تقوم به من تضليل للشعوب وتزييف وطمس للحقائق والمساعدة على نشر الجهل والسطحية في المجتمعات العربية باهتمامها بسفاسف الأمور وبالتافهين والتافهات، وإهمالها للعلماء والمصلحين والمبدعين والعمل على نشر الفاحشة والرذيلة، وافساد الشباب والفتيات من خلال البرامج المستنسخة التي تستهدفهم ومن خلال الإهتمام المبالغ فيه بالرياضيين وبالفنانين والفنانات وتركيز الأضواء عليهم وإهمال الدعاة والمصلحين والعلماء والأدباء.
الاتكالية هي أحد الأمراض المزمنة التي أصابت أفراد هذه الأمة وقتلت فيهم روح المبادرة والرغبة في التفوق وأقعدتهم عن العمل وعن طلب المعالي فتركوا مجالات كثيرة لم يطرق أحد منهم بابها، وأهملوا الكثير من العلوم التطبيقية التي تفوق فيها المسلمون في الماضي ولذلك أصبحوا في ذيل الأمم وتخلفوا في كثير من الميادين.
والاتكالية محلول يشربه كثير من أطفال العرب والمسلمين مع حليب أمهاتهم وأثناء الفترات الأولى من طفولتهم وحتى عندما يصبحون رجالاً ثم يحلو للبعض بعد ذلك أن يتساءل عن أسباب انعدام روح المبادرة عند الملايين من الشعوب العربية والإسلامية.
الهزيمة النفسية التي استقرت في نفوس الكثير من المسلمين هي الداء العضال الذي أصابهم وأقعدهم عن العمل والإنتاج ومنافسة الآخرين وهي التحدي الحقيقي الذي يواجه دعاة الإصلاح.
يعتقد بعض الكتاب والمفكرين أن أزمتنا ومشكلتنا الحقيقية تمكن في إيمان الكثيرين بنظرية المؤامرة واتخاذها كمبرر للهروب من تحمل المسؤولية وتحمل نتيجة الأخطاء التي نتركبها فما أسهل أن نحمل الآخرين وزر تخلفنا وتراجعنا.
ونقول إن المسؤولية عن تخلفنا هي مسؤوليتنا نحن بالدرجة الأولى، وهذا التخلف من صنع أيدينا واستمراره من اختيارنا، ولكن ذلك لا ينفي وجود المؤامرة ووجود مخططات معلنة وغير معلنة هدفها السيطرة على خيرات وثروات البلاد العربية والإسلامية وضمان تبعيتها للغرب في كل شيء.
ولمن ينكرون وجود المؤامرة نقول إن لها سوابق عديدة في التاريخ والكثير من الأحداث والفتن التي تعرض لها العرب والمسلمون تمت بأيد خفية تسهل معرفتها من خلال البحث عن المستفيد من ورائها، فالأنظمة المستبدة أولاً والغرب ثانياً هم المستفيدون من استمرار حالة الضعف والتخلف التي نعيش فيها.
المنهج الرباني هو أساس النهضة الحقيقية، وكل نهضة تتم بعيداً عن هذا المنهج فستكون وبالاً على أهلها ومصيرها إلى الزوال، وكل ذلك مشاهد للعيان قديماً وحديثاً. وعندما نقول إن المنهج الرباني هو المدخل الوحيد والصحيح لتحقيق النهضة الشاملة في العالمين العربي والإسلامي، فذلك لأن هذا المنهج يحمل بين طياته الأسس التي تقوم عليها هذه النهضة، وهو الذي يعالج الأخطاء والسلبيات الموجودة في المجتمع والتي تعوق تحقيق النهضة.
والشقاء الذي تعيشه البشرية اليوم برغم التقدم المادي المذهل الذي وصلت إليه، سببه البعد عن منهج الله عز وجل والحياة الحقيقية في طاعة الله عز وجل والاستجابة لرسوله صلى الله عليه وسلم والأمة اليوم بحاجة إلى من يحييها ويعيد إخراجها لكي تصبح كما أراد الله عز وجل خير أمة أخرجت للناس.
والعلماء العرب والمسلمون قدموا للبشرية خدمات جليلة، ولعل أهمها كان الحفاظ على التراث العلمي للحضارات السابقة والحفاظ عليها من الاندثار، وهو على النقيض تماماً مما قام ويقوم به أصحاب الحضارات الأخرى وإلى يومنا هذا من تدمير متعمد للتراث العلمي الذي تركه العلماء المسلمون، وهو في الحقيقة تراث للبشرية كلها.
وتخلي المسلمين عن قيادة البشرية بالمنهج الذي ارتضاه الله عز وجل للعالمين وتخليهم عن دورهم الحضاري لم يكن سبب تعاستهم وشقائهم بمفردهم، وإنما عاد على العالم كله بالوبال، والدليل على ذلك التعاسة والشقاء الذي تعيش فيه البشرية اليوم.
والضعف الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم يعتبر فتنة لغير المسلمين فلعل واحداً منهم يقول وهو محق: إذا كان الإسلام يحمل في دعوته مشروعاً للنهضة والرقي والتقدم فلماذا تخلف المسلمون عن ركب الحضارة ولماذا أصبحوا في ذيل الأمم والشعوب في كل المجالات؟!
العلم في الإسلام لا ينفصل ولا ينفصم عن الأخلاق بحال من الأحوال، لأن كل منهما يكمل الآخر، فالعلم يهذب النفس ويسمو بها، والأخلاق تضبط العلم وتقوده في مساره الصحيح لخدمة البشرية والتخفيف من معاناتها.
والعلم في الإسلام أنتج حضارة عالمية كانت رحمة للعالمين وآثارها الروحية والمادية ما زلت شاهدة على عظمة وإنسانية هذه الحضارة.
وسبب رئيسي من أسباب تراجعنا وتخلفنا وتفوق كل الأمم والشعوب علينا وعدم قدرتنا على النهوض ومجاراة التقدم العلمي المذهل الذي يحدث في كل المجالات هو فشلنا في تربية أولادنا وتخريج أجيال معوقة نفسياً وجسدياً والفشل في تنشئة أفراد يستطيعون الاعتماد على أنفسهم ولديهم القدرة على تحقيق النهضة.
وأسوأ ما يقوم به الآباء والأمهات هو تربية أبنائهم بالتجربة والخطأ والاستكشاف وهو ما يؤدي إلى المعاناة المتكررة في تربية الأولاد، وإلى الفشل في التربية بكل جوانبها.
النهضة العلمية لا تقوم إلا على أكتاف العلماء المخلصين من أبناء الأمة الذين يبتغون بعلمهم وعملهم وجه الله عز وجل، ويسعون إلى سعادة البشرية بمحاربة الفساد بكل أنواعه والمحافظة على صلاح الأشياء من حولهم كما خلقها الله عز وجل والعمل على زيادة صلاحها، وهذا هو منهج الإسلام الذي ينهى عن الفساد في الأرض.
وسائل الإعلام العربية ارتكبت وما زالت ترتكب الكثير من الأخطاء بحق العلماء والمبدعين العرب فهي تتجاهلهم وتتجاهل ابداعاتهم والنجاحات التي يحققونها، ولا تلقي لها بالاً وتتجاهل كذلك شريحة كبيرة من الجماهير التي تسعى للحصول على معلومة أو خبر عن العلماء العرب أو عن الأحداث والمستجدات على الساحة العلمية والمؤتمرات العلمية التي تعقد في الداخل والخارج.
لا تستقيم حياة الإنسان في هذا الكون بدون العلم والمعرفة يقول الله عز وجل: { وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة النحل: 78.
فالله عز وجل زود الإنسان بأدوات العلم والمعرفة، وهي السمع والبصر والعقل، والمطلوب من الإنسان أن يوظف هذه الأدوات في التعلم وإكتساب المعارف والخبرات، ومسيرة التعلم يجب ألا تنتهي أو تتوقف عند حد معين فلا بد للإنسان أن يتعلم كل يوم جديداً، وأن يضيف إلى خبراته ما يمكنه من أن يعيش حياته بطريقة أفضل.