التغيرات المناخية ألقت بظلالها القاتمة على جميع مناحي الحياة، وفقراء العالم اليوم هم الفئة الأكثر تضررًا نتيجة هذه التغيرات التي حدثت خلال الفترة الماضية والتي من المتوقع أن يزداد تأثيرها سوءًا على أوضاع الفقراء في مناطق مختلفة من العالم.
والتلوث البيئي الذي يُعاني منه كوكب الأرض صاحبه تغيرات مناخية مثل الجفاف والتصحر الذي أصاب بعض المناطق، وحرائق الغابات، والفيضانات والأعاصير التي أصابت مناطق أخرى من العالم، وكل ذلك أدى إلى وفات المئات وتهجير مئات الآلاف من السكان، ونتج عنه ارتفاع أسعار الأغذية.
التغيرات المناخية ومعاناة الفقراء
على الرغم من الجهود المبذولة للقضاء على الفقر في العالم، يوجد حوالي مليار نسمة من سكان الأرض يعانون من متلازمة الفقر والمرض، فالفقر يؤدي إلى المرض والمرض يؤدي إلى الفقر. ففي عام 2020، عانى 811 مليون شخص من الجوع في العالم، بزيادة قدرها 161 مليون عن عام 2019، والتلوث البيئي يودي بحياة حوالي 13 مليون شخص كل عام.
والتغيرات المناخية أدت إلى زيادة معاناة الفقراء في العالم، والملايين منهم حُرموا من الغذاء ومن المياه الصالحة للشرب، والدول الصناعية الكبرى التي كانت سببًا رئيسيًا في التغيرات المناخية لم تقم حتى الآن بواجبها تجاه الفقراء في العالم، ولم تعمل بجد لتقليل الآثار الناتجة عن التلوث البيئي الذي تسببت فيه. ودول مجموعة العشرين وفي مقدمتها الصين والولايات المتحدة والهند والاتحاد الأوروبي وروسيا تنتج حوالي 80% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
الاهتمام بتغير المناخ
المجتمع الدولي في عام 2015م وضع 17 هدفًا ضمن خطة التنمية المستدامة لعام 2030م، ومن هذه الأهداف: القضاء على الفقر، والقضاء التام على الجوع، والمياه النظيفة، والعمل المناخي، والحياة في البر، وكلها مرتبطة بالتغيرات المناخية وتتأثر بها سلبًا أو إيجابًا.
وطبقًا لتقارير الأمم المتحدة فإن التحول إلى الاقتصاد منخفض الكربون يمكن أن يؤدي إلى مكاسب اقتصادية مباشرة قدرها 26 تريليون دولار حتى عام 2030 مقارنةً بالأعمال المعتادة، ويمكن أن ينتج عنه أكثر من 65 مليون وظيفة جديدة.
واهتمام الأمم المتحدة بقضية المناخ بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي، ففي عام 1992م ومن خلال “قمة الأرض”، صدرت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ كخطوة أولى في التصدي لمشكلة تغير المناخ، وصدقت عليها 197 دولة، والهدف الأساسي للاتفاقية هو منع التدخل البشري “الخطير” في النظام المناخي.
وأعتمد بروتوكول كيوتو في عام 1997م، ومن الناحية القانونية يلزم بروتوكول كيوتو الأطراف من البلدان المتقدمة بأهداف خفض الانبعاثات، ويوجد الآن 192 طرفًا في بروتوكول كيوتو.
وبمناسبة يوم الأرض الذي يحتفل به في 22 أبريل 2016، وقع 175 زعيمًا من قادة العالم “اتفاقية باريس” في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وهناك الآن 184 دولة قد انضمت إلى اتفاقية باريس. والهدف من اتفاق باريس هو الوصول لتثبيت تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوي يسمح للنظام البيئي بأن يتكيف بصورة طبيعية مع تغير المناخ، وبالتالي حماية الإنسان من خطر نقص الغذاء والماء، والسماح بالمضي قدمًا في إيجاد وخلق سبل للتنمية الاقتصادية على النحو المستدام.
وفي مدينة جلاسكو باسكتلندا يعقد حاليًا المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP26)والذي سيستمر لأسبوعين، وينتظر الجميع الخروج منه بقرارات والتزامات واضحة على الدول وبخاصة الدول الصناعية الكبرى من أجل الحد من الآثار الكارثية للتغيرات المناخية على البيئة وعلى صحة الإنسان، بل وعلى استمرار وجوده على الأرض!
والهدف المنشود من هذا المؤتمر هو التزام الدول المشاركة بخفض انبعاثات الكربون العالمية إلى النصف بحلول عام 2030، والعمل من أجل تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى صفر بحلول عام 2050.
كيف نحد من تأثير التغيرات المناخية؟
التغيرات المناخية بحاجة إلى جهد جماعي من أجل الحد من التلوث البيئي الذي يتحمل الفقراء وحدهم أعباءه وتكاليفه الباهظة، والإسهام في تخفيف حدة تأثير التغيرات المناخية على الفقراء يتم على أربعة مستويات:
أولًا: الأفراد العاديين لهم دور مهم في التخفيف من معاناة الفقراء نتيجة التغييرات المناخية، ويتمثل هذا الدور في ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية وفي مقدمتها الماء، والحد من استخدام المواد التي تتسبب في زيادة وتعقيد مشكلة الاحتباس الحراري.
ثانيًا: دور المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات المعنية بشؤون البيئة، ويتمثل في توعية الجماهير بمخاطر التلوث البيئي والاحتباس الحراري، وفضح الممارسات والسياسات التي تنتهجها الدول والمؤسسات والشركات العالمية التي تلوث البيئة ولا تلتزم بتعهداتها الدولية في الحد من انبعاث الغازات الدفيئة.
ثالثًا: دور الحكومات ويتمثل في إصدار التشريعات البيئية، والرقابة على مصادر التلوث البيئي والحد منها، والسيطرة على انبعاثات الغازات الدفيئة التي تؤثر سلبًا على طبقة الأوزون وعلى المناخ.
رابعًا: دور المنظمات الدولية، ويتمثل في تفعيل الاتفاقيات الدولية بشأن التغيرات المناخية والرقابة على تنفيذها، وتقديم المساعدة للدول الفقيرة التي تعاني من الآثار البيئية التي خلفتها بعض الصناعات في الدول المتقدمة.
رابط المقال على مدونات الجزيرة:
https://www.aljazeera.net/author/mkhater