الحق في البيئة الآمنة والتنمية المستدامة
البيئة هي مجموعة النظم الطبيعية والاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها الإنسان، وهي المحيط الذي يُمارس فيه الإنسان أنشطته اليومية، والبيئة لها تأثيرها المباشر على حقوق الإنسان وفي مقدمتها الحق في الحياة وما يرتبط به من حقوق مثل الحق في السلامة والحق في الأمن.
وحقوق الإنسان وفقًا للمواثيق والمعاهدات الدولية تنقسم إلى ثلاثة أجيال وهي:
أولًا: الجيل الأول من حقوق الإنسان ويشمل الحقوق المدنية والسياسية والتي تشمل: الحق في حماية الحرية الشخصية، والحق في الحياة وفي السلامة والأمن، والحق في ممارسة الحرية الدينية، وحرية الرأي والتعبير، وحرية الاجتماع، وحرية التجمع، والحق في احترام الحياة الخاصة، والحق في الاعتراف لكل فرد بالشخصية القانونية، والحق في الحماية القضائية، والحق في التنقل وفي اختيار مكان الإقامة، وتحريم التعذيب أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة، والحق في المشاركة وإدارة الشؤون العامة، والحق في الجنسية، والحق في تولي الوظائف العامة.
ثانيًا: الجيل الثاني من حقوق الإنسان ويقصد به الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي تشمل: الحق في العمل، والحق في التعليم، والحق في التملك، والحق في الحماية من الرق والعبودية، والحق في الاضراب، وتحريم السخرة أو العمل القسري، وتحريم التمييز لأي سبب من الأسباب، والحق في الضمان الاجتماعي، والحق في الرعاية الصحية، والحق في السكن.
ثالثًا: الجيل الثالث من أجيال حقوق الانسان ويشمل: حق الإنسان في العيش في بيئة نظيفة، والحق في تداول المعلومات وعدم حجبها، والحق في السلام والأمن، فالتطور المذهل الذي حدث في كل المجالات، والحياة التي صارت أكثر تعقيدًا من ذي قبل، والانفجار المعلوماتي أدى إلى نشأة حقوق جديدة للإنسان، ولكنها مرتبطة بحقوق الإنسان الأساسية، ومتفرعة عنها. فحق الإنسان في العيش في بيئة نظيفة مرتبط بحقه في الحياة، وحقه في تداول المعلومات مرتبط بحقه في العلم والمعرفة، وحقه في السلام والأمن مرتبط بحقوقه المدنية والسياسية.
والحق في التنمية يُصنف ضمن الجيل الرابع من حقوق الإنسان، وقد نصت عليه المادة السابعة والثلاثون من الميثاق العربي لحقوق الإنسان على ما يلي:”الحق في التنمية هو حق من حقوق الإنسان الأساسية، وعلى جميع الدول أن تضع السياسات الإنمائية والتدابير اللازمة لضمان هذا الحق، وعليها السعي لتفعيل قيم التضامن والتعاون فيما بينها وعلى المستوى الدولي للقضاء على الفقر وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية. وبموجب هذا الحق فلكل مواطن المشاركة والإسهام في تحقيق التنمية والتمتع بمزاياها وثمارها”.
والمادة المادة الثامنة والثلاثون من الميثاق نصت على حق الإنسان في بيئة سليمة وآمنة خالية من التلوث وورد فيها:” لكل شخص الحق في مستوى معيشي كاف له ولأسرته يوفر الرفاه والعيش الكريم من غذاء وكساء ومسكن وخدمات، وله الحق في بيئة سليمة. وعلى الدول الأطراف اتخاذ التدابير اللازمة وفقًا لإمكانياتها لإنفاذ هذه الحقوق” .
والحق في التنمية حق من حقوق الإنسان المعاصر، ولكن هناك عقبات تحول دون تفعيل هذا الحق ومنها استئثار فئة قليلة من البشر بخيرات الأرض وثرواتها الطبيعية، ومعاناة ما يقرب من مليار نسمة من الجوع.
والتنمية المستدامة تهدف بالأساس إلى تحسين نوعية الحياة وضمان حقوق الأجيال القادمة، من خلال تحقيق التنمية الاقتصادية، وتحسين الظروف الاجتماعية، والمحافظة على البيئة.
وحق الإنسان في بيئة آمنة دعت إليه الحاجة، وذلك نظرًا لزيادة معدلات التلوث البيئى الذي بات يهدد الوجود الإنساني على كوكب الأرض، وفقراء العالم يتحلمون النصيب الأكبر من الأضرار الناتجة عن التلوث البيئي.
ومشكلة التلوث البيئي واستنزاف الموارد الطبيعية تعود في جزء منها إلى وجود خلل في الاعتقاد وخلل في الفكر، والخلل الاعتقادي يتمثل في نظرة الإنسان لنفسه على أنه السيد وأنه في صراع مع الطبيعة وأنه يتوجب عليه تطويعها واستغلالها، والخلل الفكري يتمثل في النظر إلى المنافع الآنية وغض الطرف عن المخاطر الحقيقية التي تهدد وجود الإنسان على سطح الأرض.
والزيادة المضطردة في حجم النفايات في معدل التلوث البيئي تعود إلى القصور والإهمال في عدد من الجوانب الهامة المتعقلة بالبيئة ومنها:
– القصور في تطبيق القانون، وهذا القصور يشجع الممارسات الضارة بالبيئة، ولا يحقق الردع المطلوب.
– نقص التوعية البيئية بالبيت وبالمدرسة، وهذا النقص يؤدي إلى خلق جيل غير مكترث وغير مهتم بالبيئة والحفاظ عليها.
– غياب المبادرات المجتمعية المتعلقة بالبيئة ومعالجة مشكلاتها الآنية، وهذا الأمر يؤدي إلى تفاقم المشكلات البيئية والعجز عن حلها في المستقبل.
– غياب البرامج التطوعية التي تكمل الجهود الحكومية في الحفاظ على البيئة، وهذا الأمر يؤدي إلى نقص في التوعية وضعف مشاركة الجماهير في الحفاظ على البيئة.
– تكرار الموضوعات البيئية في وسائل الإعلام، والتركيز على بعض الموضوعات وإهمال موضوعات أخرى أكثر أهمية وتأثيرًا على حياة الفرد وعلى البيئة المحيطة به.
والنظرة الخاطئة للبيئة تعتبر سببًا هامًا من أسباب المشكلات البيئية، فالاستغلال السيئ للموارد الطبيعية وصل إلى حد الاستنزاف، ووضع الإنسان في مواجهة البيئة وتصوير العلاقة بينهما على أنها عدائية دفع الكثيرين إلى الاعتداء على البيئة وعلى جميع مظاهر الحياة.
والعلاقة بين الإنسان والبيئة من منظور الإسلام علاقة تكاملية لا صراع فيها لأن الله عز وجل سخر للإنسان ما في السماوات والأرض وأمره بالاقتصاد وعدم الإفساد في الأرض يقول الله عز وجل:{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} سورة لقمان: 20.
وفي السنة ورد النهي عن الضرر في قاعدة كلية من قواعد الشريعة وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار». السلسة الصحيحة: 250.
والتحديات البيئية التي تواجه البشرية وتهدد وجودها تفرض قيودًا أخلاقية وقانونية على الجميع، والبداية تكون بالإقرار بحق الإنسان في بيئة آمنة وخالية من التلوث، والإيمان بأن الإنسان مستخلف في هذه الأرض يقول الله عز وجل:{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } سورة الأنعام: 156.
ويقول الله عز وجل:{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} سورة هود: 61.
ومن واجبات الإنسان تجاه الآخرين عدم الإضرار بهم وبالبيئة التي يعيشون فيها، وقد ورد في القرآن الكريم النهي عن الإفساد في الأرض يقول الله عز وجل:{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} سورة الأعراف: 56.
والتغلب على مشكلة التلوث البيئي يتحقق من خلال مراعاة البعد البيئي على المستوى الخاص والعام، فعلى المستوى الخاص لا بد من غرس القيم البيئية في نفوس الأطفال والنشء وتربيتهم على الشعور بالمسؤولية تجاه البيئة وضرورة المحافظة عليها وحمايتها من التلوث، وحث الجماهير بالوسائل المختلفة على تقليل معدلات استهلاكهم من الماء والكهرباء والوقود والأوراق والمنتجات البلاستيكية والإلكترونيات وغيرها وتقليل حجم المخلفات اليومية التي ينتجونها أو يتخلصون منها.
وعلى المستوى العام ينبغي الاهتمام بالتنمية المستدامة في المشروعات الكبرى والاقتصاد في استهلاك الموارد الطبيعية، والاعتماد على الطاقات المتجددة في توفير الاحتياجات اليومية للسكان.
ومراعاة البعد البيئي والالتزام بالأخلاقيات والتشريعات البيئية كفيل بتحقيق الأهداف التي نصبو إليها في مجال البيئة وهي: حماية البيئة من التلوث، والمحافظة على حقوق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية.