الديمقراطية وحقوق الإنسان في الإسلام
صدر للمفكر التونسي الشيخ راشد الغنوشي كتاب بعنوان “الديمقراطية وحقوق الإنسان في الإسلام”، والمؤلف يعرض لقضية هامة لها تأثيرها وتداعياتها على العالمين العربي والإسلامي، والكتاب يُناقش جُملة من القضايا الشائكة ومنها: مبادئ الحكم في الإسلام، ومدنية السلطة، والتحفظات على الديمقراطية، وعلاقة الدين بالسياسة، والحريات والحقوق في الإسلام، والعلاقة بين الحرية والحضارة، ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي.
والمؤلف قسم الكتاب إلى بابين يضم كل باب منهما عدة فصول، الباب الأول يضم أربعة فصول، تحدث المؤلف في الفصل الأول عن مبادئ الحكم والسلطة في الإسلام، وأكد على ضرورة السلطة ومدنيتها في الإسلام، والاتفاق على أن إقامة سلطة في الجماعة واجب ديني وضرورة اجتماعية إنسانية، وأعقب ذلك بالحديث عن مصدر الشرعية في الدولة الإسلامية، وعن ضمانات عدم الجور ومقاومته عند حصوله.
وفي الفصل الثاني تكلم الشيخ راشد الغنوشي عن الوسطية في علاقة الدين بالسياسة، وقال:” إن الإسلام بحكم شموليته هو عقيدة انبثقت عنها شرائع وأحكام تولت تنظيم معاملات معتنقيه في مختلف مجالات حياتهم الفردية والجماعية في شؤون المال وفي الأسرة وفي ما ينجم من منازعات وتظالم وفي شؤون الحرب والسلم وما إليها من مشكلات ناهيك عن تنظيم شعائرهم”.
وفي الفصل الثالث تحدث المؤلف عن الإسلام والديمقراطية، وأوضح أن المقصود بالديمقراطية هو نظام سياسي تتنوع صوره وأشكاله، ويكتمل هذا النظام بآليات يُمارس الشعب من خلالها السيادة بما يحقق تداول السلطة سلميًا، وذلك عبر انتخابات حرة ونزيهة.
وناقش المؤلف جدلية الوحدة والاختلاف والتعددية في الإسلام، وقال إن الاختلاف جزء من طبيعة الإنسان، وتكلم عن سبيل التعامل مع الاختلاف بين المسلمين، وعن دور الشورى الفاعل في العمل السياسي، وتحدث عن التداعيات السلبية لخنق الشورى وتغييبها في العالم الإسلامي.
والفصل الرابع حمل عنوان “الإسلاميين والديمقراطية في الوطن العربي” وناقش فيه الكاتب مفهوم النظام الديمقراطي والترتيبات الحسنة التي طورها البشر، وقال إن عقائد الإسلام وشرائعه وقيمه لا يوجد فيها ما ينافي الترتيبات الحسنة للديمقراطية، وطرح المؤلف السؤال التالي: وهو لماذا تقع البلاد العربية في مؤخرة دول العالم بمقاييس الديمقراطية؟ وقال إن ذلك ليس بسيب الإسلام كما يزعم ويدعي البعض؛ وإنما بسبب الإعاقات الخارجية لعملية التحول الديمقراطي في الدول العربية.
وعرض الشيخ راشد تحفظات بعض التيارات السياسة على الديمقراطية في البلاد العربية، وقال إن التحفظات موجودة لدى الإسلاميين ولدى تيارات أخرى مثل اليساريين، وأشار كذلك إلى معارضة الأنظمة الحاكمة في الدول العربية للديمقراطية.
وتساءل المؤلف عن التحالف مع الإسلاميين: هل هو مطلب المرحلة أم سير ضد الطبيعة؟ وقال إن هناك محاولات من عدة أطراف لزرع العداوة والبغضاء وتوسيع الشقة بين التيار الإسلامي والتيارات الديمقراطية الأخرى.
والباب الثاني من الكتاب حمل عنوان “الحريات والحقوق في الإسلام”، وتضمن أربعة فصول، الفصل الأول تحدث فيه المؤلف عن الحرية في الإسلام وأنها إحدى مقاصد الشريعة، وعن الحرية وممارستها من خلال المجتمع المدني.
والفصل الثاني من الباب تناول فيه الشيخ راشد حقوق الإنسان في الإسلام، وأوضح أن العقيدة هي أساس حقوق الإنسان في الإسلام.
وقال المؤلف عن “دستور المدينة” إنها وثيقة هامة جدًا على صعيد تأسيس دولة ذات طبيعة عقدية في مجتمع متعدد العقائد، وعقد مقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام ومثيلاتها في الإعلانات الحديثة، وتكلم عن أثر حقوق الإنسان في السلوك الاقتصادي للفرد المسلم.
وفي الفصل الثالث تناول المؤلف العلاقة بين الحرية والحضارة من منظور إسلامي، وقال إنها علاقة تلازم باعتبار الأولى شرطًا للثانية، وذلك بموازاة التلازم الدائم بين الاستبداد والتخلف.
وطرح سؤالًا عن وجود حد فاصل بين خطاب إسلامي عربي وآخر غير عربي، وقال إن الهدف هو إقامة العدل ودفع الظلم، وتحدث كذلك عن وجود مقامات مشتركة للمجتمع العربي يمكن الاتفاق عليها وهي الحريات وحقوق الانسان.
والفصل الرابع من الكتاب حمل عنوان “العنف.. الأسباب والعلاج”، وقال المؤلف إن العنف ظاهرة اجتماعية سياسية لم يخل منها دين أو أيديولوجية وأن مواجهة العنف تكون بالإيمان بالاختلاف والحرية.
وتساءل الكاتب هل يمكن أن للشر أن ينتج الخير؟ وأشار إلى الخلط المتعمد بين الإسلام والإرهاب، ودعا الجميع إلى رفض الحرب وتقوية تيار السلام والعدل والتعاون والمحبة على أنقاض الإرهابيين دعاة الكراهية والتسلط والدمار من كل ملة وقوم.
وختم المؤلف الكتاب بملاحق عن التجربة التركية في الحركة الإسلامية المعاصرة، وذلك من خلال عرض نموذج حزب العدالة والتنمية في تركيا، وتجربة حزب العدالة والتنمية في المغرب.
وعن مدى قابلية النظم العربية للتحول الديمقراطي، قال المؤلف إن النظام العربي يعيش أزمة شرعية مُستفحلة، وقال إن فرص التغيير الديمقراطي للنظام العربي عبر الطرائق المعروفة في الأنظمة الديمقراطية معدومة، وهو من قبيل وضع العربة أمام الحصان، والمطلوب كما يقول الشيخ راشد الغنوشي هو النضال الجماعي والجاد من أجل تأسيس النظام الديمقراطي.
وكتاب “الديمقراطية وحقوق الإنسان في الإسلام” للشيخ راشد الغنوشي من إصدار مركز الجزيرة للدراسات والدار العربية للعلوم، والطبعة الأولى من الكتاب صدرت عام 2012، والكتاب يتكون من (311) صفحة من القطع المتوسط.