السعادة الأسرية
تواجه الأسرة في العالم المعاصر والأسرة المسلمة بصفة خاصة تحديات كثيرة تكاد تعصف بأمنها واستقرارها، وهناك مخططات لتفكيك كيان الأسرة وهدم بنيانها من الأساس، ولمواجهة هذه التحديات والمخططات لا بد من الالتزام بتعاليم ومبادئ الإسلام وتطبيقها وجعلها واقعاً معاشاً في حياة كل أسرة، ففي ذلك ضمان لأمنها واستقرارها وتحقيق لسعادتها.
وتقوى الله عز وجل ومراقبته، وأداء كل فرد من أفراد الأسرة لواجباته، من الأمور التي تحقق السعادة للأسرة، وتجنبها الشقاق والخلافات، وتبعدها عن الشقاء والتعاسة.
” والبيت السعيد يقوم على ثلاثة أعمدة … إرضاء الله عز وجل.. ويتعبه إرضاء النفس.. والإسهام في بناء المجتمع الصالح الراشد، وأكبر الغايات وأسماها أن نصل إلى الجنة، حيث الرضا الكامل من الله. ويتحقق رضا النفس بعد إرضاء الله عز وجل من خلال أمرين، الأول: النجاح المادي والأدبي، والثاني: تحقيق الحاجات النفسية الفطرية.. من إشباع عاطفي وحسي وذرية. ونتيجة ذلك كله: مجتمع ُتسهم الأسرة فيه بأفراد صالحين ُيقيمون وطناً قوياً”.(1)
” والأسرة المستقرة المتكاتفة مصدر أساسي من مصادر سعادة الإنسان، ومهما حقق الإنسان النجاح في عمله، فإنه لا يشعر به إذا فشل في بناء أسرته، ومن ثم فقد جعل الله عز وجل رعاية الأسرة مسؤولية أساسية لكل أب”.(2)
وفي رحاب الأسرة تتحقق للفرد من الأمور التي تجلب السعادة ما لا يمكن إدراكه خارج إطار الأسرة، ومن هذه الأمور: الاستقرار النفسي والعاطفي، والمشاركة الوجدانية، والاحساس بالدفء والحب والحنان، والحصول على اللذة والمتعة الجسدية دون أن يشعر الإنسان بالذنب وتأنيب الضمير، أو الخوف من الإصابة بالأمراض الجنسية.
وفي رحاب الأسرة وظلالها الوارفة ُتكتسب الكثير من الحسنات عن طريق المودة والرحمة وحسن العشرة بين الزوجين، وحتى المعاشرة الزوجية يؤجر عليها كل من الزوج والزوجة، فعَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ:« أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذٰلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ».(3)
وفي رحاب الأسرة ُتكتسب الحسنات عن طريق إحسان كل فرد من أفراد الأسرة للآخرين، وذلك من خلال رعاية الأولاد وبر الوالدين، ولهذه الأمور وغيرها كان الزواج آية من آيات الله في الكون، يقول الله عز وجل : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. سورة الروم الآية : 21. وعلى الرغم من كثرة مقومات السعادة التي توفرها الأسرة للفرد نجد من المتزوجين ومن غير المتزوجين من ينفر الشباب من الزواج ويزعم أن الزواج عبء ومسؤوليات فقط، وأنه لا مجال للسعادة في ظل الأسرة وكثرة متطلباتها وهذه المزاعم يكذبها الواقع وتكذبها الدراسات الميدانية، حيث تشير هذه الدراسات إلى ” أن المتزوجين أكثر سعادة – بوجه عام – من العزاب أو الأرامل، أو المطلقين”.(4)
نسبة من هم أكثر سعادة رجال نساء متزوجون 35.0 41.5 عزاب 18.5 25.5 مطلقون 18.5 15.5
وتحقيق السعادة الأسرية يتطلب من أفراد الأسرة التخلص من الأسباب التي تؤدي إلى الشقاء والتعاسة مثل: إهمال الأب للأسرة وعدم الاهتمام بشؤونها، وإهمال الزوجة لنفسها وزوجها وأولادها وبيتها، وعقوق الأولاد وانحرافهم وفشلهم في الدراسة، والأنانية وسيطرة النزعة الفردية.
” والعوامل الأربعة الرئيسية للسعادة الأسرية طبقاً للدراسة التي قام بها البروفيسور الأمريكي لويس ترمان هي: محيط عائلي ينشأ فيه الأولاد نشأة طيبة، طفولة مرحة وسعيدة، حب الأولاد للوالدين، تربية جيدة صارمة لا تقوم على القسوة والعنف والإكراه”.(5)
والسعادة الأسرية تقوم على مجموعة من الركائز وهي: التقوى، وأداء الحقوق والواجبات، والمودة والرحمة والحب، والعدل بين الأولاد وبين الزوجات، والقناعة والرضا، والاقتصاد في الإنفاق، والمشاركة والتعاون داخل البيت، والاحترام المتبـادل بين أفراد الأسرة والعطاء والوفاء، والحوار الهـادف والبناء، والعفو والتغافل، والتواصل بين الأجيال، وحل الخلافات الأسرية داخل البيت، وفي أضيق نطاق ممكن.
(1) ينظر: أكرم رضا، كيف تبنين بيتاً سعيداً؟، دار التوزيع والنشر الإسلامية – مصر، الطبعة الأولى: 1426هـ – 2005م، ص23.
(2) هشام مصطفى عبد العزيز وآخرون، صناعة الهدف، الطبعة الأولى: 1426هـ – 2005م، ص181.
(3) صحيح. مسلم 2/697 .
(4) مايكل أرجايل، سيكولوجية السعادة، ترجمة: د. فيصل عبد القادر يونس، مراجعة: شوقي جلال، عالم المعرفة – الكويت، العدد: 175، محرم 1414هـ – يوليو 1993م، ص30.
(5) سمير شيخاني، سبيلك إلى السعادة والنجاح، دار الآفاق الجديدة – بيروت، الطبعة الثانية: 1400هـ – 1980م، ص288.