الشباب والتغيير
المهمة الأساسية التي تقوم بها النظم المستبدة هي “تجريف الحياة السياسية” على حد تعبير الكاتب محمد حسنين هيكل، والقضاء على التعددية وقمع المعارضين والوسائل المستخدمة في ذلك كثيرة ومتعددة يأتي في مقدمتها التضييق على الأحزاب ومنعها من ممارسة أي نشاط سياسي وإثارة الخلافات داخل الأحزاب الكبيرة ومنع ظهور أحزاب قوية والسماح بإنشاء أحزاب كرتونية تجمل صورة النظام وتوحي كذباً بوجود تعددية. والنتيجة هي غياب الأحزاب الفاعلة وغياب الأصوات المعارضة وفقدان أي أمل في التغيير.
وهذا الأمر وإن بدا سلبياً ولكنه خلق نوعاً من الحركات السياسية المعارضة التي شكلها الشباب الواعي الباحث عن الحرية والكرامة على شبكة الإنترنت.
والتجمعات التي شكلها الشباب على شبكة الإنترنت قامت بمبادرات غير مسبوقة ونجحت في النزول إلى الشارع وسبقت الأحزاب والقوى السياسية وتجاوزت النخبة في التعبير عن آرائها ومواقفها من النظام وفي سقف مطالبها ومنها الإصرار على الرحيل الكامل للنظم المستبدة.
وهؤلاء الشباب كانوا قادة المظاهرات الحاشدة التي خرجت للشوارع ونجحت في إزالة النظام التونسي وهم في طريقهم لإزاحة أو تغيير النظام في مصر.
والنظم المستبدة تعاملت مع الشباب المسالمين الذين خرجوا مطالبين بالحقوق المشروعة للشعوب بقسوة وعنف، حدث ذلك في تونس وقام القناصة بإطلاق النار على المتظاهرين، وحدث ذلك في مصر يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 عندما قامت قوات الأمن بإطلاق النار على المتظاهرين وقامت السيارات المصفحة بمطاردتهم وهو ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى. وهذه الأحداث كانت الشرارة التي أشعلت الثورة الشعبية التي خرج فيها ملايين المصريين من جميع المحافظات مطالبين برحيل النظام في سابقة لم تشهدها مصر منذ عقود.
والشباب العربي الذي ُوجهت إليه الكثير من الانتقادات والاتهامات وفقد فيه الجميع الأمل، فاجأ الجميع بثورات غيرت مجريات الأحداث في عدد من الدول العربية ولفتت أنظار العالم نحو المنطقة ونحو المشكلات التي تعاني منها الشعوب ويعاني منها الشباب مثل الفقر والبطالة وانتشار الفساد.
والثورات التي قادها الشباب تميزت بالرقي والوعي، فقد حرص الشباب على أن يظل الطابع العام لهذه المظاهرات سلمياً فلم تحدث أية أعمال تخريب أو اعتداء أو إساءة لأي فرد أو جهة، ولم يحدث خلال المظاهرات المليونية التي نظمها الشباب في ميدان التحرير أية تحرشات أو سرقة.
وهذه الثورات تميزت بالوعي السياسي لدى الشباب، الذين رفضوا التنازلات وأنصاف الحلول التي قدمها النظام، وأصروا على تحقيق مطالبهم وفي مقدمتها رحيل النظام، ورفضوا تفويض أية جهة من الجهات التي أرادت الاستفادة من الثورة في التحدث باسمهم والتعبير عن مطالبهم.
محمد إبراهيم خاطر
mimkhater@hotmail.com