الشباب والطاقات المهدورة
الشباب في كل أمة هم سر نهضتها وتقدمها وسر تفوقها على الأمم الأخرى وهم وقود التنمية وعصب الحضارة وهم المستقبل المشرق وشريان الحياة النابض وهم من يحملون رايات التجديد والتحديث. فما هو السر في تغييب شباب هذه الأمة؟
ولمصلحة من يغيب الشباب العربي؟ ولماذا أصبحت الهجرة حلم كل شاب عربي؟ ولماذا نلقي باللوم على الشباب في كل صغيرة وكبيرة ولا نحاسب من قصروا في تربيتهم وتوجيههم والأخذ بأيديهم نحو ما فيه الخير لهم ولمجتمعاتهم؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها تباعًا وهي بحاجة لإجابات شافية لأن واقع الشباب العربي اليوم واقع أليم وهو ينذر بخطر حالي وينذر بمستقبل حالك لهذه الأمة.
والنظر إلى الشباب على انهم عبء ومشكلة وعامل ضغط على اقتصاديات الدول ينطوي على جهل وعلى أخطاء لها تداعياتها الخطيرة على حاضر ومستقبل الأمم، فعدم استغلال الموارد البشرية وعدم الاستفادة من طاقات الشباب حول هذه الطاقات إلى مصدر متجدد للأزمات الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية.
والأمة الشابة في العالم اليوم هي الأمة العربية فمعظم عدد العرب المقدر بنحو 350 مليون نسمة دون سن السادسة والثلاثين أو نحو 245 مليون نسمة مما يعني أنهم الشرائح التي يعتبرها وزراء المالية في الدول المتقدمة مثالية.
والدول التي لم ينجح قادتها في استغلال طاقات الشباب وتوظيفها في عملية التنمية تعاني من أعراض البطالة كالسرقة والتدخين وإدمان الخمر والمخدرات والاغتصاب والهجرة بنوعيها: هجرة الكفاءات وهجرة الفقراء.
ومن السفه ما تقوم به بعض وزارات العمل في الدول العربية من إعادة تأهيل خريجي الجامعات للعمل في المهن المختلفة كالنجارة والحدادة والعمل كخبازين!
والخسائر الناتجة عن هذه العملية خسائر فادحة للأشخاص وللدول التي ينتمون إليها ولنقارن بين هذا العبث الذي يحدث في الدول العربية وبين ما تقوم به دولة كالفلبين التي أصبحت من الدول المصدرة للعمالة الماهرة المدربة فالفلبين نجحت في اختيار نوعية التعليم والتخصصات المطلوبة في الداخل والخارج ونحجت كذلك في تدريب الخريجين وصقل مهاراتهم وتأهليهم للعمل في الخارج.
ومن الجوانب المهمة المتعلقة بمشكلة البطالة في العالم العربي هي وجود وفرة في بعض التخصصات ووجود ندرة في التخصصات الأخرى والكثير من الدول العربية تعاني من نقص في بعض التخصصات كالتعليم والطب والتمريض والهندسة وتعاني من نقص حاد في أعداد العاملين في مجال تقنية المعلومات وفي أعداد الفنيين والتقنيين، ومع ذلك لا توجد خطط لزيادة أعداد الخريجين من هذه التخصصات على الرغم من تزايد الطلب عليها في الداخل والخارج.
ومن هنا تأتي أهمية التنوع في التخصصات وضرورة تأهيل الشباب لسوق العمل بالتدريب الجيد.
والهند التي تحتل المرتبة الثانية عالمياً في عدد السكان ومرشحة لاحتلال المركز الأول في السنوات المقبلة استفادت من الثروة البشرية في عملية التنمية وغزت العالم بأكبر عدد من المتخصصين في مجالات كثيرة وبخاصة مجال تقنية المعلومات وعدد الهنود العاملين في الخارج يزيد عن 25 مليون فرد.
وتحويلات الهنود المغتربين في عام 2009 بلغت 55 مليار دولار وهذه التحويلات أسهمت بشكل مباشر في دفع عجلة الاقتصاد وذلك من خلال إقامة المشروعات الإنتاجية التي تسهم بدورها في عملية التنمية.
فلماذا نجحت الصين والهند في تحويل الموارد البشرية الضخمة إلى ثروة وقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية وفشلنا نحن في الاستفادة من هذه الثروة؟!!!
وهناك إجماع على تدهور أوضاع التعليم في العالم العربي وهناك إقرار من الجميع بعجز المؤسسات التعليمية بأوضاعها الحالية عن تخريج أجيال قادرة على الاسهام في النهوض بمجتمعاتها.
وعند تشخيص أسباب هذا التدهور يشير الكثير من المتخصصين إلى أن مشكلة التعليم في العالم العربي هي الاهتمام بالكم وليس بالكيف أي بعدد المتعلمين وليس بنوعية التعليم الذي يتلقونه وهذا أمر صحيح لا نشكك فيه ولكن ماذا نفعل بالأعداد الكبيرة من المتعلمين؟ هل نستمر في عملية التجهيل التي تحدث حالياً؟ أم نحرمهم من التعليم؟ أم نبحث عن وسائل وبدائل تعليمية تستوعب الأعداد الكبيرة من الراغبين في التعلم؟
إن حل هذه المشكلات يتطلب أولاً دراسة احتياجات المجتمع من التخصصات المختلفة ودراسة أسواق العمل الخارجية والخطوة الثانية هي توسيع مجال اختيار التخصص المناسب أمام الطلاب والعمل على إنشاء معاهد وكليات تقدم تخصصات جديدة ومطلوبة نحصل من خلالها على خريجين مؤهلين للعمل في الوظائف التي يكثر الطلب عليها في الداخل والخارج.
وهذا الأمر سيتيح تخصصات جديدة للطلاب تتناسب مع قدراتهم وتتوافق مع ميولهم ويخفف الضغط على بعض التخصصات التي يقبل الطلاب على الالتحاق بها ولا يوجد لخريجيها فرص في سوق العمل، وبذلك يحصل الطالب على حقه في التعليم المتميز والتدريب الجيد وهي أمور تؤهله لسوق العمل وبذلك نقضي على سبب رئيسي من أسباب انتشار البطالة في العالم العربي.
فمن الجوانب المهمة المتعلقة بمشكلة البطالة في العالم العربي هي وجود وفرة في بعض التخصصات ووجود ندرة في التخصصات الأخرى والكثير من الدول العربية تعاني من نقص في بعض التخصصات كالتعليم والطب والتمريض والهندسة وتعاني من نقص حاد في أعداد العاملين في مجال تقنية المعلومات وفي أعداد الفنيين والتقنيين، ومع ذلك لا توجد خطط لزيادة أعداد الخريجين من هذه التخصصات على الرغم من تزايد الطلب عليها في الداخل والخارج.
ومن هنا تأتي أهمية التنوع في التخصصات وضرورة تأهيل الشباب لسوق العمل بالتدريب الجيد.
والتوسع في التعليم العالي الذي تنتشر البطالة بين خريجيه ليس مطلوباً الآن والمطلوب في المرحلة الحالية هو التركيز على المدارس والمعاهد المتوسطة التي تخرج فنيين في المجالات التي تحتاجها الأمة كالمجال الزراعي والمجال الصناعي ومجال تقنية المعلومات.
وهذه المجالات توفر للخريجين فرصًا للعمل في الداخل والخارج وتوفر لهم رواتب مجزية مقارنة بالمجالات الأخرى.
ونظرة المجتمع للعمل المهني يجب أن تتغير فكل عمل يعتبر شريفاً ما لم يكن حراماً وصنعة في اليد أمان من الفقر.
والشباب في العالم العربي بحاجة إلى التوعية بأهمية الالتحاق بهذه التخصصات وتشجيعهم على ذلك مادياً ومعنوياً.
محمد خاطر
mimkhater@hotmail.com