الشجر الأخضر والطاقة
أودع الله عز وجل في القرآن الكريم الكثير من المعجزات والآيات الدالة على طلاقة قدرته وعلى جميل خلقه وبديع صنعه، والإشارات العلمية المعجزة التي وردت في القرأن الكريم لم يتم التوصل لمدلولاتها الحقيقية إلا في العصر الحديث الذي يسمونه عصر العلم.
ومن الآيات الدالة على طلاقة القدرة وعظمة الصنع يقول الله عز وجل:{ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} سورة يس: 80.
والمفسرون الأوائل اجتهدوا في تفسير هذه الآية وعدوا ذلك من كمال القدرة يقول القرطبي:”نبه الله تعالى على وحدانيته ودل على كمال قدرته في إحياء الموتى بما يشاهدونه من إخراج المُحرق اليابس من العود الندي الرطب”.
ومن صور الإعجاز العلمي في هذه الآية الكريمة كلمة “نارًا” ذات الدلالات المعبرة عن صور الطاقة المختلفة التي تُستمد من الشجر الأخضر، وفي هذه الآية كما يقول العلماء إشارة إلى وجود طاقة في الشجر، وهذه الطاقة على شكل نار أودعها الله عز وجل في الأشجار، وبقيت للآلاف السنين وبسبب العوامل الطبيعية تحولت هذه الأشجار لفحم حجري وبترول وغاز طبيعي وهذه المكتشفات أشار إليها القرآن إشارة خفية بكلمة:(نَارًا)، لأننا لا نستفيد من الثروات الطبيعية كالنفط والغاز إلا بعد حرقه وتحوله إلى نار، وبالتالي توليد الطاقة الميكانيكية والكهربائية من هذه النار.
وهذه الآية تُشير كذلك إلى الإعجاز في الخلق، فالورقة الخضراء عبارة عن مصنع معقد ومتكامل لتحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة حيوية وتخزينها في النبات لكي يستفيد منها الإنسان والحيوان، وهذا الأمر يتم من خلال عملية البناء الضوئي التي تحدث في الورقة الخضراء وهي عملية في غاية الأهمية للنبات والإنسان والحيوان فمن خلال هذه العملية يصنع النبات مادة الجلوكوز أو السكر الأحادي ثم تتحد وحدات الجلوكوز لتكون سلسلة طويلة من السكريات تسمى بالنشا الذي يخزن في النبات ويستعمله الإنسان والحيوان كمصدر أساسي للطاقة.
والله عز وجل أودع في الأوراق ما يعرف بالبلاستيدات الخضراء التي تحتوي على مادة الكلوروفيل للقيام بالبناء الضوئي والملونة لحماية البلاستيدات الخضراء من الضوء الشديد وإضفاء البهجة على الأوراق والأزهار والثمار.
وأوراق النبات الخضراء تقوم بوظيفة بيئية هامة جدًا وهي تخليص الأرض من ملايين الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون الضار وإطلاق غاز الأكسيجين اللازم للحياة والضروري لإشعال النار، ولذلك يُعتبر قطع الأشجار وإزالة الغابات جريمة بحق الأجيال القادمة وبحق البيئة التي نعيش فيها لأنها بمثابة رئة الأرض.
وعملية البناء الضوئي تتم من خلال امتصاص أوراق النبات الخضراء لأشعة الشمس التي تحول الماء وثاني أكسيد الكربون إلى سكريات مع تحرر كمية كبيرة من الأكسيجين.
ويقول العلماء إن الربط بين الشجر الأخضر والنار معجزة علمية، والربط بين الشجر والخضر معجزة كبرى، فإن غاب الشجر غابت النار والطاقة من على الأرض، وان غاب الخضر والاخضرار من النبات هلك النبات واختفى المصدر الرئيس للطاقة الحيوية على الأرض.
والنبات الأخضر (الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ( هو الذي يحول طاقة الشمس الضوئية إلى طاقة كيميائية تخزن في جذور وجذوع وأوراق وثمار النبات، وبإشعالها تتحرر تلك الطاقة على هيئة نار يستعملها الإنسان في البيت وفي الصناعة.
والطاقة الكامنة في (الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ( استفاد منها الإنسان في الحصول على الطاقة الحيوية اللازمة لاستمرار حياته، واستفاد منها في الحصول على مصادر مختلفة من الطاقة لتسيير أمور حياته.
ومن صور الطاقة التي حصل عليها الإنسان من (الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ( الفحم والبترول والوقود الحيوي الذي يُستخرج من عدد من المحاصيل مثل الذرة وقصب السكر وفول الصويا وزيت النخيل.
والإشارة اللطيفة في الآية الكريمة للعلاقة بين (الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ( والنار لها دلالاتها العلمية التي ذكرنا بعضًا منها، ولها كذلك دلالاتها الإيمانية لأن هذه الآية أتت في سياق الرد على منكري البعث والنشور، وفي الآية دليل على إعجاز وعجائب القرآن التي لا تنقضي، ودعوة إلى التفكر في مخلوقات الله عز وجل يقول تعالى:{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ۗ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} سورة الروم: 8.