الفهم الخاطئ للثقة
د إبراهيم الديب
الثقة تعنى توفر المصداقية المتكررة التي اوجدت القناعة والأمان، وهى رصيد يزيد وينقص
بحسب كفائه الطرف الموثوق فيه .
والتي يترتب عليها : الرضا والأمان والاعتماد والتفويض والركون والطاعة والانقياد
وتؤدى الى تعزيز العلاقة بين الافراد، وسهولة المعاملات، وسلامة وجودة العلاقة بين القائد والجنود
بما يضمن سيولة وجودة سير العمل المؤسسي
ــ وتعد بمثابة صك موافقة من الموثق الى الموثوق فيه
أنواع الثقة
مطلقة : مطلقة وغير مشروطة وهى فقط في الله تعالى وفى رسوله وفى الدين .
نسبية : نسبية ومشروطة في الأشخاص والأفكار والمناهج والاشياء
المبصرة : بتحديد وتبين الموثوق فيه ، وتدقيق الشروط والمعايير ومتابعة توافرها
العمياء: غير محددة، مبهمة الشروط والمعايير والافكار والأشخاص والاشياء
مقومات الثقة
حرية الاختيار : بأن يتوفر للفرد حرية الاختيار في تقديم الثقة من عدمه دون اى جبر او تأثر أو إيهام
تحديد وجه ومجال الثقة : في اشخاص او أفكار او أشياء ، او جهة ، او عمل محدد لفترة زمنية محددة
يكن فيها محل الثقة تحت التدقيق
تخصيص الثقة : تخصيص الموثوق فيه، ومدته الزمنية دون ربط او امتداد للثقة الممنوحة
حيث لا توجد ثقه بالامتداد والتتابع
الوعى بشروط الثقة : وجود شروط ومعايير لمنح الثقة، وان يكون مانح الثقة على علم دقيق بها
التكرار : تكرار الاحتفاظ بشروط الثقة لا كتر من مرة تعارف، ومن اكثر من شخص وجهه
الشفافية : شفافية المعايير والمعلومات وطريقة منح الثقة
المحاسبية : ان يكون ممنوح الثقة تحت التدقيق والمحاسبة، مع إمكانية سحب الثقة عند ظهور
خلل ما في الشروط والمعايير
الدورالوظيفى للثقة في حياة الفرد والمؤسسة والمجتمع
1 ــ تعزز روح التفاهم والتعاون بين افراد الاسرة والتنظيم والحزب والمؤسسة والمجتمع وتسهل الكثير من إجراءات وتعقيدات الحياة المختلفة
2 ــ تمنح الافراد إحساسا بالرضا والقناعة المتبادلة المانعة للشك والريبة والفرقة
3 ــ أساس مهم لقوة التجمعات البشرية المختلفة، بشرط استنادها الى المعايير المؤسسية
بمعنى انها مكملة وتالية للمعايير المؤسسية، وليست قبلها او بديلا عنها
ماهية ومظاهر الانحراف والخلل في فهم الثقة
تعد الثقة أساس قوة التنظيم الدينى، حيث تعد أحد اهم الأدوات التي تستخدمها التنظيمات الدينية لتعزيز قوة البناء النفسي الفردي والجمعي لأعضاء التنظيم لضمان توظيف افرادها لتحقيق مهام التنظيم
عبر ثقته في التنظيم وقيادته حتى يقدم وقته وجهده وماله ونفسه وكل شيء يملكه دون تردد
ويسمع ويطيع لقيادته دون تباطؤ ، ويلتحم معهم في الصف كالبنيان المرصوص.
على حساب النظم والقواعد المؤسسية التي وضعتها المؤسسية الحديثة من شروط ومعايير وآليات لمنح والمحافظة على الثقة او سحبها .
مما اوجد الكثير من مظاهر الانحراف والخلل في فهم واستخدام الثقة من أهمها :
1ــ التفسيرالفلسفى الوجداني للثقة على انها ثمرة للأخوة والحب في الله تعالى وتفريغها من مضمونها المؤسسي المرتبط بالشروط والمعايير واستمراريتها ، والذى يفسر سرعة تسليم وانقياد افراد التنظيم بمجرد الانضمام اليه .
2ــ الخلط بين الثقة في الدين ورسالية الدين وبين التنظيم ،ورسالة التنظيم عبر توظيف الآيات في مقاربة الثقة في الله والرسول والرسالة بالثقة في القيادة والمنهج والتنظيم، و اعتبار الثقة في التنظيم والقيادة دين
مثال : في تعريف الثقة في المنهج : انه لا يمكن للمسلم أن يعمل ، ويتحرك ، ويخالف هواه من غير قناعة بأنه يحمل منهجا هو الحق كله ، الحق الذي قامت عليه السموات والأرض قال تعالي ” فلا تك في مريه منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ” وقال جل شأنه ” فتوكل على الله إنك على الحق المبين ” .
يلاحظ هنا الخلط البين بين منهج التنظيم، واعتباره الحق الذى اشارت اليه الآية الكريمة
في الحق الذى جاء من عند الله تعالى والمقصود به القرآن الكريم .
واعتبار منهج التنظيم هو تفسير الحق المبين الذى جاءت في الآية الكريمة .
3 ــ التوصيف والربط الخاطئ للثقة في القيادة والمنهج والتنظيم على انها حالة امتداد للحالة الإيمانية التي يحياها عضو التنظيم مع ربه بمعنى ان الشك في القيادة والمنهج والصف يعنى ضعف ايمان بالله تعالى !
4ــ الثقة في التنظيمات الدينية تشترط الثقة في القيادة والمنهج والصف جملة واحدة
بالتعميم والتتابع بمعنى أن الثقة في المنهج والتنظيم تلزم الثقة في قياداته، كما أن
الثقة في قياداته تلزم الثقة في المنهج والتنظيم .
مثال: يمنح عضو التنظيم ثقته في اى عضو للتنظيم بمجرد معرفته انه من التنظيم
من دون مراجعة او تبين لأية شروط ومعايير، استنادا الى ثقة التنظيم فيه ومنحه عضويته
5ــ يأتي ترشيح واختيار القيادة عبر الثقة في الالتزام الدينى للشخص ، وليس ضمن المعايير المهنية اللازمة للوحدة التنظيمية والمهمة ، ولذلك يعلو منطق اختيار اهل الثقة على اهل الخبرة منطقا حاكما في التنظيمات الدينية وان لم يصرح به .
6ــ الثقة أساس آلية جمع وصرف الأموال ، دون نظام ولائحة مالية تنظم وتدقق إجراءات جمعها وصرفها ، ويبرر ذلك دائما بسرية اعمال التنظيمات الدينية ، وقد اثبتت التجربة التاريخية تكرار الانحرافات والسرقات المالية حيث تتحرك الأموال ذهابا وإيابا صعودا ونزولا دون نظام إجرائي ورقابي مؤسسي .
7ــ الثقة في القيادة تعنى القبول والموافقة على أفكارها وتصوراتها وتوجهاتها وقراراتها ، حتى وان تكرر عدم صحتها وفشلها ، فتقدم الثقة كأساس وضرورة اهم من النقد والتقييم والتصويب ، ويقدم الابتلاء والصبر مبررا للفشل…الخ
مثال : وأريد بالثقة اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئنانا عميقا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة ، ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) النساء 65 .
يلاحظ هنا توظيف الآيات وتطويعها والخلط بين المقصود بالآية وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين وانزالها على قيادة التنظيم
8ــ اختزال الشروط والمعايير المؤسسية في القيادة والمنهج والمؤسسة في معيار واحد فقط وهو تبين الصلاح الشخصي للقائد ، متجاهلا لآليات النظام المؤسسي في اختيار ومراقبة ومحاسبة القيادة
9 ــ التسليم الكامل كما تسليم المريد لشيخه عند المتصوفة ، كما يحكى عمر التلمساني
قال : أنا كنت بين الإمام البنا كالميت بين يدي مغسله
10ــ خلق دور توظيفي ميكانيكي للثقة، بتخصيص شواهد أربعة للثقة هي ( الحب – التقدير – الاحترام – الطاعة) لتحفيز والزام عضو التنظيم بالانقياد الطوعي التام لاوامرالتنظيم، والا اصبح يعانى من خلل في ركن الثقة، الذى يفسر على انه خلل في ايمانه ودينه بالكلية .
النتائج
1 ــ الانقياد الاعمى والتسليم المطلق والتضحيات الجسام لعقود طويلة للأفراد خلف قيادة ومنهج وتنظيم بشرى دون مراجعة او تدقيق او محاسبة للأداء او الإنجاز
2 ــ عدم اكتشاف الأخطاء والانحرافات وتراكمها وتعقدها
3 ــ اهدارالكثير من الجهود والتضحيات والاعمار دون تحقيق نتائج
4 ــ تعرض الأفراد لصدمات نفسية جسيمة ، عند اكتشاف الحقيقة بكل أبعادها
وصلت ببعضهم الى التشكيك في الدين نفسه والالحاد
العلاج
ــ تحرير مفهوم الثقة لله ولرسوله وللدين وفصله عن كل ما سواه، بكل مفاهيمه وتطبيقاته السلوكية، ونتائجه الايمانية على الفرد
ــ ربط الثقة في القيادات والأفكار والتنظيمات بالشروط والمعايير العلمية والمهنية والمؤسسية
ــ اعتماد الثقة المبصرة المستندة الى المعايير والشفافية المستمرة والمراقبة والتدقيق المستمر لاستمرارية شروطها، وسرعة سحب الثقة في حال اختلال الشروط والمعايير.
د إبراهيم الديب ــ كتاب الوعى ــ باب مسلمات خاطئة