يشترك العرب مع الأتراك في الكثير من الأمور، وأهمهما على الإطلاق هو الانتماء للإسلام، وعلى الرغم من ذلك شهدت العلاقات العربية – التركية نوعًا من القطيعة في بعض المراحل التاريخية، والمأمول هو أن تعزز الأمور المشتركة بينهم التعاون والتكامل حتى تعود للمسلمين عزتهم وكرامتهم ومجدهم.
العرب والأتراك قبل الإسلام
أحوال العرب والأتراك قبل الإسلام كانت متشابهة إلى حد كبير، فقد كان العرب قبل الإسلام مجموعة من القبائل المتناحرة التي تُغير على بعضها البعض وتنهب وتسلب وتستعبد أفراد القبائل الأخرى، وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وصف أحوال العرب قبل البعثة للنجاشي بقوله:”أيُّها المَلِكُ، كُنَّا قَومًا أهلَ جاهِليَّةٍ نَعبُدُ الأصنامَ، ونأكُلُ المَيْتةَ، ونأتي الفَواحِشَ، ونَقطَعُ الأرحامَ، ونُسيءُ الجِوارَ، يأكُلُ القَويُّ مِنَّا الضَّعيفَ، فكُنَّا على ذلكَ حتى بعَثَ اللهُ إلينا رسولًا مِنَّا، نَعرِفُ نَسَبَه، وصِدقَه، وأمانَتَه، وعَفافَه، فدَعانا إلى اللهِ لنُوَحِّدَه ونَعبُدَه، ونَخلَعَ ما كُنَّا نَعبُدُ نحنُ وآباؤُنا مِن دونِه مِن الحِجارةِ والأوثانِ، وأمَرَنا بصِدقِ الحديثِ وأداءِ الأمانةِ، وصِلةِ الرَحِّمِ، وحُسنِ الجِوارِ، والكَفِّ عنِ المَحارِمِ والدِّماءِ، ونَهانا عنِ الفَواحِشِ، وقَولِ الزُّورِ، وأكلِ مالِ اليَتيمِ، وقَذفِ المُحصَنةِ، وأمَرَنا أنْ نَعبُدَ اللهَ وَحدَه، ولا نُشرِكَ به شَيئًا، وأمَرَنا بالصَّلاةِ، والزَّكاةِ، والصِّيامِ”. أخرجه أحمد: 1740.
وكانت هناك مآثر للعرب ومنها: الفروسية والشجاعة، والنخوة والنجدة، وكرم الضيافة، ونصرة المظلومين، وعرف عنهم تميزهم بالشعر والبلاغة، والاعتزاز بالأنساب.
وفي المقابل كان الأتراك عبارة عن قبائل رعوية تسعى خلف المرعى والكلأ، وعاشوا حياة بدوية، وقد تكررت هجراتهم عبر التاريخ، مما أدى إلى تفرقهم في مناطق واسعة من آسيا وأوروبا، والأتراك تأثروا بالحضارات المحيطة بهم، مثل الحضارة الفارسية والحضارة الصينية، وكانت القبيلة هي الوحدة الاجتماعية الأساسية، وكانت العصبية القبلية هي الرابط الأقوى بين الأفراد، وكما هو الحال لدى العرب، تنوعت حياة الأتراك بين البدو الرحل والحضر المستقرين في المدن، وكانت تربية المواشي، خاصة الخيول والأغنام، هي النشاط الاقتصادي الرئيسي للبدو الأتراك.
وشهد التاريخ التركي العديد من الحروب والصراعات بين القبائل والشعوب المختلفة، واعتنق الأتراك ديانات مختلفة، منها الوثنية والمانوية والشامانية، والتي كانت ترتكز على عبادة الطبيعة والقوى الروحية، وتأثرت الديانات التركية بالديانات المجاورة مثل الزرادشتية والبوذية.
العرب والأتراك بعد الإسلام
الإسلام كان بمثابة رافعة حضارية لكل من العرب والأتراك، فكلاهما لم يكن له ذكر في التاريخ قبل الإسلام، وبعد اعتناق الإسلام دخل العرب والأتراك في صراع مع الكبار، فقد دخل العرب في صراع مع الإمبراطوريتين المحيطتين بها وهما الروم والفرس، وقد تغلب العرب عليهما على الرغم من الفارق الهائل بينهما في العدد والعتاد، وأقام العرب دولة الخلافة التي امتدت من الشرق لتشمل إيران والهند والصين وآسيا الوسطى، وامتدت من الغرب إلى شمال أفريقيا والأندلس (إسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا)، واستمرت في حكم أجزاء واسعة من العالم لمدة تزيد عن 6 قرون.
وفي المقابل دخل الأتراك في صراع مع القوى المحيطة بهم والمتمثلة في المغول والصليبيين، ودارت بينهما معارك طاحنة، تمكن بعدها الأتراك من بسط نفوذهم على منطقة الأناضول، وإقامة الإمبراطورية العثمانية التي حكمت لأكثر من 6 قرون، وامتد حكمها إلى شمال أفريقيا، والبلقان وشرق أوروبا ووسطها، وغرب أفريقيا والهند وشرق وجنوب شرق آسيا.
القومية على أنقاض الدين
في مراحل تاريخية متقاربة توجه بعض الساسة الأتراك والعرب نحو القومية التي كانت وبالًا عليهما، فقد رفع مصطفى كمال أتاتورك شعار القومية في تركيا ودعا إلى الطورانية، وكان ذلك على حساب الإسلام.
وفي المقابل رفع جمال عبد الناصر شعار القومية العربية، وكان ذلك أيضًا على حساب الرابطة التي تجمع الغالبية العظمى من العرب وهي الإسلام.
العلمانية المعادية للإسلام
من المآسي التي عاشها ويعيشها العرب والأتراك والغالبية العظمى منهم من المسلمين، تبني النظم التي حكمت تركيا وحكمت الدول العربية للعلمانية المعادية للدين، بل إن العلمانيين العرب والأتراك لم يأخذوا من العلمانية إلا العداء للدين والعداء للمتدينين.
والعلمانيون في تركيا وفي الدول العربية، يحظون بالسلطة والسطوة ويوظفونها في العداء للإسلام وللمسلمين، وجل هؤلاء هم من الساسة ورجال الأعمال، ومن المثقفين الذين يدعمهم الغرب في حربهم على الإسلام.
الدين والثقافة والقيم المشتركة
للدين ونعني به الإسلام تحديدًا حضور قوي ودور بارز لدى العرب والأتراك، وقد أسهم بشكل كبير في تشكيل ثقافة المجتمعين العربي والتركي.
وعلى الرغم من الاختلاف اللغوي، إلا أن هناك العديد من الكلمات والعبارات المشتركة بين اللغتين العربية والتركية، خاصة في المجالات الدينية والتجارية، واللغة التركية تحتوي على أكثر من 6 آلاف كلمة عربية، واللغة المحكية في الشارع المصري تتضمن الكثير من الكلمات التركية.
والعرب والأتراك يجمعها الجوار الجغرافي، ويجمعها التاريخ المشترك الممتد لأكثر من 6 قرون بدءًا منذ الفتح الإسلامي وحتى سقوط الخلافة العثمانية.
وتشترك الفنون والعمارة العربية والتركية في العديد من الخصائص والميزات، ويمكن رؤية ذلك بوضوح في العمارة الإسلامية في تركيا والدول العربية.
وهناك تشابه كبير في الفنون والحرف اليدوية بين الشعبين، مثل السجاد والمنسوجات والزخرفة الإسلامية، والموسيقى العربية والتركية لها جذور مشتركة، وتشترك في العديد من المقامات والألحان.
وهناك قيم مشتركة بين العرب والأتراك ومنها: الشرف والكرامة وهما من القيم الأساسية في المجتمعين العربي والتركي، ويشتهر كلا الشعبين بكرم الضيافة وحسن الاستقبال، وهناك احترام وتقديس للعائلة، فالعائلة هي أساس المجتمع في كلا الثقافتين، ويحظى كبار السن في المجتمعين العربي والتركي باحترام كبير، ويشيع بين المجتمعين عادات مثل تقبيل يد الكبير أو رأسه، ومساعدة المسنين والنساء في الأسواق والعمل على قضاء حوائجهم.
والاهتمام بالخيل من الأمور المشتركة بين العرب والأتراك، فقد لعبت الخيل دورًا هامًا في مسيرتهم التاريخية، وتمثل لديهم رمزًا للقوة والفروسية، وارتبطت ارتباطًا وثيقًا بثقافتهم وحضارتهم.
مستقبل العرب والأتراك
في ظل المتغيرات الدولية والهجمة الشرسة على الإسلام في أنحاء العالم، ينظر العرب والأتراك للمستقبل بريبة، فكل محاولة للنهوض والتقدم ينظر إليها على أنها رغبة في استعادة أمجاد الماضي واستعادة الخلافة الإسلامية، ومن الطرائف اتهام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية بالسعي لاستعادة أمجاد الخلافة العثمانية أو ما يسمونها بالعثمانية الجديدة!
والتهمة التي توجه للإسلاميين في الدول العربية هي السعي لاستعادة الخلافة، ويتهمون على أساسها بالظلامية والتخلف والرجعية!
ومن الأمور المشتركة التي تجمع بين العرب والأتراك، العداء المستحكم من الأطراف الخارجية للإسلام الذي يجمعهما، ويمثل مصدر قوة لهما، فالوحدة الإسلامية تُخيفهم وتقض مضاجعهم، ولذلك تسعى تلك الأطراف للتحريش بين العرب والأتراك، وهو ما يتضح جليًا من خلال تشويه صورة الطرف الآخر والتحريض عليه، من خلال المناهج الدراسية التي تزور التاريخ وتولد الكراهية في نفوس النشء، ومن خلال الأحداث المفتعلة التي يتم تضخيمها وتصويرها على أنها مظاهر عداوة أو حوادث عنصرية ضد الطرف الآخر.
وفي مواجهة الحملة الشرسة على الإسلام، يحتاج العرب والأتراك إلى التعاون والتكامل بينهما، وتغليب المشتركات بينهما – وما أكثرها – على نقاط الاختلاف، وعلى الرواسب التاريخية التي ينفخ فيها أعداؤهما لإذكاء نار العداوة بينهما.
المصدر: ترك برس