المارد الإسلامي
– انبلج فجره في تونس وسطعت شمسه في تركيا –
الدكتور أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2016.07.16
انبعاث المارد الإسلامي راينا دليله القاطع ليلة البارحة: لم يعد بوسع الغرب أن يعتبر شعوب الأمة عبيدا يتعامل مع من ولاهم عليهم.
سادة من جديد.
شعب أبي يُفشل انقلابا دبّر بليل لأول شعب مسلم بدأ يحقق المعجزات التي تَبيّن عجز أعداء الامة عنها:
الحكم بقيم القرآن المتخلصة من العرقية والطبقية
من نزل البارحة صدّ أداة الغرب لحكم العالم: الانقلابات التي يدبرها عملاؤهم ضد الشعوب لمنع الاستئناف إما باغتيال قائد (فيصل) أو بمحق شعب (مصر).
بداية من البارحة ولد شرق إسلامي جديد:
كل شيء سيتغير.
فكما أسلفت ناورت تركيا ليس خوفا بل لتجنب الوقوع في أتون أرادوه بجوارها للقضاء عليها.
حركوا خونة السلطة الموازية والجيش والعرقية والطائفية لمنع تركيا من أداء دورها ودفعوا ضدها بوتين والملالي والخونة من العرب ضد معاوية الثاني
فنصره الله عليهم لأن شعبا أبيا والكثير من قوات الأمن والجيش وحتى المعارضة قدموا مصلحة الوطن على المنافع بخلاف المستبدين والفسدة من العرب.
لم يبق مريضا من الرجل المريض إلا بعض العملاء من حكام المحميات العربية ونخبهم.
أما الخلافة الأخيرة فإنها استعادت عافيتها بعد قرن من البناء.
ولا بد لشباب العرب أن يبادر بعملية التنظيف الصارم للخمج الذي اعتمدته الثورة المضادة لوأد ثورته.
فالقاعدة التي لم تقع كالمرة الأولى صمدت
اكتشفوا أن الثورة لها قاعدة على الأقل لحماية لاجئيها ومقاوميها وتسليحهم إذ من دونها ما كانت الثورة السورية ولا المقاومة المصرية تستطيع الصمود.
وهي طليعة الانبعاث.
بإسقاط عاصمة الخلافة الأخيرة (اسطنبول) ونية أسقاط عاصمة الخلافة الأولى (المدينة) كانوا يتصورون إمكانية ابتلاع الوُسطيين نهائيا دمشق وبغداد.
عاصفة الحزم من العاصمة الأولى وإعصار الشعب من العاصمة الأخيرة بداية لإفساد كل المخطط الهادف إلى تكرار نكبة الامة بعيد الحرب الأولى.
انتهت أضغاف أحلام إيران وإسرائيل وبوتين وأمريكا ولا حسبان لأوروبا وحقارة الأنظمة العربية الذليلة التي تقود الثورة المضادة:
الاستئناف بدأ.
شباب مصر هو الذي عليه أن يشمر ليسقط الانقلاب سلميا إن أمكن أو حربيا إن كان ولا بد:
لم يعد مفر أمام شعب مصر من الموجة الثانية وإلا فالذل.
وبخصوص تونس:
لم يبق مبرر لخوف الإسلاميين.
لا بد من أن يأخذوا كامل حقهم بمقتضى ما ارتضاه الشعب من تحديد إرادته ديموقراطيا:
المعادلة تغيرت.
ما كان ممكن لجبهة الإنقاذ الثانية في تونس قبل البارحة بات مستحيلا بعدها:
اليوم لن يستطيع السبسي وحرامية تونس فرض قذارتهم على الشعب التونسي.
أعلم أن العسار العربي والقوميين والعلمانيين والليبراليين في بلاد العرب دون المعارضين الأتراك وطنية ورجولة. لكنهم بسبب ذلك أكثر الناس عجزا.
فليس بوسعهم بعد الآن الاعتماد على النقابات ولا على اختراق أجهزة الدولة بعمليات إرهاب مخابراتي لأن شعب تركيا علمنا سر إحباطها سلما أو حربا.
وشعب سوريا وليبيا واليمن بصمودهم إلى الآن سيزدادون ثباتا بعد فشل الانقلاب في تركيا.
والسعودية وقطر لم يبق لهم من مهرب إلا المجابهة العلنية
ولا معنى لمواصلة النفاق والكلام على الخليج الواحد:
ففيه من هم بعد توابع لإيران وإسرائيل يحققون خططهما بالغدر الذي لم يعد خفيا على أحد.
فإن لم يبادروا لينضموا لحبهة الثورة وأن يشاركوا تركيا في التصدي الفعلي بشعوبهم وليس بالخوف منهم والاحتماء بالغرب فإن مآلهم ما يرونه حولهم.
ذلك ما لم أتوقف عن الإشارة إليه.
وما كتبته عن هذا الخطر وعن عدم الالتزام مع تركيا بالتصدي الفعلي هو الذي سيجعلهم يؤكلون كالثورة الأبيض.
ولست أجهل أن المناورات ضد تركيا لن تتوقف وأن حياة أردوغان صارت مهددة أكثر.
لكن ما يخيف الغرب وعملاءه لم يعد القائد فحسب بل الشعب الراشد.
تعودوا على العمل بمبدأ “قص الراس تنشف العروق”.
فتبين لهم أن الشعب كله صار رؤوسا فالشباب تمدد أمام الدبابات وهجم عليها لإحباط الانقلاب.
وهم يعلمون أن ذلك معدِ.
ويعلمون أن ذلك سيعم مشارق الإسلام ومغاربه.
لذلك فحرب التحرير الموازية لحرب التحرر بدأت موجتها الثانية البارحة.
لكن أهم درس ينبغي تعلمه
هو أن المعركة ضد الاستبداد والفساد هي التي تمكن من خوض المعركة ضد الاستضعاف والاستتباع.
شعب تركيا الحر نجح في المعركتين.
العرب بدأوا معركة الاستبداد والفساد فتكون الحلف المقدس للثورة المضادة.
وكاد يقضي عليها بالاعتماد على الاستضعاف والاستتباع.
والبارحة فاصلة.
فكما تم القضاء على آخر رمز لوحدة الامة أي اسطنبول فإن عودة الرمز وقعت أيضا في اسطنبول.
وينبغي أن يتحرر العرب من أول ملعوب به ضد وحدة الأمة.
مهمة شباب الشام والعراق ومصر واليمن وليبيا وتونس أن يحررونا بشباب الثورة العربية الحقيقية لا الاسمية من اللعبة التي فتتت الأمة وسببت الغمة
لماذا أقول المعادلة تغيرت؟
فلو لا قدر الله نجح الانقلاب في تركيا لكان الاقصاء في تونس أول عمل يقوم به الاستئصاليون
إلغاء نتائج الانتخابات
اختار الباجي بحيلة الوحدة الوطنية أن “يفرق دم الإسلاميين” على القبائل التي جمعها في اتفاقية قرطاج الاخيرة لتكون التصفية بالاستئصال اللطيف.
فهو يعلم أن الاستئصال العنيف عجز دونه بورقيبة وابن علي وهو يعلم كلفته ويعلم أن سنه لا تسمح له بخوض معركة قد تطول فكان الحل السعي إلى الاستئصال اللطيف.
بعد ليلة البارحة فقد حتى هذا الحل:
ينبغي أن يفرض الإسلاميون احترام نتائج الانتخابات أو انتخابات سابقة لأوانها.
لا تفريق دمهم على القبائل.
رايناهم يرقصون لما تصوروا الانقلاب في تركيا قد نجح.
والعلامات جاءتهم من الغرب الذي فرح هو بدوره ومثلهم أذياله في إيران وإسرائيل وتوابعهما .
وكما أسلفت فالمثل التونسي يقول “اللي يحسب وحده يفضل له”:
الحسبة تغيرت.
الانقلاب فشل.
ولن ينجح بعده انقلاب لأن الشعوب استوعبت كيف تتصدى.
أحمد الله على ما أمد به شباب الأمة من بصيرة وتأييد.
صمود الثورة لست سنوات مع مد وجزر كانت ثمرته ليلة البارحة صمود القلعة وازدياد شرعيتها.
فما حدث البارحة أنتج شرعية لا تضاهيها أي شرعية:
الصدور العارية للأطفال والنساء والرجال في مدن تركيا هي سنام الثورة الديموقراطية الإسلامية .
ولاختم بالقول إن ألذ سهرة عشتها هي سهرة البارحة ففيها من “السوسبنس” ما لا يستطيع أي حدث أن يحققه سواء كان فعليا تاريخيا أو صناعيا سينمائيا.
لكني كنت واثقا من الثمرة.
كنت أعلم أن شعبا جرب عقدا من الحرية والعدالة والتنمية المستدامة لا يمكنه أن ينكص للانقلابات والاستبداد والفساد.
فتلك هي معجزة تطبيق القدر المعقول من قيم الإسلام وإحياء الطموح التاريخي لشعب عميق التدين وأصيل المجد والتاريخ العالمي العظيم بعظمة الرسالة.
ذلك ما ينبغي أن يعيده شباب العرب بتخليصهم من تفاهة المحميات التي قتلت الطموح وأنست العرب المجد والسؤدد فيبقلوا بمنزلة المناذرة والغساسنة.
المصدر: مدونة الدكتور أبو يعرب المرزوقي