المشترك الإنساني
نظرية جددة للتقارب بين الشعوب
صدر للدكتور راغب السرجاني كتاب بعنوان “المشترك الإنساني” نظرية جددة للتقارب بين الشعوب، والكتاب مكون من ثلاثة أبواب وعدد من الفصول حاول المؤلف من خلالها إظهار العوامل المشتركة بين البشر على اختلافهم وتنوعهم والتي تدعو إلى التعارف والتعايش وتبعد الإنسانية عن الصدام والصراع.
وافتتح المؤلف كتابه بعبارات وجيزة تعبر عن خلاصة الكتاب ومنها قوله:”لن يحيا الإنسان دون أخيه الإنسان”، ويقول عن النظرة التي يقدمها:”إنها رؤية جديدة لعالم الإنسان وأمل كبير في حياة أفضل للبشر”.
الباب الأول من الكتاب حمل عنوان “الانسان بين التعارف والتصادم”، والفصل الأول جاء بعنوان “أصل القصة” وهو إدراك الانسان لضعفه وحاجته إلى الجماعة
وإلى التعارف لتحقيق المصلحة المشتركة مع الآخرين.
والفصل الثاني حمل عنوان “الطريق إلى الهاوية” وتحدث فيه الكاتب عن محاولات الاستغلال والدخول في صراعات مع الآخرين وضرب أمثلة على ذلك بالاستعباد والاستعمار والاحتلال العسكري.
والباب الثاني من الكتاب حمل عنوان “نظرية المشترك الإنساني”، وتضمن الفصل الأول منه البناء الفكري للنظرية، والاختيار بين التعارف والتصادم، والبناء على المشتركات وهي كثيرة وفي مقدمتها الكرامة الإنسانية.
واشتمل الفصل الثاني على ما أطلق عليه المؤلف “المشترك الأسمى” وقصد به التدين، والأديان السماوية ووجود الإله والعبادات التي جاءت بها.
والفصل الثالث تحدث فيه المؤلف عن المشتركات الإنسانية العامة وهي الأمور المتعلقة بالفطرة، وعدد المؤلف الاحتياجات الأساسية للبشر وهي من وجهة نظره: الطعام والمياه والسكن والأسرة والأمن والملبس.
وتحدث المؤلف عن العقل وضرورة توظيفه في التقريب بين الشعوب كونه وسيلة للتواصل بينهم من خلال إنتاج الفكر.
ومن المشتركات الإنسانية كما يقول المؤلف الأخلاق الأساسية ومثل لها بالصدق والأمانة والعدل، وأشار إلى أهمية التملك في حياة الإنسان.
ومن هذه المشتركات كرامة الإنسان والحضارات، والحرية التي هي معنى إنساني ولها دورها ف التواصل بين الشعوب، وبين أن الاعتداء على الحرية مدخل للنزاعات والصراعات.
وقال المؤلف إن العلم وسيلة للتواصل بين الشعوب، والعمل مشترك إنساني عام.
والفصل الرابع ذكر فيه المؤلف “المشتركات الإنسانية الخاصة” وهي: الثقافة والأرض والتاريخ المشترك، واللغة التي تعتبر من أهم خصائص الإنسان، والعادات والتقاليد، والقانون الذي ينظم حياة الناس، والأخلاق السامية مثل: الإحسان والعفة والعفو والذوق.
وحول الأعراق المختلفة أشار المؤلف إلى دراسة صدرت عام 2004 حول الجينوم البشري بينت أن كل إنسان يشارك أي إنسان آخر بـ (99.9%) من الحامض النووي الذي هو المادة الجينية للإنسان.
وفي الفصل الخامس من الكتاب تحدث المؤلف عن “المشتركات الإنسانية الداعمة”، ومنها الفنون وقال المؤلف إن الحاجة إلى الجمال شعور غريزي في طبيعة الإنسان، والرياضة من المشتركات الداعمة للتواصل الإنساني، والسياحة من المشتركات المهمة بين البشر وتدعم التواصل بينهم، والسياحة وسيلة للتعارف بين البشر وتحدث عن السياحة الدينية المتمثلة في الحج وزيارة الأماكن المقدسة وعن السياحة التاريخية.
والباب الثالث من الكتاب حمل عنوان “الطريق إلى المشترك الإنساني”، وتحدث المؤلف في الفصل الأول عن حتمية الحوار لأنه يعتبر من أبرز آليات التعارف لتحقيق المصلحة المشتركة، وعن الحوار الناجح وقال إن البشرية بحاجة دائمة للحوار، والأفكار تنتشر من خلال الحوار والإقناع، وذكر صفات الحوار الناجح وهي أن يكون: هادفًا ومتواضعًا ومحترمًا.
وعرض المؤلف نموذجًا للحوار في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه والذي ظهرت فيه الفتن السياسية، وهو حوار عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مع الحرورية وهم فرقة من الخوارج.
وفي الفصل الثاني تحدث المؤلف عن “رابطة المعاهدات”، وقال إن المعاهدات الناجحة هي التي تتفق فيها الأطراف المختلفة على أمور تنظم العلاقات وتجنبها الصراع، وهذه الاتفاقيات تقوم على العدل والوضوح ووجود الارادة والقدرة على التنفيذ، ومثل لذلك بـ “معاهدة المدينة” بين الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود والتي قامت على مبدأ التعارف والعيش المشترك.
والفصل الثالث تحدث فيه المؤلف عن “التكتلات” ومثل لها بـ “الاتحاد الأوروبي” الذي توحدت دوله من أجل القوة وحماية المصالح المشتركة وحقوق الشعوب.
وتحدث عن “مجلس التعاون الخليجي” الذي نجح في تحقيق الامن والاستقرار لشعوب دول الخليج ونجح في تحقيق طفرات في عدد من المجالات وبخاصة الاقتصادية والاجتماعية.
وفي الفصل الرابع تحدث المؤاف عن أخلاق التعارف كما وردت في سورة الحجرات وهي: التثبت من المعلومة، وسرعة الإصلاح، والحزم في الإصلاح، والعدل في الإصلاح، والاحترام المتبادل، واجتناب الظن، وعدم التجسس، وعدم تشويه صورة الآخرين.
والفصل الخامس حمل عنوان “وقفة مع الفكر الغربي الحديث”، وتحدث فيه المؤلف عن عقلاء الفكر الغربي والمشترك الإنساني وموقفهم المنصف تجاه الحضارة الإسلامية.
وتحت عنوان “تعقيب على الفكر الصدامي”، انتقد المؤلف فوكوياما صاحب نظرية “نهاية التاريخ” التي قال فيها بسيادة النموذج الليبرالي باعتباره الفكر الوحيد الذي يستحق البقاء، وانتقد صمويل هنتنجتون صاحب نظرية “صدام الحضارات”، الذي قال إن الصراع بين الحضارات نتيجة حتمية نظرًا للاختلاف الهوية الثقافية والدينية.
وطرح المؤلف في الفصل السادس سؤالا وهو: هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ؟!
واستشهد بمقولة الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري:”الإنسان كائن متجاوز للمادة والحتميات التاريخية”.
وضرب المؤلف مثالين للتغيير وهما النموذج الإيطالي الذي تحول من نظام فاشي إلى نظام ناجح قوم على التعارف والتعايش، والنموذج التركي الذي تنكر للحضارة الإسلامية وتوجه نحو الغرب على يد كمال أتاتورك وتم تصحيح المسار مع وصول حزب الحرية والعدالة للسلطة والتصالح مع التاريخ وإعادة صياغة العلاقات التركية مع العالم.
وختم المؤلف كتابه بنداء إلى عقلاء العالم ووصفهم بقوله:”عقلاء العالم هم عقوله المفكرة، وهؤلاء هم قادته الحقيقيون، فليس من إنسان إلا وهو يتصرف بوحي من قناعاته وأفكاره، وهذه القناعات والأفكار تشكلت بتأثير من العلماء والمفكرين”.
وقد دعا المؤلف عقلاء العالم إلى تجنب قيام نزاع له طابع ديني، والسعي إلى منع تربية العنف، وتحسين صورة الآخر، والحذر من التعميم، وخلق بيئة تسمح باستمرار السلام، وإدراك قيمة النفس الإنسانية بلا تمييز، والاهتمام بقضايا الحرية داخل الأوطان، وترسيخ ونشر قيمة الاحترام المتبادل.
وكتاب ” المشترك الإنساني” للدكتور راغب السرجاني من إصدار مؤسسة اقرأ للنشر، والطبعة الأولى منه صدرت عام 2011م، والكتاب يتكون من 836 صفحة من القطع المتوسط.