اهتمام الإسلام بالشباب
يقول الله عز وجل عن أصحاب الكهف:{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} سورة الكهف: 13-14.
ومن السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظله يوم القيامة كما ورد في الحديث :” وشاب نشأ في عبادة الله “.
والرسول صلى الله عليه وسلم أولى الشباب اهتماماً عظيماً واعترف بفضلهم في نشر الدعوة الإسلامية، فنجده صلى الله عليه وسلم يقول:” لقد نصرني الشباب وخذلني الشيوخ “.
وسيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه أسلم وعمره 37 عاماً، وسيدنا عمر بن الخطاب أسلم وعمره 27 عاماً، وسيدنا عثمان بن عفان أسلم وعمره 34 عاماً، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أسلم وعمره 10 أعوام، وكان أول من آمن من الشباب والرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن ينام في فراشه ليلة الهجرة وعهد إليه بأداء الأمانات التي كانت عنده لأصحابها، فقبل سيدنا علي رضي الله عنه المهمة وهو يعلم حجم المخاطرة التي يقوم بها والتي ربما دفع حياته ثمنا لها.
وفي صدر الدولة الإسلامية كان الشباب هم من يقود الجيوش ويفتح البلاد ويتصدر مجالس العلم ويعتلي منابر المساجد، أما نحن فنخشى أن نمنحهم حتى الحرية في أن يقودوا أنفسهم ويخططوا لمستقبلهم أو يختاروا ما يناسبهم ويوافق ميولهم وقدراتهم!
وهذا هو الفرق الهائل بين جيل الشباب المفترى عليه حالياً والذي نتهمه بالجهل والتفاهة والسطحية ونحن السبب في ذلك كله وبين جيل الشباب الذي أخذ دوره الحقيقي في القيادة فكان النصر حليفهم وكانت الفتوحات الإسلامية العظيمة التي لم يعرف لها التاريخ مثالاً.
والرسول الله صلى الله عليه وسلم ولى سيدنا أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما وهو شاب حديث السن لم يتجاوز العشرين من عمره ولاه إمارة جيش عظيم أرسله لقتال الروم كان فيه كبار الصحابة من أمثال أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعاً. فهل هناك من درس نتعلمه من رسول الله في هذا الأمر؟ نعم إنه الـتأكيد على دور الشباب في قيادة هذه الأمة وغيرها من الأمم التي تريد التقدم والنهوض فالشباب بقوتهم وحماستهم هم الأقدر على حمل أي رسالة والذود عنها بأرواحهم حتى تصل إلى غايتها المنشودة.
وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أنفذ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعث أسامة بن زيد لمقاتلة الروم تنفيذاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وإيماناً منه بدور الشباب في حمل الرسالة وتبليغها.
وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يجلس عبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو فتى حديث السن مع أهل الرأي والمشورة من كبار الصحابة، ولما رأى امتعاضهم من ذلك أثبت لهم وبالدليل العملي فقه عبد الله بن عباس وعلمه وأحقيته في الجلوس معهم. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانَ عُمرُ يُدخِلُني مع أشياخِ بدر، فكأَنَّ بعضَهم وَجَدَ في نفسه فقال: لِمَ تُدخل هذا معنا ولنا أبناءٌ مثلُهُ؟ فقال عُمر: إنه من حيث عَلِمتم. فدَعاه ذاتَ يومٍ فأدْخَلَه مَعهم فما رُئيتُ أنه دعاني يومَئِذٍ إلاّ ليُريهم. قال: ما تقولون في قول الله تعالى:{إذا جاء نصْرُ الله والفتحُ} فقال بعضُهم: أُمِرنا نحمدُ الله ونستَغْفره إذا نصرنا وفتح عَلَيْنا، وسَكَت بعضُهم فلم يقُل شيئاً. فقال لي: أكذاك تَقُول ياابنَ عبّاس؟ فقلتُ: لا، قال: فما تقول؟ قُلت: هو أَجَل رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَعْلَمه لَهُ، قال: إذا جاءَ نصرُ الله والفَتْحُ ـ وذلك علامَةُ أَجَلِكَ ـ فسبِّح بحمدِ ربكَ واستغْفره إنه كان توّاباً. فقال عُمر: ما أعلمُ منها إلا ما تقول». صحيح البخاري: 4851.
ويحدثنا التاريخ عن القائد الشاب محمد بن القاسم الثقفي الذي فتح بلاد السند عام 85 هـ وعمره لم يتجاوز 17 عاماً، وعن ذلك الشاب المسلم ” محمد الفاتح ” الذي تولى عرش الدولة العثمانية وعمره 12 عاماً فقط وفتح الله على يديه مدينة القسطنطينية التي استعصت على الكثير من السلاطين قبله وهو ابن 21 عاماً فقط!
وبشارة الرسول صلى الله عليه وسلم:« لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش». مسند الإمام أحمد: 18602.
تحققت على يد ذلك الشاب المسلم في سنة (857هـ – 1453م ).
وبعد تلك النماذج الفريدة التي عرضناها للشباب المسلم الذي قاد الجيوش وفتح المدن وتصدر مجالس العلم يحق لنا أن نسأل: هل إدارة شركة أو مؤسسة أو إدارة مشروع صناعي أو زراعي أو رئاسة حزب أسهل وأيسر أم خوض معركة حربية وقيادة جيش بأكمله؟!
والقيادات الشابة وعلى مر التاريخ أثبتت نجاحها في مواطن كثيرة والاسكندر الأكبر الذي تولى عرش مقدونيا وهو في العشرين من عمره أقام أكبر امبراطورية عرفها التاريخ خلال 13 عاماً فقط!
محمد خاطر
mimkhater@hotmail.com