بناء إنسان الواجب
المطالبة بالحقوق والحرص على استيفائها كاملة، والتقصير في أداء الواجبات، مما ابتلي به المسلمون في هذا العصر، وهو سبب التخلف الذي يعانون منه في جميع المجالات، ولذلك باتت عملية بناء إنسان يقوم بأداء واجباته تجاه الآخرين دون أن يربطها بحقوقه عليهم صعبة المنال، وتحتاج إلى جهد جهيد، وإلى صبر طويل، وإلى تدريب منذ الصغر.
والأثرة التي نعاني منها اليوم حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، فعَنْ عَبْدِ اللّهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذلِكَ؟ قَالَ:«تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللّهَ الَّذِي لَكُمْ». صحيح البخاري: 3/1318 ومسلم: 3/1472.
وتطبيق هذا الحديث في إطار الأسرة والمجتمع يقفل باب النزاع والشقاق، ويحقق الأمن الاجتماعي للجماعة المسلمة.
وبناء إنسان الواجب يكون من خلال التنشئة السليمة بأن نعلم الطفل أن هناك حقوقا للآخرين يجب أن يؤديها وأن نساعده على القيام بها، وأن يتعود الطفل على المبادرة في فعل الخير وتقديم المساعدة للآخرين حتى وإن لم يطلب منه ذلك. والفرد المسلم خير بطبيعته، ونافع لكل من حوله من البشر والحيوانات والجمادات، ومن هنا كان تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم للمسلم بالنخلة.
وكل فعل يقوم به المسلم لمساعدة الآخرين يثاب عليه، فعن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«على كلِّ مسلم صدَقة». قالوا: فإن لم يَجدْ؟ قال: «فيَعملُ بيديهِ، فينفعُ نفسَهُ ويتصدَّقُ». قالوا: فإن لم يستطعْ، أو لم يفعل؟ قال: «فيُعينُ ذا الحاجةِ الملهوفَ)). قالوا: فإن لم يَفعل؟ قال: «فليأمرْ بالخير)) أو قال: «بالمعروف». قال: فإن لم يَفعلْ؟ قال: «فليُمْسك عن الشر، فإنهُ له صدَقة». صحيح البخاري: 2/524 ومسلم: 2/699.
«وتعريف الأطفال بحقوقهم يجب أن يشمل المسئوليات التي تنطوي عليها هذه الحقوق. ففي حين أن للطفل الحق في أن يستمع الآخرون إلى وجهات نظره، يجب الاهتمام بأن تكون لديه في المقابل مسئولية الاستماع إلى آراء الآخرين».
وبناء إنسان الواجب يكون من خلال إخلاص العمل لله عز وجل والإخلاص ليس قاصرًا على العبادات ويشمل جميع المعاملات وسائر أحوال المسلم. يقول الله عز وجل:{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} سورة الأنعام: 162، 163.
ومن الأمور التي يغفل عنها الكثير من المسلمين واجب إخلاص النية وابتغاء مرضاة الله عز وجل في تعاملاتهم مع الآخرين والإحسان إليهم، فالمسلم يعمل ويحسن للآخرين لكي يرضي الله عز وجل، ولا ينتظر من العباد جزاءًا ولا شكورًا.
يقول الله عز وجل: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا} سورة الإنسان: 8، 9.
والمسلم يؤدي ما عليه من واجبات امتثالا لأوامر الله عز وجل، وطمعا في ثوابه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعون، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ وأحلم عنهم ويجهلون عليّ قال:«لئن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك». صحيح مسلم: 4/1982.
وبناء إنسان الواجب يكون من خلال تشجيع العمل الجماعي والتطوعي وحقوق الإنسان من المجالات التي تحتاج إلى العمل الإنساني المشترك من أجل نشر قيم حقوق الإنسان والتعريف بها.
وديننا الحنيف يأمرنا بأن نلزم الجماعة، ويخبرنا أن الخير كل الخير في الاتحاد، وأن الشرور والمفاسد كلها تأتي من التفرق والتشرذم والاختلاف البغيض. يقول الله عز وجل:{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة المائدة: 2.
ويقول تعالى:{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} سورة آل عمران: 10.
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى». صحيح البخاري: 1/418 ومسلم: .4/1704.
وعلى الرغم من ذلك نجد أن النزعة الفردية قد طغت على حياة الكثير من المسلمين اليوم، وفي المقابل نجد العمل الجماعي التطوعي الذي يؤمن به غير المسلمين في جميع المجالات.
وبناء إنسان الواجب يكون من خلال الشعور بالمسئولية تجاه الآخرين وهو مدخل هام للحفاظ على حقوقهم من الضياع بالكلية أو التقصير في أدائها. وكل فرد في المجتمع المسلم يتحمل قسطًا من المسئولية. فعن نافعٍ عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسئول: فالإِمامُ راعٍ وهو مسئول، والرجلُ راعٍ على أهله وهو مسئول، والمرأة راعيةٌ عَلَى بيتِ زوجها وهي مسئولة، والعبدُ راعٍ على مالِ سيِّدهِ وهو مسئول، ألا فكلكم راعٍ وكلُّكم مسئول». صحيح البخاري: 5/1996 ومسلم 3/1459.
وفي هذا الحديث إشعار لكل فرد في المجتمع بالمسئولية الملقاة على عاتقه تجاه الآخرين، وحث على أدائها لأنه سيسأل عنها يوم القيامة.
والشريعة وضعت فروضًا كفائية تقوم بها بعض الفئات ويكون الهدف منها ضمان تحقيق مصالح المجتمع ويقع الإثم على الجميع إذا لم يقم بها أحد.
وفروض الكفاية لها دورها في بناء المجتمع وتنميته، وهي السبيل لبناء مؤسسات المجتمع وتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراده.