الحرب على غزة فضحت الجميع، بدءًا من الكيان الصهيوني وداعميه، ومرورًا بالأنظمة العربية والدول الإسلامية، وانتهاء بما يسمونه المجتمع الدولي، وفضحتنا كذلك على المستوى الشخصي، فقد أظهرت خورنا وضعفنا وعجزنا عن نصرة إخواننا في فلسطين.
فضيحة الكيان الصهيوني
معركة طوفان الأقصى التي بدأت في 7 من أكتوبر العام الماضي وتداعياتها فضحت الكيان الصهيوني الغاصب، وفضحت وأذلت الجيش الذي زعموا -كذبًا وزورًا- أنه لا يقهر، فقد قهرته المقاومة ببسالتها وشجاعتها وأسلحتها البسيطة، والشيخ عبد القادر شيبة الحمد رحمه الله يقول:”اليهود لم يحتلوا فلسطين بقوتهم، فهم أجبن خلق الله قاطبة، وإنما احتلوها بمعاصينا، وساق الأثر الذي يقول:إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني”.
والحرب على قطاع غزة أظهرت وحشية وبربرية الجيش الصهيوني الذي يصفونه بأنه الجيش الأكثر أخلاقية على مستوى العالم!
فجيش الكيان الصهيوني لم يترك جريمة بحق الإنسانية إلا وارتكبها، فقد تعمد قتل النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين العزل، وقتل وجرح منهم عشرات الآلاف، ودمر المنازل والبنية التحتية، وقصف المساجد والمستشفيات والمدارس والمقابر، وتعمد جرف جثث الشهداء، وقام بنبش المقابر وسرقة الجثامين، واستهدف الطواقم الطبية وطواقم الإسعاف، واستهدف الصحفيين وقتل منهم العشرات، وتسبب في وفاة الآلاف بالجوع والمرض والحصار، ومنع دخول المساعدات الإنسانية للقطاع.
فضيحة النظم العربية
العدوان على غزة والمستمر منذ أكثر من 4 شهور، فضح النظم العربية فبعضها صمت ولم يحرك ساكنًا لوقف المجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، وبعضها بذل بعض الجهود لوقفها، وهناك الصهاينة العرب وهم شركاء للكيان الصهيوني في الجرائم التي ترتكب في غزة وفي فلسطين.
ومن الشركاء في قتل إخواننا في غزة من يغلقون معبر رفح ويمنعون دخول المساعدات الإنسانية، ويمنعون خروج الجرحى من القطاع، وذلك على الرغم من عدم وجود أي اتفاقيات ثنائية أو دولية تتعلق بإدارة المعبر الخاضع للإدارة المصرية حصرًا، وقد تنصل ممثل الكيان الصهيوني من المسؤولية عن إغلاق المعبر أمام محكمة العدل الدولية.
وهناك فضيحة أخلاقية وإنسانية من العيار الثقيل تتمثل في المتاجرة بالمساعدات الإنسانية، وفرض إتاوات على إدخالها للقطاع، وهو ما اشتكت منه بعض المنظمات العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية!
فضيحة العالم الحر
العدوان على غزة فضح المجتمع الدولي والعالم الحر الذي يتشدق بالقانون الدولي الإنساني وبحقوق الإنسان، ويصمت في نفس الوقت على الانتهاكات الجسيمة والبشعة لحقوق الإنسان في فلسطين، والتي تنطبق عليها أوصاف الإبادة الجماعية.
والحرب على القطاع جعلت الكثيرين في الشرق والغرب يكفرون بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فإسرائيل الدولة (الديمقراطية) من وجهة نظر الغرب هي دولة مارقة تضرب بالقانون الدولي الإنساني وبالأعراف الدولية عرض الحائط.
والاستثناء من ذلك العالم الحر الذي يتسم بالنفاق ولا يعترف بغير القوة، هو دولة جنوب أفريقيا التي أجبرت الكيان الصهيوني على المثول أمام محكمة العدل الدولية، واستراليا ومعظم دول أميركا اللاتينية.
فضائح الغرب
الجرائم المرتكبة في غزة فضحت النظم الغربية التي وقفت مع حليفتها في المنطقة، وقدمت لها جميع أشكال الدعم المعنوية والمادية منذ اللحظات الأولى لعملية طوفان الأقصى، والدعم الغربي المتواصل للكيان الصهيوني هو الذي مكنه من الاستمرار في اعتداءاته على القطاع حتى اليوم، لأن الكيان الصهيوني كما يقول الخبراء العسكريون والمفكرون لا يتحمل أعباء الحرب الطويلة وما ينجم عنها من خسائر بشرية واقتصادية.
وهذا الدعم هو حبل الناس كما ورد في القرآن الكريم، يقول الله عز وجل:{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ} سورة آل عمران: 112.
فضائح الأفراد
العدوان المستمر على غزة فضح الجميع، فقد أظهر عجز العرب والمسلمين عن الفعل، وهو أمر يتحمل مسؤوليته الجميع بلا استثناء، فعجز الأمة هو نتيجة حتمية لعجزنا كأفراد، فالقطاع العريض من أفراد الأمة مشغول ومهوم بالسعي وراء لقمة العيش، ووراء الملهيات ككرة القدم وغيرها.
وهناك قطاع صمت صمت القبور على المجازر اليومية بحق الفلسطينيين، وكأن الأمر لا يعنيه، على الرغم من كونه الضحية المستقبلية للكيان الصهيوني وداعميه.
وهناك فئة قليلة من الأمة قامت بما تستطيع تجاه إخواننا في غزة، بالدعم المالي وإرسال المساعدات، أو الدعم الإعلامي، أو التظاهر والاحتجاج، أو الدعاء لهم بالثبات والنصر على أعدائهم.
سنة الابتلاء
ما يجري في فلسطين من أحداث هو في حقيقة الأمر ابتلاء واختبار للجميع، والغرض منه التمحيص، يقول الله عز وجل:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} سورة العنكبوت:2، 3.
ويقول تعالى:{أمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} سورة آل عمران: 124.
ويقول تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} سورة محمد: 31.
والصبر على الابتلاء يرفع الدرجات، يقول الله عز وجل:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ} سورة البقرة: 155-157.
وجهاد الكفار فيه تمحيص للمؤمنين واصطفاء للشهداء، يقول الله عز وجل:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} سورة آل عمران: 139-140.
وما يعني أفراد الأمة خارج فلسطين، هو أن الفلسطينيين أقاموا الحجة على الجميع، وبخاصة العملاء والجبناء من هذه الأمة، فقد ضحوا بكل شيء: ضحوا بأرواحهم وأنفسهم وأهليهم وأموالهم، وبكل ما يملكون من حطام الدنيا.
وثبات الفلسطينيين وتضحياتهم الغالية، والصمود الأسطوري للمقاومة في وجه العدوان الصهيوني الغاشم، يجب أن يُبنى عليه من أجل التوصل لحل دائم للقضية الفلسطينية، وإعادة حقوق الفلسطينيين المسلوبة، وتحرير مقدسات المسلمين من دنس الصهاينة الغاصبين.
وختامًا نقول: اللهم إنا نبرأ إليك من فعل الصهاينة، ونبرأ إليك ممن يدعمونهم من الصهاينة العرب، وممن يسكتون على جرائمهم وهم قادرون على نصرة إخوانهم.
المصدر: عربي بوست