حماية البيئة مسؤولية الجميع
يشترك جميع البشر في الحياة على كوكب الأرض الذي هيأه الله سبحانه وتعالى لاستقبال آدم عليه السلام وذريته من بعده، وأودع فيه كل ما يصلح من حالهم ويحفظ بقاءهم. يقول الله عز وجل: { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. سورة فصلت: 9-12.
والله سبحانه وتعالى خلق الكون في نسق عجيب لا تطغى فيه قوة على أخرى ولا يطغى فيه شيء على شيء مصداقاً لقول الله عز وجل : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}. سورة القمر: 49. والكون يسير في تناغم فريد وجميع المخلوقات تسبح بحمد الله يقول الله عز وجل: { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}. سورة الإسراء: 44.
والله عز وجل نهى عن الإفساد في الأرض بقوله تعالى: { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}. سورة الأعراف: 56. وتوعد الله عز وجل المفسدين في الأرض بأشد أنواع العذاب يقول الله عز وجل : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم} سورة المائدة: 133.
ولكن حدث الإفساد في الأرض وكل شيء طالته يد الإنسان نال حظه من الفساد قل أو كثر، فقد تلوثت مياه الأنهار والبحار وتلوثت التربة وتلوث الهواء، وهذه الأشياء تمثل المقومات الضرورية لحياة الإنسان وهي التي تحفظ بقاءه على سطح الأرض، وكانت النتيجة المرة هي التلوث الغذائي الذي يسبب العديد من الأمراض مثل السرطان والفشل الكلوي وتليف الكبد.
أما سنن الله عز وجل في الكون والتي لم تصل إليها يد الانسان وليس له عليها سلطان فما زالت تقوم بالمهمة التي ُخلقت من أجلها على أكمل وجه يقول الله عز وجل عن بعض آياته في الكوني: { لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}. سورة يس: 40.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان أول من دعى إلى حماية البيئة والحفاظ عليها فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على عمارة الأرض وعلى زراعة الأشجار فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ غَرَسَ غَرْساً فَأَكَلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ أَوْ طَيْرٌ أَوْ سَبْعٌ أَوْ دَابَّةٌ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ». مسند الإمام أحمد: 14902.
والرسول صلى الله عليه وسلم حث على زراعة النخيل حتى عند قيام الساعة فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنْ قامَتِ السّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيْلَةٌ فإنِ اسْتَطَاعَ أنْ لا يَقُومَ حَتّى يَغْرِسَها فَلْيَفْعَلْ». مسند الإمام أحمد: 12689.
والرسول صلى الله عليه وسلم حث على النظافة، فعن عَامِرُ بنُ سَعْدٍ بن أبي وقاص عن أَبيهِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ الله طَيِّبٌ يُحِبُّ الطِّيبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ». سنن الترمذي: 2877، قال أبو عيسَى: هذا حديثٌ غريبٌ.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ». صحيح مسلم: 117.
والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ الحيوان غرضاً يرمى بالسهام. فعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: « نَهَى رسولُ الله أن يُتَّخَذَ شيءٌ فيه الرُّوحُ غَرَضاً». سنن الترمذي: 1477، قال أبو عيسى: حديثٌ حسنٌ صحيح.
وورد في الآثر النهى عن قطع الأشجار وردم الآبار وقتل الحيوانات إلا لأكلها. ومن وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليزيدَ بنَ أبـي سفـيانَ : ” ولا تُـخَرِّبُوا عُمْرَاناً، ولا تَقْطَعُوا شجرةً إلاَّ لنفعٍ، ولا تَعْقِرَنَّ بهيـمةً إلا لنفعٍ، ولا تُـحْرِقَنَّ نـحلاً ولا تُغْرِقَنَّهُ”.
والرسول صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة برد فرخين صغيرين لأمهما، فعن الْحَسَنِ بن سَعْدٍ عنْ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ بن عَبْدِ الله عنْ أبِيهِ ، قال: « كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ فَجَاءَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: مَنْ فَجَّعَ هٰذِهِ بِوَلَدِهَا، رُدُّوا وَلْدَهَا إلَيْهَا، وَرَأى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فقال: مَنْ حَرَّقَ هٰذِهِ؟ قُلْنَا: نَحْنُ، قال: إنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أنْ يُعَذِّبَ بالنَّارِ إلاَّ رَبُّ النَّارِ». سنن أبي داود: 2676.
والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بعدم الإسراف في الماء وبالمحافظة عليه فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: «لاَ تُسْرِفْ. لاَ تُسْرِفْ». سنن ابن ماجه: 449.
والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تلويث الماء الراكد، فعَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ أَنَّهُ نَهَىٰ أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ. صحيح مسلم: 607.
والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البصاق في المسجد، فعن أَنسَ بنَ مالكٍ رضي الله عنه، قال: « قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم البُزاقُ في المَسجدِ خَطِيئةٌ، وكفّارتُها دَفُنها». صحيح البخاري: 411.
والحفاظ على البيئة لم يعد ترفاً في هذا العصر الذي وصل التلوث فيه لكل شيء من حولنا، فقد وصل إلى طعامنا وشرابنا وإلى الهواء الذي نتنفسه وأصبحت هناك كوارث بيئية ناجمة عن هذا التلوث الذي خلفته الحضارة الحديثة القائمة على ثقافة الاستهلاك دون مراعاة للاقتصاد في الموارد الطبيعية التي تتناقص يوميا مع الزيادة السكانية المطردة التي يشهدها العالم.
والحفاظ على البيئة ليس شيئاً روتينياً أو مجرد استحداث لوزارات أو هيئات أو مجالس تحمل شعار المحافظة على البيئة ومع ذلك لا تقدم شيئاً يذكر في تحقيق هذا الهدف ولا تحقق تقدماً ملموساً في وقف الانتهاكات الصارخة التي تتعرض لها البيئة والموارد الطبيعية، فهناك اعتداءات يومية على البيئة ولا يوجد من يتصدى لها سواء من الأفراد أو من المؤسسات الحكومية أو المؤسسات الأهلية.
والمطلوب من المؤسسات المعنية بحماية البيئة هو التحرك والانتقال للجماهير لمعالجة النقص الحاد في الوعي البيئي لدى شرائح عديدة في المجتعات العربية ومطلوب تفعيل دور هذه المؤسسات والهيئات في الحفاظ على البيئة والحد من الملوثات البيئية التي تشكل خطراً محدقاً ومحققاً على الإنسان والحيوان والنبات، وكذلك لا بد من وقفة حازمة وصارمة ضد ( مافيا ) النفايات السامة والمشعة والتي تعتبر دول العالم الثالث مقبرة لها، فقد سمحت العديد من الدول الفقيرة وعدد من المسؤولين عديمي الضمير والإنسانية في تلك الدول بدفن تلك النفايات القذرة في أراضيها مقابل حفنة من الدولارات مخلفة وراءها العديد من الكوارث البيئية التي يمتد أثرها لعدة قرون من الزمن.
والحفاظ على البيئة ليس مسؤلية مجموعة من الأفراد أو المؤسسات ولكنه أصبح مسؤولية الجميع، لأننا نشترك سوياً في الحياة على هذا الكوكب والتلوث الذي يحدث في أي مكان في العالم يصيب الجميع دون استثناء، ولعل ظاهرة الاحتباس الحراري الناجمة عن الزيادة الهائلة في انبعاثات الغازات الصناعية خير دليل على ذلك، والمطلوب حالياً هو تضافر الجهود الدولية من أجل بيئة نقية وحياة أفضل للأجيال القادمة، ولا بد من ممارسة كل الضغوط على الدول المارقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تنتج وحدها (23 %) من الملوثات في العالم وما زالت ترفض التوقيع على معاهدة كيوتو للحد من انبعاثات الغازات الصناعية.
والتعاون الدولي هو المطلوب في هذا المجال، لأن الجهود الفردية مهما بلغت لن تكون قادرة على الحفاظ على البيئة التي تشمل عدة نواحي أهمها الناحيتين السياسية والاقتصادية. وهناك دور يجب أن تلعبه الأسرة وهو غرس القيم البيئية في نفوس النشء والتوعية بأهمية الحفاظ على البيئة، وأن العمل البيئيى واجب وهو عمل إنساني بالدرجة الأولى ويستفيد منه الجميع، والعمل على الاستغلال الأمثل للنفايات المنزلية، فهناك أعمال فنية رائعة كانت النفايات هي المكون الرئيسي لها.
وهناك الدور الذي يجب أن تقوم به المدرسة من خلال تدريس مادة خاصة بالبيئة وكيفية المحافظة عليها وإقامة الأنشطة والفعاليات البيئية داخل المدرسة وخارجها وتشجيع الطلاب على المشاركة فيها، والقيام برحلات إلى البيئة المحيطة وإعداد المعسكرات التي يكتسبون من خلالها معلومات ومهارات جديدة في كيفية التعامل مع الملوثات وسبل الحد منها، والطرق المبتكرة للحفاظ على البيئة وتنمية مواردها.
وهناك الدور الهام الذي يجب أن تقوم وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في توعية الجميع من ربات البيوت ومن العمال والفلاحين والطلاب والموظفين بأهمية الحفاظ على البيئة وبالأضرار الصحية والاقتصادية المترتبة على التلوث البيئي، وإبراز الأنشطة والفعاليات البيئية وتعبئة الرأي العام ضد الممارسات السلبية التي تتم بحق البيئة والكائنات الحية. وهناك دور هام للمستثمرين ورجال الأعمال، وذلك من خلال دعم مؤسسات حماية البيئة والاستثمار في النفايات التي يمكن تدويرها والتي أصبحت ثروات ضخمة في الدول المتقدمة التي تحسن تدويرها وإعادة استخدامها.
ومن أجل حماية البيئة لا بد من وضع استراتيجيات طويلة الأمد ووضع القوانين والتشريعات اللازمة للحفاظ عليها، ومنها استقطاع جزء من أرباح الشركات التي تنتج ملوثات بيئية للعمل البيئي وتخصيص جزء من استثمارات الدول الصناعية والشركات العالمية لتمويل الأبحاث العلمية المتعلقة بالبيئة ودعم برامج حماية البيئة في الدول الفقيرة وفي الدول التي تقام فيها مشروعات تلك الشركات.
وينبغي علينا أن نشيد بالجهود التي يبذلها المتطوعون في مجال العمل البيئي والجهود التي تقوم بها المؤسسات العامة والخاصة التي تعمل على حماية البيئة وأن نشيد كذلك بالدعم الذي تقدمه بعض الشركات التي تسهم في حماية البيئة وتضع البيئة المحيطة بمشروعاتها والحفاظ عليها ضمن أولوياتها وتحرص دائماً على ألا يكون الربح المادي الذي تحققه على حساب البيئة التي هي ملك للإنسانية جمعاء وملك للأجيال القادمة وليس للجيل الحالي فقط، لأن آثار الملوثات تمتد لعدة عقود من الزمن وربما أدت إلى انقراض أنواع عديدة من الكائنات الحية.
* كلمة أخيرة: يقول الله عز وجل: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. سورة الروم: 41.