حماية المؤسسات التعليمية
الإنسان في كل زمان ومكان بحاجة إلى الدين وإلى العلوم الشرعية التي تنظم علاقة الإنسان بخالقه عز وجل ويعرف بها الأوامر والنواهي ويعرف بها كيف يعبد الله عز وجل عبادة صحيحة ويعرف بها حقوق الآخرين عليه فيؤديها على الوجه الأكمل ويعرف بها أن هناك يومًا للحساب والجزاء، ولذلك أرسل الله عز وجل الرسل مبشرين ومنذرين ليبينوا للناس أمور دينهم وليقيموا عليهم الحجة بأنهم بلغوا رسالة ربهم فينتفي بذلك الجهل الذي يمكن أن يتذرعوا به يقول الله عز وجل:{ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} سورة التوبة: 115.
ويقول الله عز وجل:{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} سورة القصص: 59.
والعلم هو الذي يعصم الإنسان من الوقوع في الشرك يقول الله عز وجل:{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} سورة محمد: 19.
والإنسان بحاجة إلى العلوم والمعارف النافعة التي تسهل عليه حياته وقيامه بأداء الواجبات المكلف بها تجاه أسرته وتجاه المجتمع الذي يعيش فيه وتجاه الإنسانية التي ينتمي إليها، فالأصل في الحياة هو العطاء وليس الأخذ وكل فرد مطالب بأن يقدم للآخرين ما ينفعهم وأقل ما يمكن أن يقدمه الفرد هو أن يكف شروره وأذاه عن الآخرين وقد عده الرسول صلى الله عليه وسلم من الصدقات، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ» قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ:« يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» قَالَ قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ:« يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوف» قَالَ قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ:« يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ الْخَيْرِ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ:« يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ. فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ» صحيح مسلم: 2286.
وصور العدوان على حقوق الإنسان في عالمنا المعاصر كثيرة ومتعددة ومن أبرزها حرمان ملايين الأطفال من حقهم في التعليم، فهناك حاليًا 57 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس.
والأسباب التي تؤدي إلى الحرمان من التعليم متعددة ومنها عدم توفر أماكن للدراسة بسبب الفقر المدقع وعجز الكثير من الدول حتى عن توفير الشراب والطعام والدواء لمواطنيها ويصبح التعليم في هذه الظروف ترفًا لا سبيل للوصول إليه، ومنها الحروب والاعتداءات التي تطال المدارس والمراكز التعليمية، فالحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة لم تستثن المدارس حتى تلك التابعة للمنظمات الدولية حيث تعرضت هذه المدارس للقصف أكثر من مرة في تحد وخرق واضح للقانون الدولي وإهانة متعمدة لما يسمونه المجتمع الدولي.
وقوات الاحتلال الأمريكي في العراق قامت بتخريب أكثر من 84% من المؤسسات التعليمية وكان هناك استهداف متعمد للأكاديميين العراقيين وقتل منهم المئات بينما هاجر الآخرون خوفًا على أنفسهم وعلى ذويهم، وهذا التخريب والاعتداء على الأكاديميين كان اعتداءً سافرًا على حق العراقيين في التعليم وحقهم في مستقبل أفضل.
والنزاعات الداخلية في الكثير من الدول وبخاصة العربية والإسلامية والتي تزداد حدتها بتدخل الأطراف الخارجية ويشرد بسببها الملايين من الناس تحرم الكثير من الأطفال من الأمن أولًا ومن حقهم في التعليم ثانيًا.
والحرمان من التعليم بأي صورة من الصور يعتبر جريمة بحق الإنسانية، لأن الحرمان من التعليم يلقي بظلاله القاتمة على الأنشطة الإنسانية الأخرى فتفشي الفقر والمرض والبطالة وانتشار الدجل والشعوذة من الأعراض الجانبية للحرمان من التعليم، ومن هنا كانت مطالبة العقلاء في العالم بضرورة حماية الأطفال والمؤسسات التعليمية من الويلات والآثار المدمرة للحروب والنزاعات، وهي دعوة تستحق الإشادة والدعم من كل الأطراف، لأن الهدف منها حماية الأطفال الأبرياء وضمان مستقبل أفضل لهم ولأوطانهم وللإنسانية بأسرها.
وصاحبة السمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند بادرت في عام 2012 بإنشاء مؤسسة “التعليم فوق الجميع”، وهي مؤسسة دولية تُعنى بحماية ودعم وتعزيز الحق في التعليم بالمناطق الواقعة أو المهددة بالأزمات والصراعات والحروب وذلك وفقًا للمادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان التي تنص فقرتها الأولى على أن “لكل شخص الحق في التعليم”، ووفقًا للمواد ( 22 و 50 و 94 و 108) من اتفاقيات جنيف لعام 1949 بشأن حماية المدنيين أثناء الحروب، والاتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل (1989) لا سيما المادة (28) منها، وإعلان التعليم للجميع عام (2000) وتسعى المؤسسة لتحقيق أهدافها وذلك من خلال:
أولًا: إجراء دراسات وبحوث وعقد منتديات ومؤتمرات وإطلاق برامج إعلامية متعددة الوسائط وذلك بغرض نشر المعرفة وتعميقها وازدياد الوعي الفردي والمجتمعي والدولي بشأن الأخطار التي تتسبب فيها الأزمات والصراعات والحروب في الحق في التعليم وتأثير ذلك على السلم والتنمية الدوليين.
ثانيًا: رصد وتحري وتوثيق كافة الانتهاكات التي تطال المنظومة التعليمية في وضعية الأزمات والصراعات والحروب.
ثالثًا: تطوير آلية قانونية دولية للدفاع عن الحق في التعليم وحمايته من كافة الانتهاكات والتجاوزات ومتابعة المتسببين فيها ومقاضاتهم.
وحق الإنسان في التنمية يبدأ بالحصول على التعليم الذي يتناسب مع المرحلة العمرية التي يمر بها والاهتمام بالتعليم كان ولا يزال المدخل الصحيح الذي يمكن أن يعبر منه أي مجتمع إنساني إلى التقدم والازدهار والرخاء، والتعليم هو حجر الزاوية في محاولات الإصلاح وأية محاولة للإصلاح لا تضع التعليم على رأس أولوياتها واهتمامتها لن يكتب لها النجاح.
والتعليم هو المدخل الرئيسي للتنمية والنهوض في كل المجالات ومنها النهوض بمنظومة حقوق الإنسان، فسبب رئيس من أسباب انتهاك حقوق الإنسان هو الجهل بهذه الحقوق والتعليم هو السبيل الوحيد لنشر مفاهيم ومبادئ حقوق الإنسان والتعريف بها.
وهناك ارتباط وثيق بين التعليم وحصول الإنسان على حقوقه وحرياته الأساسية ومنها الحق في العمل، والحق في التجمع السلمي، والحق في تكوين الجمعيات والانضمام إلى النقابات، والحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة وتقلد الوظائف العامة، والحق في أن يُنتخب وينتخب، ومن الحريات الأساسية حرية العقيدة والفكر وحرية الرأي والتعبير.
وتأسيسًا على هذا الارتباط الوثيق بين التعليم وحقوق الإنسان يمكن القول بأنه لا يوجد ضمان حقيقي لحقوق الإنسان إلا بالتعليم ونشر العلم والمعرفة بين الناس وتوفير الحماية للمؤسسات التعليمية فهذا هو الطريق الصحيح لإرساء دعائم حقوق الإنسان وخلق أجيال تعرف حقوقها وتدافع عنها.