خسائر الكيان الصهيوني نتيجة معركة طوفان الأقصى لا تقتصر على الخسائر العسكرية والخسائر الاقتصادية التي تكبدها، فهناك خسائر أخرى لا يمكن تعويضها أو تداركها، فمن الأمور التي زادت الحقد الصهيوني على غزة وعلى المقاومة الإسلامية، أن معركة طوفان الأقصى أوقفت قطار التطبيع الذي تسارعت وتيرته في الفترة الأخيرة، حتى وصل إلى بلاد الحرمين الشريفين، والزيارات المتكررة التي قام بها مسؤولين إسرائيليين للمملكة.
ومعركة طوفان الأقصى أعادت الزخم للقضية الفلسطينية على مستوى العالم، وكسبت المزيد من المناصرين والمؤيدين داخل الولايات المتحدة وفي الغرب بشكل عام، وأصبحت تمتلك ثقلًا سياسيًا حتى في مجلس الأمن، حيث فعل الأمين العام للأمم المتحدة قام بتفعيل المادة رقم (99) من ميثاق الأمم المتحدة، وتنص على:”يحق للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين”، وهي أهم وأقوى أداة يملكها الأمين العام للمجلس.
وتداعيات معركة طوفان الأقصى أضرت بالشركات الكبرى الداعمة للكيان الصهيوني، وذلك من خلال الدعوات والحملات التي انطلقت منذ بدء العدوان على قطاع غزة، داعية لمقاطعة منتجات وخدمات تلك الشركات، وأثرت المقاطعة بشكل كبير على مبيعاتها وأرباحها وعلى أسهمها في البورصة.
والكيان الصهيوني خسر التعاطف العالمي الذي حظي به لعقود من الزمن وذلك من خلال تضخيم المحرقة التي تعرض لها اليهود على أيدي النازية، وخسر جهوده والأموال الطائلة التي أنفقها حتى جعل من معاداة السامية جريمة يلاحق بها كل المعارضين لما يقوم به الاحتلال من جرائم وانتهاك لحقوق الإنسان.
وصورة الكيان الصهيوني في الإعلام العالمي أصبحت أبشع من النازية، وفي كل جريمة ترتكبها إسرائيل يتم مقارنتها بما كان يفعله النازيون بحق اليهود، وصورة رئيس الوزراء الإسرائيلي باتت تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي بزي النازية وشعارها، وأظهر استطلاع للرأي أن 51% من الشباب الأمريكي الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18-25 باتوا يؤيدون “إنهاء إسرائيل وتسليمها إلى حماس والفلسطينيين”، وهو ما أزعج مرشحة للرئاسة الأميركية وجعلها تطالب بحجب منصة “توك توك” وللأبد!
ويجب ألا ننسى أن نقل اليهود لفلسطين كان الهدف منه تخليص الغرب من شرور اليهود، والقيام بدورهم الوظيفي في الدفاع عن المصالح الغربية في المنطقة، مقابل توفير الحماية لهم وضمان رفاهيتهم وبقائهم على أرض فلسطين، والدعم الحالي للكيان الصهيوني سببه هو عدم الرغبة في عودة اليهود لأوروبا مجددًا.
مساءلة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية
منذ نشأتها على أرض فلسطين لم تخضع إسرائيل للمساءلة ولو لمرة واحدة على جرائمها ومجازرها المتكررة بحق الفلسطينيين والعرب، وكانت ولا تزال تضرب بالقانون والمواثيق والأعراف الدولية عرض الحائط، ولكن جرائمها الأخيرة المرتكبة في قطاع غزة، جعلتها تمثل لأول مرة في تاريخها أمام محكمة العدل الدولية، وهي أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة، تأسست عام 1945 للتعامل مع النزاعات بين الدول.
وعقدت المحكمة يومي 11و12 يناير 2024 جلسات للنظر في القضية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا وتتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في حرب غزة، وتطالب بوقف عاجل لحملتها العسكرية في القطاع.
والدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا تتألف من 84 صفحة ترى فيها جنوب أفريقيا أن أفعال إسرائيل وقتل الفلسطينيين “تعتبر ذات طابع إبادة جماعية، لأنها ترتكب بالقصد المحدد المطلوب لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من القومية الفلسطينية الأوسع والمجموعة العرقية والإثنية”.
وورد في عريضة الدعوى أنّ ما يحدث في غزة الآن يرقى إلى درجة “الإبادة الجماعية” وأنه جزء من “القمع” الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين على مدار عقود طويلة، وتضمنت العريضة المطالبة بوقفٍ فوريٍ للعمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة الذي يبغ عدد سكانه حوالي 2.3 مليون فلسطيني، وهو الطلب الذي قد يستغرق تحقيقه أسابيع طويلة في حين يتوقع أن تستغرق القضية سنواتٍ حتى يُبَتّ فيها.
وقال محامي جنوب أفريقيا في هذه القضية، تمبيكا نجكوكايتوبي:”في ضوء حجم الدمار في غزة واستهداف المنازل والمدنيين، أصبحت الحرب حربًا ضد الأطفال، وكل ذلك يلقي الضوء على أنّ نية الإبادة الجماعية ووضعها حيز التنفيذ، وهو ما يشير بوضوح إلى أن المستهدف من هذه الحرب هو تدمير الحياة الفلسطينية”.
ومحامي إسرائيل أمام المحكمة وجد نفسه في ورطة حقيقية، ولم يجد ما يبرر به الجرائم التي ارتكبتها بلاده، فشرع في إطلاق الأكاذيب حول ما قامت به حماس، وقال في مرافعته إنّ:”إسرائيل منخرطة في حرب دفاعية ضد حماس وليس ضد الشعب الفلسطيني”، وقد وصف خبراء قانونيون الدفاع الإسرائيلي بالركاكة والضعف، في مقابل مرافعة جنوب أفريقيا المتماسكة والمتينة والتي تم التحضير لها جيدًا بالوثائق والصور والفيديو والشهادات والقوانين، والمبنية على حجج قوية.
الجانب الاقتصادي
العدوان المستمر على قطاع غزة منذ أكثر من ثلاثة أشهر له بعد أبعاد اقتصادية لا يمكن إغفالها، فهناك مطامع للكيان الصهيوني ولأميركا ولعدد من الدول الكبرى في احتياطات الغاز الموجودة في البحر المتوسط قبالة قطاع غزة.
ومعركة طوفان الأقصى أوقفت مخططات مشروع القناة الصهيونية التي تربط بين خليج العقبة من ناحية الجنوب وبين البحر الأبيض المتوسط، وعطلت أيضًا مخطط المشروع الصهيوني – الأميركي لمواجهة طريق الحرير الجديد، وهذا المخطط ينطلق من الهند ويمر بغزة وصولًا للبحر المتوسط، وغزة بمقاومتها وبموقعها الجغرافي تشكل حجر عثرة وتعرقل هذا المشروع، ولذلك يخططون منذ سنوات مع عملائهم لإيجاد مكان بديل يرحلون إليه سكان القطاع.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن الحرب الأخيرة قد تتسبب في خسارة إسرائيل لقرابة 52 مليار دولار أمريكي. وأفاد مكتب الإحصاءات بأن معدل البطالة ارتفع إلى نحو 10% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نتيجةً لنزوح عدد كبير من السكان الذين كانوا يعيشون قرب حدود قطاع غزة.
وتراجع سعر صرف الشيكل الإسرائيلي أمام الدولار إلى أدنى مستوى له منذ عام 2012 إلى 4.08 شيكل، أما بتاريخ 9 من أكتوبر/تشرين الأول، فقد أعلن بنك إسرائيل ضخ ما يصل إلى 45 مليار دولار في محاولة لتحقيق استقرار في سعر الصرف، لكن أرقام أسعار الصرف تظهر إخفاق خطط البنك.
امتلاك القوة
النظام العالمي لا يحترم إلا الأقوياء ولا يقيم وزنًا للضعفاء، ولذلك لم ولن يكترث لما يجري في غزة، والدليل على ذلك أن المؤسسات الدولية لم تفلح في وقف الحرب على القطاع، ولم تفلح حتى في توفير الحماية للمدنيين أو إدخال المساعدات الإنسانية الضرورية، ولم تحرك ساكنًا أمام استهداف جيش الاحتلال للمدنيين وللمستشفيات وللمساجد والكنائس وللمدارس حتى تلك التابعة للأمم المتحدة.
ولأن المقاومة تمتلك قوة الرد والردع، فقد أجبرت الكيان الصهيوني على قبول الهدنة، وهي التي تفرض شروطها بشأن تبادل الأسرى، ولذلك يجب على العرب والمسلمين أن يسعوا من أجل امتلاك أدوات القوة بجميع أنواعها، لكي يدافعوا عن أنفسهم، وعن حقوقهم، ويدافعوا عن مقدساتهم، وينصروا المظلومين في أنحاء العالم، يقول الله عز وجل:{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} سورة الأنفال: 60.
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللَّهِ منَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ”. صحيح مسلم:2664 .
وأدوات القوة هي العلم والمعرفة، وامتلاك التقنية: تقنية المعلومات والتقنيات الدفاعية، وامتلاك الأسلحة النوعية، وامتلاك سلاح الإعلام، والاستغلال الأمثل الموارد المادية المتاحة، والمتأمل في معركة طوفان الأقصى يدرك أن المقاومة نجحت في امتلاك معظم هذه الأدوات.
المصدر: مدونات العربي الجديد.