نجاح عملية طوفان الأقصى في تحقيق أهدافها، يرجع الفضل فيه بعد توفيق الله عز وجل إلى الإعداد والاستعداد الجيد، والذي استغرق وقتًا طويلًا من حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى، وإلى التوظيف الجيد للإعلام، ولسلاح المقاطعة.
الإعداد والاستعداد
لا شك أن نجاح الهجوم المباغت الذي قامت به حماس على الكيان الصهيوني في السابع من شهر أكتوبر الماضي يرجع فيه جزء كبير منه إلى الإعداد الجيد للهجوم على جميع المستويات، والمسلمون مطالبون بذلك، يقول الله عز وجل:{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} سورة الأنفال: 60.
والإعداد الجيد شمل كذلك الاستعداد للدفاع عن القطاع، وصد قوات جيش الاحتلال التي تحاول التوغل في القطاع بريًا بعد أن استمر قصف القطاع جوًا وبرًا وبحرًا لمدة تزيد عن شهر، وقد كبدت فصائل المقاومة القوات المتوغلة خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وقد أقر قادة الكيان الصهيوني العسكريين والسياسيين بصعوبة الوضع في غزة.
والحراك السياسي كان حاضرًا في معركة طوفان الأقصى من خلال الرسائل التي أرسلت للجماهير العربية والإسلامية، ومن خلال التفاوض على الأسرى، ومن خلال الإفراج عن أسيرتين لظروف صحية، والسماح بخروج عدد من حاملي الجوازات الأجنبية من معبر رفح.
وعملية طوفان الأقصى أثبتت عمليًا فشل المفاوضات العبثية مع الكيان الصهيوني الغاصب والتي مضى عليها ثلاثة عقود، ارتكبت فيها إسرائيل كل الجرائم والموبقات بحق الفلسطينيين، من قتل وأسر وإذلال للفلسطينيين، واعتداءات متكررة على المسجد الأقصى وتدنيسه من قبل قطعان المستخربين، وتوسيع للمغتصبات، وهدم لبيوت الفلسطينيين، وتهويد لمدينة القدس، والدرس الذي نتعلمه هو أن ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة.
الدرس الإعلامي
الدرس الإعلامي من الدروس البارزة في عملية (طوفان الأقصى)، وقد ربحته المقاومة عن جدارة، وذلك من خلال المقاطع التي نشرها الإعلام الحربي التابع للمقاومة، وأعادت للعرب والمسلمين الشعور بالفخر والعزة، والقدرة على رد العدوان. ومقاطع الإفراج عن الرهائن جلب تعاطفًا عالميًا مع الفلسطينيين، والمقطع المصور للأسيرات والذي نشرته المقاومة شكل ضغطًا على حكومة نتنياهو وعلى الإدارة الأميركية، وقال عنه نتنياهو:”هذه دعاية نفسية قاسية من قبل حماس”.
والمتحدث الرسمي باسم حماس أبو عبيدة أصبح أيقونة للمقاومة، ورمزًا للعزة والشموخ، والجميع باتوا ينتظرون ظهوره ويحرصون على الاستماع لخطابه.
درس المقاطعة
انطلقت دعوات المقاطعة في أكثر من مناسبة، ولكن الدعوة الأخيرة المصاحبة لمعركة طوفان الأقصى، أظهرت تزايد الوعي لدى فئات كثيرة من العرب والمسلمين بأهمية وتأثير المقاطعة على الكيان الصهيوني وعلى الشركات الداعمة له، حتى إن ابنتي الصغيرة وعمرها أقل من 5 سنوات باتت تُعرض عن أنواع معينة من المنتجات الغذائية التي كانت تشتريها في السابق، لأنها على حد قولها إسرائيلية.
والجديد هو ما لمسناه من إبداع في توجيه رسائل المقاطعة، وذلك من خلال الصور ومقاطع الفيديو المعبرة عن الفظائع والجرائم التي ترتكب في غزة، والتي تشجع على مقاطعة الشركات الداعمة لجيش الاحتلال الصهيوني.
وسلاح المقاطعة سلاح مؤثر وقاطع ولا يستهان به، وقد ظهر تأثيره من خلال هبوط أسعار أسهم الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، وأجبرتها المقاطعة على عرض وبيع جميع منتجاتها بأسعار مخفضة، وبعضها وضع اسم فلسطين على منتجاته، وتبرأ آخرون في بيانات رسمية من دعم الكيان الصهيوني.
والمطلوب عربيًا وإسلاميًا هو استمرار حملة المقاطعة للكيان الصهيوني وداعميه، ولكل الشركات التي تدعم أعداء الأمة، وللدول التي تسيء للإسلام، أو تضيق على المسلمين الموجودين على أراضيها، مثل فرنسا والصين وغيرهما، وأن نشجع وندعم المنتجات المحلية، وأن تكون الأولوية للصناعات الغذائية، والدوائية، والعسكرية.
الحياة بكرامة أو الموت شهداء
الدرس الأكبر الذي نتعلمه من غزة رمز العزة، ومن معركة طوفان الأقصى، هو أن نحيا كرامًا أو نموت شهداء، يقول الله عز وجل:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} سورة آل عمران: 139.
ويقول عنترة العبسي:
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
ودمتـــم بخيــــــــــــــر. الدوحة في 1/11/2320م.
المصدر: مدونات الجزيرة.