رسالة للمدخنين
آفة التدخين تصلح لأن تكون مقياساً لتحضر الدول أو تخلفها فالدول المتحضرة تحارب هذه الآفة بكل الوسائل الممكنة ونجحت في ذلك إلى حد بعيد بينما ينتشر التدخين في الدول المتخلفة انتشار النار في الهشيم وهذه الدول تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي ليس في إنتاج الضروريات من غذاء وكساء ودواء وإنما الاكتفاء الذاتي في إنتاج التبغ والعمل الدؤوب بهدف تكوين مخزون استراتيجي من هذه السلعة الحيوية!!!
ومن حق الشعوب في الدول الغربية أن تحتفل بهذا اليوم لأنها نجحت من خلال حملات التوعية التي تكلفت الملايين في الحد من معدلات التدخين بنسبة تجاوزت 15% من عدد المدخنين أما في عالمنا العربي فينبغي أن نقيم حفل تأبين في ذلك اليوم لأن معدلات التدخين في هذه الدول في ازدياد ونسبة المدخنين من الرجال في بعضها تجاوزت 60% ومن النساء 57%!
والتدخين يؤدي حاليًا إلى إزهاق روح واحد من كل عشرة بالغين في شتى أنحاء العالم والموضوع الذي اختارته منظمة الصحة العالمية لليوم العالمي للامتناع عن التدخين للعام الحالي هو حظر الإعلان عن التبغ والترويج له ورعايته.
والاحصائيات الخاصة بعدد المدخنين أظهرت قبل سنوات قليلة أن التدخين والأمراض المرتبطة به يؤدي إلى وفاة 6 ملايين شخص سنويًا والإحصائيات الحديثة لمنظمة الصحة العالمية تقول إن وباء التبغ العالمي يودي بحياة ما يقرب من 6 ملايين شخص سنوياً منهم أكثر من 600 ألف شخص من غير المدخنين الذين يموتون بسبب استنشاق الدخان بشكل غير مباشر.
وجاء تحذير المنظمة بأن وباء التيغ إن لم تتخذ التدابير اللازمة للحد منه فسيزهق هذا الوباء أرواح أكثر من 8 ملايين شخص سنوياً حتى عام 2030. وستسجل نسبة 80% من هذه الوفيات التي يمكن الوقاية منها في صفوف الأشخاص الذين يعيشون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
ويكمن الهدف النهائي لليوم العالمي للامتناع عن التدخين في المساهمة في حماية الأجيال الحالية والمقبلة من هذه العواقب الصحية المدمرة بل وأيضاً من المصائب الاجتماعية والبيئية والاقتصادية لتعاطي التبغ والتعرض لدخانه.
والهدف الذي تسعى إليه المنظمة هو حفز البلدان على تنفيذ المادة 13 من اتفاقية المنظمة الإطارية ومبادئها التوجيهية لفرض حظر شامل على الإعلان عن التبغ والترويج له ورعايته بحيث يقل عدد الأشخاص الذين يشرعون في تعاطي التبغ أو يستمرون فيه.
ومن الأمور التي تحسب لمنظمة الصحة العالمية الاعتراف بوجود ضغط على المنظمة الدولية من قبل دوائر صناعة التبغ الرامية إلى تقويض مكافحة التبغ وسعي هذه الدوائر لعرقلة أو إيقاف فرض تدابير الحظر الشامل على الإعلان عن التبغ والترويج له ورعايته.
والتدخين من وجهة نظري جريمة مكتملة الأركان جريمة يرتكبها المدخن بحق نفسه عندما يعرضها للمهالك وعندما ينفق جزءا من ماله على المحرمات والمهلكات وجريمة بحق المخالطين الذين لا ذنب لهم وتزداد بشاعة هذه الجريمة عندما تتسبب في حدوث تشوهات خلقية للأجنة في حالة تدخين الأم الحامل.
والمشكلة التي تدعو للقلق هي زيادة أعداد الطالبات المدخنات وانتشار التدخين لدى الفتيات والسيدات وما يمثله من خطورة على المجتمع فالمدخنة تفقد أنوثتها بالكامل وتكون غير قادرة على إنجاب أطفال أصحاء وأسوياء وتكون قدوة سيئة لأولادها فيما بعد.
والتدخين من الأمور التي تُذهب المروءة وتحط من قدر الإنسان الذي كرمه الله عز وجل وتقلل من شأنه فالمدخن يغيب ويلغي العقل الذي ميزه الله به عن غيره من المخلوقات ويتعاطى ما يعلم يقينًا أنه يضره ويضر من حوله وهذه هي المعضلة الحقيقية فالمدخنون يُهملون عن عمد التحذيرات الموضوعة على علب السجائر والتي تحذر من مخاطر الإصابة بالعديد من الأمراض وعلى رأسها مرض السرطان بأنواعه المختلفة.
وقد أجمع العلماء على أن السجائر من الخبائث وأنها محرمة لأنها تتنافى مع مقاصد الشريعة الخمس التي جاءت لحفظها وهي:” حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال” ففيها إضاعة للدين وإهلاك للنفس وتدمير للعقل وإلحاق للأذى بالنسل وإلحاق الضرر بالآخرين وفيها إضاعة للمال وكلها من المحرمات.
وعلى الرغم من ذلك كله نجد من يقلل من خطورة التدخين على الفرد والمجتمع ويرى أنه لا يستحق الجهد والعناء الذي تبذله المؤسسات العامة والجمعيات الأهلية في التوعية بمخاطره والحقيقة أن للتدخين أبعادًا خطيرة لا يمكن تجاهلها فالتدخين من الناحية الشرعية معصية وارتكاب لمحرم ومن الناحية الصحية إهلاك للبدن وحرمان للمجتمع من طاقات وجهود أبنائه ومن الناحية الاقتصادية إتلاف وإضاعة للمال في شراء السجائر وفي العلاج من الأمراض الناتجة عن التدخين. والهدف الذي نسعى إليه ونشترك فيه مع العاملين في محاربة التدخين هو كيفية مواجهة المجتمع لهذه الآفة الخطيرة والتصدي لها.
وللتنشئة السليمة دورها في القضاء على آفة التدخين ولذلك فإن على الآباء والأمهات أن يحسنوا تربية أبنائهم وأن يراقبوهم جيدًا وأن يكونوا قدوة لهم في عدم التدخين لأن الغالبية العظمى من الأبناء يقعون فريسة للسيجارة وللتدخين تقليداً لآبائهم وأمهاتهم وتقليدًا لرفقاء السوء.
وعلى الأبناء أن يدعو آباءهم وأمهاتهم بلا كلل ولا ملل إلى ترك التدخين بالرفق وبأسلوب حسن وعلى الأخ أن ينصح أخاه ويدعوه بالحكمة والموعظة الحسنة لأن “الدين النصيحة” كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم.
وعلى الزوجة أن تدعو زوجها إلى الإقلاع عن التدخين وتحاول معه المرة تلو المرة حتى يلين بإذن الله فإن لم يفعل فيحق لها أن تطلب الطلاق لأن هناك فتوى تجيز لها طلب الطلاق بسبب الضرر الواقع عليها وعلى أولادها من التدخين.
والجهات المختصة بالتوظيف في القطاعين العام والخاص مطالبة بأن تضع ضمن الشروط المطلوبة لشغل وظائفها أن يكون المتقدم لشغلها من غير المدخنين.
والقوانين التي تحظر التدخين في الأماكن العامة بحاجة إلى تفعيل وتطبيق فوري فهناك الكثير من الدول يوجد بها مثل هذه القوانين ولكنها لا توضع في حيز التطبيق لذلك على الجميع أن يحرصوا على صحتهم وصحة أطفالهم وذويهم وعلى أن تكون بيئتهم خالية من التلوث وأن يكونوا أعيناً مفتوحة لتطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة وفي المواصلات العامة وفي الأماكن المغلقة.
ووسائل الإعلام المختلفة تقوم بدور خطير في نشر آفة التدخين على نطاق واسع ويمكن لهذه الوسائل أن تقوم بدور حيوي وهام في الحد من هذه الآفة المدمرة التي تنغص على المدخنين وعلى المخالطين لهم حياتهم فعندما قدمت إلى الدوحة قبل عدة سنوات كانت سعادتي وفرحتى غامرة لأنني لم أشاهد أحدا يدخن في ذلك الوقت إلا نادرا أما اليوم فهناك مناظر مؤذية وملوثة للبيئة عند مداخل المجمعات التجارية الكبرى وأمام المحلات الصغيرة في الأسواق والأسوأ من ذلك التدخين عند مداخل المستشفيات والمراكز الصحية وتدخين البعض بالقرب من الألعاب المخصصة للأطفال في الحدائق العامة وقيام البعض بإلقاء أعقاب السجائر من نوافذ السيارات أثناء السير وزيادة أعداد المدخنات وهي أمور تجعلني أتحسر على الماضي الجميل وأتساءل عن سبب تدهور الوعي الصحي والبيئي وعن مصير قانون منع التدخين في الأماكن العامة والذي صدر قبل عقد من الزمان وأحلم بأن نحتفل مع منظمة الصحة العالمية في 31 من مايو القادم بتحقيق نجاحات في الحد من حالات الانتحار البطيء والحد من معدلات التدخين في العالم!