رمضان شهر الخيرات والبركات، وهو شهر البطولات والانتصارات في التاريخ الإسلامي، ولكن ضعف الأمة حوله إلى شهر الملذات والشهوات وإضاعة الأوقات، وتضييع الواجبات بحجة الصيام!
رمضان وكفر النعمة
رمضان هذا العام مختلف عما سبقه، لأنه يأتي في وقت يتعرض له إخواننا في غزة لعدوان همجي من قبل الكيان الصهيوني الغاصب، الذي قتل وجرح وشرد مئات الآلاف في غزة، ويمارس ضدهم إبادة جماعية مستخدمًا التجويع سلاحًا لقتلهم، وجراح الأمة تنزف ليس في فلسطين وحدها وإنما في السودان وفي سوريا وفي أماكن أخرى من العالم.
وفي مقابل الترف والبذخ والإسراف في شهر رمضان عند كثير من المسلمين، هناك الصيام القسري لأكثر من مليون إنسان في غزة يتعرضون منذ أكثر من خمسة شهور للتجويع والقتل والتشريد، وهؤلاء يصومون صومًا إجباريًا لأنهم لا يجدون شيئًا يأكلونه، ومشاهد الجوع في غزة ونحن في القرن الحادي والعشرين تعجز الكلمات عن وصفها.
وفي رمضان هناك من المسلمين من يموت جوعًا وهناك من يموت تخمة، وهو أمر يتنافى مع الأخوة في الإسلام، ففي الحديث عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”ليس المؤمنُ الَّذي يشبَعُ وجارُه جائعٌ”. أخرجه البخاري في (الأدب المفرد): 112.
وفي الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم كمثلِ الجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالحمى والسهرِ”. أخرجه البخاري: (6011)، ومسلم (2586).
العطاء ليس دليل محبة
هناك أمر يغيب عن الكثير من الناس، وهو أن المنح ليس دليل محبة وإكرام، والمنع ليس دليل كراهية وإذلال، يقول الله عز وجل:{فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} سورة الفجر: 15-20.
وما تحث عليه الآيات هو الإحسان إلى اليتيم، وإطعام المساكين، والتحذير من أكل ميراث اليتامى، ومن حب المال والحرص على جمعه من حلاله وحرامه.
والرسالة التي نريد أن نوصلها للأغنياء والمترفين هي أن النعمة التي لديك ليست استحقاقًا لك، وإنما هي ابتلاء واختبار من الله عز وجل لك، وللأسف يفشل الكثيرون في اجتياز هذا الاختبار.
النعم بين الشكر والكفران
وعد الله عز وجل الشاكرين له بالزيادة، يقول الله عز وجل:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} سورة إبراهيم: 7.
والنعمة قد تكون مصدر شقاء في الدنيا وسببًا للعذاب في الآخرة، يقول الله عز وجل:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} سورة النحل: 112.
وضرب الله عز وجل لنا مثلًا على كفران النعم بقوم سبأ، يقول الله عز وجل:{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} سورة سبأ: 15-17.
واجبات النعمة
الله عز وجل يُنعم على من يشاء من عبده، ولكن هذا الإنعام ليس استحقاقًا للمنعَم عليهم، بل هو منة وتفضل من الله عز وجل، وفيه كذلك اختبار للعبد، يقول الله عز وجل على لسان سلمان عليه السلام:{قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} سورة النمل: 40.
وأول واجب من واجبات النعمة هو استشعار العبد لفضل المنعم جل وعلا، وإقرار القلب والجوارح بذلك، والأمر الثاني هو شكر المنعم عز وجل بالقول والفعل، يقول الله عز وجل:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} سورة سبأ: 13.
ومن شكر النعمة أداء الواجبات المتعلقة بها، فإن كانت مالًا كان الواجب هو إخراج الزكاة والصدقة، وبذل المال في سبيل الله عز وجل شكرًا للمنعم وقيامًا بالواجب، واحتسابًا للأجر والثواب من الله عز وجل، وطمعًا في المزيد، وهي أمور تنطبق على جميع النعم.
المصدر: عربي بوست.