ما حدث في يوم السابع من أكتوبر كان نصرًا للمقاومة وللفلسطينيين وللعرب والمسلمين، ورأى فيه الكثير من المفكرين والمحللين والكتاب بداية النهاية لزوال الكيان الصهيوني المحتل عن أرض فلسطين، وليس أدل على ذلك من تصريحات القادة في إسرائيل والتي تعكس عمق الأزمة التي يمر بها الكيان الغاصب، والتي جعلت وجوده وإمكانية بقائه على المحك وموضع تساؤل.
هل أخطأت المقاومة الفلسطينية؟!
على الرغم من النجاحات التي حققتها عملية طوفان الأقصى وكانت بمثابة زلزال سياسي واقتصادي واجتماعي للكيان الصهيوني، وشكلت صدمة لداعميه من العرب والغرب، وجدنا من المرجفين والمنافقين من يحملون المقاومة المسؤولية عن الأحداث التي تجري في غزة منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن، ولهؤلاء نقول إن الأحداث في فلسطين لم تبدأ يوم السابع من أكتوبر الماضي، وإنما بدأت قبل نحو قرن من الزمان عندما هاجمت قطعان من الصهاينة المدعومين من الغرب، البلدات والمدن الفلسطينية، ومارست القتل والتهجير والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف الاعتداءات الصهيونية على الفلسطينيين حتى اليوم.
والمصاب الجلل لإخواننا في فلسطين وفي قطاع غزة على وجه التحديد، حيث ارتقى حوالي 40 ألف فلسطيني شهداء، وأصيب نحو 100 ألف شخص، ويعاني مئات الآلاف في القطاع من ويلات الحرب ومن الجوع والمرض والتهجير، والدمار الشامل الذي لحق بالقطاع، وذلك كله يمكن أن نفهمه من خلال هذه الآية الكريمة، يقول الله عز وجل:{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} سورة النساء: 104.
صحيح أن إخواننا في غزة يألمون ويعانون، ولكن معاناة الكيان الصهيوني أشد وأنكى، فالعدو الصهيوني لديه خسائر بشرية في صفوف جنوده لم يعهدها في حروبه السابقة مع الجيوش العربية.
والقناة “7” العبرية قالت إن عدد المعاقين في الجيش الإسرائيلي تجاوز 70 ألفا لأول مرة بينهم 8663 أصيبوا بعد بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023.
وأشارت إلى أن “35 بالمئة من المصابين بعد 7 أكتوبر يعالجون من أمراض عقلية مقابل 21 بالمئة منهم إصاباتهم جسدية”.
والعدو الصهيوني لديه خسائر جسيمة في المعدات العسكرية وبخاصة المتطورة منها، والنتيجة هي أنه خسر سمعته في التفوق العسكري وفي القدرة على الردع.
والعدو الصهيوني لديه خسائر اقتصادية تقدر بالمليارات، وقد خسر التعاطف العالمي مع اليهود وبخاصة في الغرب، والدليل على ذلك المظاهرات الحاشدة المؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة وفي العديد من الدول الغربية.
والجبهة الداخلية في إسرائيل أصبحت مهللة وتعاني من انقسامات حادة، وهناك خلافات ظهرت للعلن، واتهامات متبادلة بين القادة السياسيين والقادة العسكريين بشأن ما حدث في السابع من أكتوبر، وبشأن الحرب المستمرة في القطاع منذ أكثر من 8 شهور، والتي لم تحقق أيًا من أهدافها المعلنة، وأعلن الوزيران في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس وغادي آيزنكوت، انسحابهما من حكومة الطوارئ برئاسة بنيامين نتنياهو، ودعوا إلى إجراء انتخابات مبكرة “في أسرع وقت ممكن”.
وفي وصف حال اليهود يقول الله عز وجل:{لَا يُقَٰتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} سورة الحشر: 14.
والأهم من جميع ما سبق هو أن وجود واستمرار الكيان الصهيوني بات محل تساؤل في الداخل والخارج، ولولا الدعم العربي والدعم الغربي المتواصل وغير المحدود للكيان الصهيوني بعد السابع من أكتوبر وحتى اليوم لانهار ذلك الكيان من الداخل، يقول الله عز وجل:{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبْلٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍۢ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلْأَنۢبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّۢ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} سورة آل عمران: 112.
تصريحات المسؤولين الإسرائيليين
لكي نعرف حجم وآثار طوفان الأقصى على الكيان الصهيوني، لا بد أن نرجع لتصريحات قادته ونفحص محتواها، فهي التي تعكس وبصدق ما جرى ويجري في غزة على الداخل الإسرائيلي، والشاعر يقول:
وشمائلٌ شهِد العدو بفضلها والفضل ما شهدت به الأعداء
فعقب الأخبار والأحداث الأولية لطوفان الأقصى، خرجَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقطع فيديو مصوَّر أعلنَ فيه وبصريح العبارة قائلًا:«نحنُ في حالة حرب». ولاحقًا علق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على فيديو الأسيرات الذي نشرته القسام معتبرًا أنه “دعاية نفسية قاسية”، وفي ذلك تأكيد على نجاح وتفوق المقاومة في الحرب النفسية والإعلامية التي قادها أبو عبيدة ورفاقه. وأردف نتنياهو:”نحن نبذل قصارى جهدنا لإعادة جميع المخطوفين والمفقودين إلى ديارهم”، وهو أمر لم يتحقق حتى تاريخ كتابة هذا المقال.
وقال نتنياهو في بيان له:”نحن في حرب صعبة.. ستكون حرباً طويلة.. حققنا فيها إنجازات مهمة، لكننا خسرنا أيضا خسائر مؤلمة”، وفي ذلك التصريح اعتراف بحجم الخسائر التي تكبدها ويتكبدها الاحتلال في غزة.
وعدَّ الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، تلك الأخبار “صعبة على التحمل بإضافة أسماء مزيد من جنودنا إلى لائحة القتلى”، ولا تزال قائمة أعداد القتلى والجرحى من جنود الاحتلال في ازدياد.
ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، مقتل جنود وضباط إسرائيليين، بأنه “صباح صعب ومؤلم، وقلوبنا مع عائلات الضحايا في أصعب أوقاتها”.
وقال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموترتيش، إن ما حصل “أخبار مفجعة، ونتعهد بأن لا يذهب سقوط أبنائنا في غزة سدى”، والرغم من ذلك يقتل المزيد من جنود الاحتلال في غزة. أما وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، فقال معلقاً:”صباح صعب للغاية ومقتل 21 عسكرياً في قطاع غزة ثمن باهظ جداً”.
وقال زعيم حزب العمل الإسرائيلي يائير غولان إن إسرائيل تمر بأزمة أمنية غير مسبوقة، مؤكدًا أن على إسرائيل إلزام الجميع بتحمل عبء الخدمة العسكرية والأمنية. وقال غولان:”إن من يفضل تركيبة سياسية بائسة يقوض وجود الدولة والتضامن الاجتماعي”.
وقال اللواء الاحتياط -المتقاعد- في الجيش الإسرائيلي إسحاق بريك إن أي قرار من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمهاجمة حزب الله سيجلب محرقة على إسرائيل. وأضاف بريك أن الحرب في غزة فقدت غايتها، وهي مستمرة فقط من أجل مصلحة نتنياهو، مشيرا إلى أن الجيش تقلص قدرته في 20 عاما حتى بات لا يمكنه الانتصار على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)”.
ولاحقًا قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل دفعت ثمنا يفطر القلب فيما وصفها بـ”حربها العادلة للدفاع عن الوطن” حسب قوله، متعهدا بمواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها. وجاءت تصريحات نتنياهو بعد إعلان الجيش الإسرائيلي، في بيان مقتضب، مقتل 8 عسكريين في رفح جنوبي قطاع غزة”.
ومن جهته اعتبر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير أن اليوم كان يوما صعبا ومؤلما في إسرائيل “بعد سماعنا الخبر المأساوي والمحزن بمقتل 8 من مقاتلينا في رفح”. وأكد أنه يجب على إسرائيل الاستمرار في القتال حتى القضاء على حماس وإعادة جميع المختطفين حسب تعبيره”.
وبدوره قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إن الإسرائيليين يعانون من “ألم رهيب بعد سقوط أبنائنا الأبطال الذين سقطوا ليعيش أبناؤنا في أمان”.
وأضاف سموتريتش أن “الثمن الباهظ للحرب يلزمنا بإتمامها حتى القضاء التام على العدو”. وهو أمر صرح المتحدث العسكري باسم جيش الاحتلال بأنه غير ممكن لأن حماس فكرة، وأنه ذر للرماد في عيون الإسرائيليين.
وقال دانيال هاغاري المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي:”إن حادث اليوم في غزة لم يستهدف ناقلة جند بل مركبة مدرعة من طراز “نمر”، وإنه يذكر “بالثمن الكبير الذي ندفعه في هذه الحرب”.
وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيال هاغاري إن الحديث عن تدمير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ذر للرماد، وطالما لم تجد الحكومة بديلا لحماس فالحركة ستبقى، وأضاف هاغاري -في مقابلة مع القناة الـ13 الإسرائيلية- أن “الاعتقاد أن بالإمكان تدمير حركة حماس وإخفاءها هو ذر للرماد في عيون الإسرائيليين”. ولفت إلى أن حماس فكرة وحزب، وأنها مغروسة في قلوب الناس، ومن يعتقد أن بإمكاننا إخفاءها فهو مخطئ، وأكمل قائلا “هي فكرة لا يمكن القضاء عليها، فالإخوان المسلمون موجودون في المنطقة”. ومضى موضحا “نحن ندفع ثمنا باهظا في الحرب، لكننا لا يمكن أن نبقى صامتين ونقوم بكل ما نستطيع به”.
وصرح نتنياهو مؤخرا خلال مؤتمر صحفي عقب مشاركته في تأبين قتلى من الجيش الإسرائيلي سقطوا في المعارك البرية بقطاع غزة:”يجب ألا تكون هناك حرب أهلية بين الأشقاء، الانقسام ضعف، والوحدة شرط للنصر”.
وتابع قائلا:”نقاتل على عدة جبهات في الجنوب (قطاع غزة) حتى يتم القضاء على حماس وإعادة جميع المحتجزين فيها”.
ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت، لخص إنجازات طوفان الأقصى، ومن أهمها أن أكثر من نصف مليون إسرائيلي غادروا ولم يعودوا خلال أول 6 أشهر من الحرب وفقا لموقع “زمان إسرائيل” الإخباري العبري، فقد دعا بينيت مواطنيه إلى عدم مغادرة إسرائيل، وتابع:”نمر بأصعب فترة منذ حرب الاستقلال (نكبة 1948)؛ مقاطعة دولية، تضرر الردع، 120 إسرائيليًا في الأسر، آلاف العائلات الثكلى، الجليل (شمال إسرائيل) مهجور، آلاف المهجرين، وزراء لا يهتمون إلا بأنفسهم، فقدان السيطرة على الاقتصاد والعجز”.
ومن خلال هذه التصريحات وغيرها الكثير ندرك أن الكيان الصهيوني وداعميه باتوا في مأزق حقيقي نتيجة عملية طوفان الأقصى وتداعياتها المستمرة حتى اليوم، ودخلوا في نفق مظلم لا يستطيعون الخروج منه، ولو استغل العرب والمسلمون هذه الفرصة التاريخية، لعادت للفلسطينيين حقوقهم المسلوبة منذ نحو عقد من الزمان، ولعاد الأقصى لأحضان المسلمين، ولتغيرت الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
المصدر: عربي بوست