طوفان الأقصى حدث فارق في تاريخ الصراع العربي مع الكيان الصهيوني بشهادة الجميع، فما بعد الطوفان ليس كما قبله كما يقولون، فأحداثه ووقائعه سجلت صفحات من العز والفخر لأبناء فلسطين مقاومة وشعبًا، وصفحات من الذلة والصغار للكيان الصهيوني وداعميه، وكتبت فصلًا جديدًا من فصول العجز العربي والإسلامي المستمر منذ عقود.
مظاهر العزة
في السابع من أكتوبر الماضي استطاعت قلة قليلة من المجاهدين وفي بضع ساعات أن تذل جيش الكيان الصهيوني الذي زعموا كذبًا وزورًا أنه لا يقهر، فأوسعت جنوده قتلًا وجرحًا وأسرًا، وغنموا سلاحًا ووثائق ومعلومات مهمة، وعادوا إلى مواقعهم، وتركوا قادة الاحتلال وهم يتخبطون حتى اليوم في قراراتهم، وبفضل طوفان الأقصى المبارك توشك أن تنهار حكومتهم اليمينية المتطرفة ومجلس حربهم المجرم.
وعلى مدى أكثر من 150 يومًا من العدوان الغاشم على قطاع عزة، قتلًا وتشريدًا وتجويعًا وإبادة جماعية للأبرياء إلا أن المقاومة الفلسطينية لا تزال صامدة وتكبد جيش الكيان الصهيوني خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وتكبده خسائر اقتصادية فادحة سيحتاج الكيان الصهيوني إلى سنوات لمعالجتها، وأحدث شرخًا كبيرًا في دولة ذلك الكيان المتشرذم على مستوى المجتمع، وعلى مستوى الحكومة المتطرفة، التي ظهرت خلافاتها للعلن.
وبين فينة وأخرى يُطل علينا أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام، والذي بات رمزًا من رموز العزة، ليزف البشريات للأمة بالثبات والنصر، ويُذل أعداءها والمتعاونين معهم بخطاباته الحماسية، فخير الكلام ما قل وذل!
وما فتئ أبو عبيدة يُحيي المقاومين المجاهدين، ويحث شعبه على الصمود والمقاومة، ورغم الخطب الجلل في غزة لم يطلب من هذه الأمة العاجزة عن الفعل إلا الدعاء!
مظاهر العجز
في مقابل الصفحات المشرقة والناصعة البياض التي يُسطرها المجاهدون في غزة والضفة بدمائهم، ويُسطرها الشعب الفلسطيني بتضحياته، نجد مظاهر العجز العربي وقد تجلت في أقبح صورها، وهذه المظاهر تبدأ من العجز عن نصرتهم بالجهاد معهم ضد عدوهم وعدو الإسلام والمسلمين، والعجز عن نصرتهم بالمال الذي يشترون به السلاح والطعام، ومنع التحويلات المالية عنهم، والعجز عن نصرتهم سياسيًا بموقف حازم رافض للعدوان على غزة والضفة والمسجد الأقصى، والعجز حتى عن إيصال المساعدات الإنسانية إليهم وتركهم يموتون جوعًا ومرضًا.
وهناك العجز الإسلامي الباد للعيان، فقد عجز أكثر من ملياري مسلم يمثلون ربع سكان العالم عن نصرة إخوانهم في فلسطين، وعن نصرة المسجد الأقصى وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي الأمين.
وهناك العجز الدولي إن لم نقل التواطؤ على إبادة الفلسطينيين، فالمنظمات الدولية لم تستطع حتى الآن إصدار قرار يطالب بوقف الحرب في غزة، ويمنع إسرائيل من مواصلة ارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين، ويحاسبها على تلك الجرائم المستمرة في اقترافها منذ قرن من الزمان.
استعادة العزة
الضعف العام والعجز الشامل للعرب والمسلمين لا يمكن إغفاله، وتكالب الأمم على المسلمين أمر أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، فعن ثوبان مولى رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”يُوشِكُ أنْ تَداعى عليكم الأُمَمُ مِن كلِّ أُفُقٍ، كما تَداعى الأَكَلةُ على قَصعَتِها، قال: قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، أمِن قِلَّةٍ بنا يَومَئذٍ؟ قال: أنتم يَومَئذٍ كَثيرٌ، ولكنْ تَكونونَ غُثاءً كغُثاءِ السَّيلِ، تُنتزَعُ المَهابةُ مِن قُلوبِ عَدوِّكم، ويُجعَلُ في قُلوبِكم الوَهْنُ، قال: قُلْنا: وما الوَهْنُ؟ قال: حُبُّ الحَياةِ وكَراهيةُ المَوتِ”. أخرجه أبو داود (4297)، وأحمد (22397) واللفظ له.
ونهاية الحديث تخبرنا عن العلة وعن الدواء في نفس الوقت، فكلنا –إلا من رحم الله- بتنا نحب الحياة ونكره الموت، بل هناك قطاع عريض من العرب والمسلمين صار يرضى بالدون والدنية في كل شيء، ولا مخرج لنا من حالة الضعف والعجز إلا بإخراج الدنيا والتعلق بها من قلوبنا، والعمل من أجل الآخرة والاستعداد للموت بالعمل الصالح في هذه الحياة، وقد نُسب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه قوله لخالد بن الوليد رضي الله عنه:”احرص على الموت توهب لك الحياة”.
والعجز الذي يشعر به الكثير من أبناء الأمة يجب أن يكون دافعًا للفعل والعمل من أجل التغيير، وليس دافعًا للسلبية والقعود عن الفعل ومحاولة التغيير، يقول الله عز وجل:{ِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} سورة الرعد: 11.
والمطلوب منا تجاه إخواننا في فلسطين وتجاه أنفسنا هو الجهاد بكل أشكاله وصوره، الجهاد بالمال والإنفاق في سبيل الله، والجهاد بالنفس بتزكيتها وحملها على الحق وأداء الواجبات، والجهاد بالإعلام وفضح الصهاينة وأعوانهم، والجهاد بمقاطعة منتجات الكيان الصهيوني وداعميه، والجهاد بتربية أولادنا على الحق والخير، والجهاد بإعداد الأجيال القادمة وتسليحها بالعلم والمعرفة للدفاع عن قضايا أمتها، ونصرة المستضعفين في العالم.
المصدر: عربي بوست.