عام المحن والابتلاءات
محمد خاطر
الأحداث التي عاشها البشر وعانوا منها عام 2020 المنصرم جعلته مستحقا لأن نطلق عليه عام الابتلاءات، فقد شهد الكثير من الابتلاءات العامة والخاصة، ولله في ذلك آيات وحكم عظيمة للناس جميعا وللمسلمين خاصة، ومطلوب منا كمسلمين أن نراجع أنفسنا، وأن نراجع علاقتنا مع خالقنا عز وجل، وأن نتضرع له حتى يكشف الغمة ويفرج عنا الكربات.
الدنيا دار ابتلاء
شهد الناس منذ بداية 2020 أنواعا مختلفة من الابتلاءات، منها ما هو عام كجائحة كورونا، التي أرعبت العالم، وخلفت نحو 1.8 مليون وفاة، وأكثر من 80 مليون إصابة، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأسرية، ومنها ما هو خاص كالابتلاء في النفس أو في الأولاد أو في الأقارب أو في العمل أو المال.
وهذه الابتلاءات تأتي والبشرية سالكة لدروب الغواية والانحراف، سادرة في التيه والغي والضلال، مع حرب ضروس على الفطرة السوية، وانتشار للشذوذ والدفاع عنه، وانتشار للإلحاد بين الشباب، ودعوات لاعتناق دين “الإنسانية” توشك أن تورد البشرية موارد التهلكة، يقول الله عز وجل (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص: 50].
وهذه الابتلاءات تأتي وقد وصلت البشرية لمرحلة اتخذت فيها العلم إلها يعبد من دون الله عز وجل، وظنت أن ما وصلت إليه من علوم ومعارف قادر على حمايتها من بأس الله، يقول الله عز وجل (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس: 24].
والحكمة من الآيات والابتلاءات هي تخويف المخالفين والعصاة، وتذكير لهم بأن الله عز وجل قادر على إهلالكهم وأخذهم بذنوبهم، يقول الله عز وجل (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59].
والحكمة من الابتلاءات هي إخراج الناس من الغفلة التي يعيشون فيها، وقد دلهم الله عز وجل على طريق النجاة، وهو التضرع إليه سبحانه وتعالى والاستعانة به لكشف الضر الذي نزل بهم، يقول الله عز وجل (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 43].
ومن رحمة الله عز وجل أنه يبتلي العباد ببعض ذنوبهم، لكي يتوبوا ويرجعوا إليه، يقول الله عز وجل (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].
والابتلاءات فيها تطهير للذنوب والخطايا، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِهِ وولدِهِ ومالِهِ حتَّى يَلقى اللَّهَ وما عليْهِ خطيئةٌ”. صحيح الترمذي: 2399.
هل من عودة للفطرة واستقامة على الدين؟
الابتلاءات العامة والخاصة التي عاشها البشر منذ مطلع العام المنصرم مدعاة للتأمل والمراجعة ومحاسبة النفس والوقوف معها وقفة صادقة، يتبين للإنسان من خلالها مدى قربه أو بعده عن الله عز وجل، ويُقيم من خلالها دوره في المجتمع الذي يعيش فيه وهل هو من المصلحين، أم من الغافلين المعرضين، أم ممن يعيشون عالة على المجتمع، أم هو شر من الدواب والأنعام؟.
والابتلاءات التي يتعرض لها المسلم فرصة ذهبية لمراجعة النفس ومحاسبتها، وفرصة سانحة للتدرب على الصبر وكسب الحسنات من ورائها.
وأول ما يفعله المسلم عند الابتلاء هو الرضا والتسليم بقضاء الله عز وجل وقدره، طمعا فيما عنده من الثواب، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ”. صحيح الترمذي: 2396.
والمسلم يعلم يقينا أن ما أصابه من خير أو شر هو من قدر الله عز وجل، ولذلك تجده شاكرا عند الرخاء والنعماء، وصابرا عند البأساء والضراء، فعن صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له”. صحيح مسلم: 2999.
والله عز وجل بشر الصابرين على المصائب بـ3 بشارات، وهي الثناء الحسن، والرحمة الواسعة، والهداية للحق والصواب، يقول الله عز وجل (أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 157].
وفي زمن الابتلاءات يعرف الناس قيمة العافية ويسألون الله عز وجل أن يهبهم إياها، فعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال “قلتُ يا رسولَ اللَّهِ علِّمني شيئًا أسألُهُ اللَّهَ قال سلِ اللَّهَ العافِيةَ، فمَكثتُ أيَّامًا ثمَّ جئتُ فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ علِّمني شيئًا أسألُهُ اللَّهَ، فقالَ لي: يا عبَّاسُ يا عمَّ رسولِ اللَّهِ سلِ اللَّهَ العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ”. صحيح الترمذي: 3514.
والمسلم في زمن الابتلاءات يظهر ضعفه وفقره إلى الله عز وجل، ويلح عليه بالدعاء حتى ينكشف البلاء، ويزداد طمعه في رحمة الله عز وجل، يقول الله عز وجل (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 56].
والمسلم يتفاءل بالخير دائمًا، يقول الله عز وجل (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح: 5-6]. وورد في الأثر “لن يغلب عسر يسرين”.
* المصدر: مدونات الجزيرة