يقولون في الأمثال “رب ضارة نافعة”، فتطاول قزم كاره للإسلام والمسلمين على فضيلة الشيخ العلامة محمد متولي الشعراوي -رحمه الله- ذكر الناس بذلكم العلم الشامخ والسامق في مجال تفسير القرآن الكريم، وجعل أول مقال لنا في السنة الجديدة حول سيرته وتفسيره رحمه الله رحمه واسعة ورفع درجته في عليين.
سيرة العلامة الشعراوي
ولد العلامة الشعراوي يوم 15 أبريل 1911م في قرية دقادوس بمحافظة الدقهلية، وحفظ القرآن الكريم وهو في سن الحادية عشرة.
وحصل على الشهادة الابتدائية من معهد الزقازيق الابتدائي الأزهري 1922، ودخل المعهد الثانوي، وتخرج في كلية اللغة العربية عام 1940، ونال “شهادة العالمية” (الدكتوراه) مع إجازة التدريس في عام 1943.
وتركزت كتابات الشيخ الشعراوي -رحمه الله- حول القرآن الكريم، وقضايا العقيدة والفكر الإسلامي، ومنها:”المنتخب في تفسير القرآن الكريم”، و”الفتاوى”، و”نظرات في القرآن الكريم”، و”الطريق إلى الله”، و”على مائدة الفكر الإسلامي”، و”الإسلام والفكر المعاصر”، و”الشورى والتشريع في الإسلام”.
وحصل الشيخ الشعراوي على عدة جوائز، منها: وسام الاستحقاق 1976، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1983، ووسام الجمهورية وجائزة الدولة التقديرية 1988.
مكانة الشيخ الشعراوي
يقول الشيخ علي القرة داغي عن الشيخ الشعراوي رحمه الله وهو ممن عرفوه عن قرب:”وجدته عالما ربانيًّا بحرًا -خاصة في اللغة والتفسير- ومتواضعًا حليمًا حكيمًا صادقًا متجردًا راسخًا في العلم، منصفًا للأشخاص والجماعات“.
وقال عنه الدكتور محمد عمارة رحمه الله:”إن الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله كان واحدًا من أعظم الدعاة إلى الإسلام في العصر الذي نعيش فيه. والملكة غير العادية التي جعلته يطلع جمهوره على أسرار جديدة وكثيرة في القرآن الكريم.
وكان ثمرة لثقافته البلاغية التي جعلته يدرك من أسرار الإعجاز البياني للقرآن الكريم ما لم يدركه الكثيرون وكان له حضور في أسلوب الدعوة يشرك معه جمهوره ويوقظ فيه ملكات التلقي. ولقد وصف هو هذا العطاء عندما قال: “إنه فضل جود لا بذل جهد”. رحمه الله وعوض أمتنا فيه خيرًا”.
وقال عنه شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي:”إن الشيخ الشعراوي قد قدم لدينه ولأمته الإسلامية وللإنسانية كلها أعمالا طيبة تجعله قدوة لغيره في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة”.
ونعاه الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف قائلا:”فقدت الأمة الإسلامية علما من أعلامها كان له أثر كبير في نشر الوعي الإسلامي الصحيح، وبصمات واضحة في تفسير القرآن الكريم بأسلوب فريد جذب إليه الناس من مختلف المستويات الثقافية“.
وقال عنه د.”أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر:”إن الشعراوي أحد أبرز علماء الأمة الذين جدد الله تعالى دينه على يديهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:”إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها“.
ونعاه الشيخ القرضاوي رحمه الله قائلا:”توفي أستاذنا وشيخنا (رجل القرآن) وأحد المفسرين الكبار، الإمام الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي، العالم الرباني، والذواقة الإيماني، وأحد المربين الأفذاذ، الذين نوروا العقول والقلوب برحيق الإيمان، وعِلْم الإسلام، وأحد أعمدة الدعوة، وأحد الرجال الذين حملوا لواء الهداية لهذه الأمة في العصر الحديث“.
التطاول على الكبار
اعتدنا من القزم المتطاول على شيخنا الشعراوي التهجم على ثوابت الإسلام والتشكيك في شرائعه، والطعن في رموزه، وذلك دليل دامغ على أن الرجل بوق من أبواق السلطة، وحربة مسمومة من حراب أعداء الإسلام الذين يحاربونه ويحاولون هدمه من الداخل تحت شعارات براقة وخادعة كالتنوير والتجديد.
والوسيلة التي يستخدمها ذلك القزم الوضيع وسيلة معتمدة في هدم الدين وهدم القيم والثوابت وذلك عن طريق هدم القدوات، فعندما تشوه القدوات وتسقط من عيون الناس تسقط معها مرجعيتها وهويتها والدين الذي تمثله وتنتمي إليه، وهو في هذه الحالة الإسلام.
حول خواطر الشيخ الشعراوي
ونحن صغار كنا نحرص على مشاهدة برنامج خواطر الشيخ الشعراوي -رحمه الله-
الذي يبث على القناة الأولى للتليفزيون المصري عقب صلاة الجمعة مباشرة مع الوالد -رحمه الله- ومع العائلة، وخواطر الشيخ الشعراوي ولفتاته الإيمانية في تدبره لكلمات القرآن ومعانيها وللآيات كانت تأسر القلوب والأسماع، وتحرك الملكات العقلية لكي تستوعب فهمًا جديدًا كانت غائبة عنها أثناء الاستماع أو القراءة العابرة لآيات القرآن الكريم.
وفي الإجابة على سؤال: ما رأي أهل الاختصاص في تفسير الشيخ محمد متولي الشعراوي المطبوع من حيث المزايا والعيوب؟ تقول الأستاذة روضة على موقع ملتقى أهل التفسير:”من أبرز حسنات هذا التفسير اهتمامه بكثير من القضايا اللغوية، كبيان معاني المفردات بإعادة الكلمات إلى أصولها اللغوية، والتنبيه على المعنى المشترك الذي يظهر في الكلمات ذات الأحرف المتشابهة، وشرحه لبعض القواعد النحوية، كما أنه يشير إلى لطائف بلاغية في ثنايا تفسيره.
ويُمدح الشيخ باهتمامه بالمناسبات بين الآيات، ويؤخذ عليه إغفاله هذا الأمر بالنسبة للسور، وإغفاله الحديث عن الوحدة الموضوعية الذي تميزت به التفاسير المعاصرة. ويُسجَّل للشيخ ردّه القول بالزيادة في القرآن الكريم، والتصدي لمن يتبنى هذا الرأي. ولم يكن ينقل عن المفسرين إلا قليلاً، ولم يهتم باختلافاتهم إلا نادراً.
ومن مصادره التي ينقل عنها أحياناً: الكشاف، الظلال، كلمات القرآن – لمخلوف، فلم يكن تفسيره تكراراً للتفاسير السابقة، وإنما كان له طابع شخصي وأسلوب خاص. وكان الشيخ حريصاً على إظهار حكمة الله في كل ما يأمر وينهى، فهو يلفت الانتباه دائماً إلى أن لله تعالى حكمة في كل ما يصدر عنه، قد نفهمها وقد نغفل عنها.
وكان معتدلاً في تفسير الآيات تفسيراً علمياً، وحملها على الحقائق العلمية، فقد اتبع في ذلك منهجاً وسطاً، وكان كثيراً ما يشير إلى قدرة الله وعظمته من خلال الاكتشافات العلمية والآيات الكونية.
وظهرت عنايته بوضوح بتفسير القرآن بالقرآن، وربطه بين الآيات، ليس فقط لاشتراكها في لفظة، وإنما لاشتراكها في أمور قد تخفى على غير المتأمِّل.
ولكنه لم يلتفت إلى تفسير القرآن بالحديث الشريف، وإذا ذكر حديثاً ـ وهو قليل ـ لم يعتن بها من حيث بيان درجتها من الصحة وتخريجها، وكذلك فعل بالنسبة لأسباب النزول، ولعل هذا لأنه جعل كتابه هذا خواطر لا تفسيراً.
وبرزت نزعة الشيخ الإصلاحية، فقد اهتم بمشكلات العصر الاجتماعية والفكرية والاقتصادية، وأظنه أغفل مشكلاته السياسية. ووقع في الإسرائيليات وفي ذكر ما لا فائدة منه في تفسيره للقصص القرآني، على الرغم من تنبيهه على هذا الأمر وتحذيره منه. ولم يلتزم بمذهب فقهي معين، ولم يتعصب لأيٍّ، وكان اهتمامه بجانب الفقه بالقدر الذي يوضّح مفهوم الآية التي يتناولها. وردّ على اليهودية والنصرانية وعلى شبهات المستشرقين بما يقيم الحجة عليهم. ولم يعتنِ ببيان القراءات إلا قليلاً”.
وإن كانت خواطر الشيخ الشعراوي -رحمه الله- نقلًا عن تفاسير من سبقوه، فقد هضم هذه التفاسير ووعاها وقدمها في قالب سهل مبسط يسير يفهمه عامة الناس.
وإن كانت جل هذه الخواطر من عنده، فهي فيوضات إلهية وفتوحات ربانية حازها شيخنا الجليل بإخلاصه وتقواه وورعه، يقول الله عز وجل:{وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} سورة البقرة: 282.
والدليل على ذلك هو القبول الواسع عند عامة المسلمين وخاصتهم والذي حظي به الشيخ الشعراوي -رحمه الله- وحظيت به خواطره في حياته وبعد مماته.
وأنت تستمع لتفسير الشعراوي رحمه الله تشعر بقرب لغة القرآن من قلبك وعقلك وسهولة فهمها على الرغم من وجود كلمات لا يعرف الكثير من المسلمين معانيها أو المراد منها في سياق الآيات.
وأكثر شيء تميز به تفسير الشعراوي رحمه الله هو أنه تفسير مبسط يلامس حياة الناس ويتفاعل مع واقعهم، والقرآن الكريم ما نزل إلا لذلك، فالقرآن نزل ليطبق في حياة الناس لكي يقومها ويصلحها، ولكي يحقق للبشرية السعادة في الدنيا والآخرة.
والسيدة عائشة أم المؤمنين عندما سئلت عن خُلُق رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالت:”كان خُلُقُه القرآنُ”. صحيح الأدب المفرد: 308.
الدفاع عن أعلام الإسلام
الهجوم على رموز الإسلام ليس مقصودًا بحد ذاته، فكما أسلفنا فإن الهدف من ذلك هو التشكيك في الإسلام كمرجعية لتلك الرموز، وغياب الرموز والقدوات الصالحة يفتح الباب واسعًا أمام القدوات المنحرفة والزائفة، ويبعد الناس وبخاصة الشباب عن المجالات التي برز فيها هؤلاء.
وما نحتاجه اليوم هو الدفاع عن القادة الأفذاذ والعلماء الربانيين الذين تركوا بصمات خالدة في الجهاد في سبيل الله والدعوة إلى الله عز وجل وخدمة كتابه وسنة رسوله، وأن يعرف الأطفال والشباب قيمة ومكانة هؤلاء العلماء وأن يتخذوهم قدوة حتى تنهض أمتنا من جديد ونعود لقيادة البشرية.