أداء الشعب التركي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية بجولتيها والتي جرت مؤخرًا، وحاز فيها تحالف الشعب على الأغلبية في البرلمان وفاز فيها أردوغان بالرئاسة، يثبت من جديد وعي وصلابة وعزم وإرادة الشعب التركي، وذلك بعد مواجهة وإفشال المحاولة الانقلابية في 15 يوليو 2016.
وعي الأتراك
المشاركة السياسية الفاعلة، ووعي المواطنين الأتراك بحقوقهم، وإيمانهم بقدرتهم على التغيير، كلها أمور ظهرت جلية في الانتخابات الأخيرة، فقد بلغت نسبة التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات 88% في الداخل و52% في الخارج، وفي جولة الإعادة على الانتخابات الرئاسية بلغت نسبة التصويت حوالي 85% في الداخل و91% في الخارج.
ونسبة 52% من الأصوات التي حصل عليها أردوغان في الانتخابات الرئاسية تُعد هزيمة للغرب المتربص بتركيا، وهذه النتيجة ألقمت الإعلام الغربي الذي اتهمه بالاستبداد والديكتاتورية حجرًا، وداخليًا تعد هزيمة للنعرة القومية وللعنصرية ولشعار ترحيل اللاجئين الذي رُفع في برامج مرشحي المعارضة للرئاسة.
والذين حرصوا على التصويت للمعارضة في الانتخابات الأخيرة لديهم وعي أيضًا، فقد مارسوا حقهم في الانتخاب، ورفضوا استمرار النظام الحاكم منذ أكثر من 20 عامًا والمتمثل في الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وإن اختلفت دوافعهم المتمثلة في الأيديولوجية كالعلمانية والقومية، أو إظهارًا للنقمة على الوضع الاقتصادي، أو مجرد الرغبة في التغيير، والتي دفعت قطاعًا كبيرًا من فئة الشباب للتصويت لمرشح المعارضة.
الاستقرار والإنجازات
المخاوف الاقتصادية التي لعبت عليها المعارضة التركية كانت عاملًا مؤثرًا جدًا في الانتخابات عند شريحة لا يُستهان بها من الناخبين، فمرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو قال في مقطع مصور من مطبخه إن سعر كيلو البصل سيصل إلى مائة ليرة، وسعر الدولار مقابل الليرة سيرتفع إلى ثلاثين ليرة في حالة فوز أردوغان!
والعامل الاقتصادي هو الذي منح حزب العدالة والتنمية الأغلبية في استحقاقات انتخابية سابقة بدءًا من انتخابات 2002، وإحدى الدراسات التركية بينت أن الاقتصاد يحتل المرتبة الأولى بين أسباب التصويت في الانتخابات، وأن أولوية الناخبين تكون للمخاوف الاقتصادية أولًا ثم الأمنية.
وفوز أردوغان بفترة رئاسية ثانية في الجولة الثانية من الانتخابات، هو أبلغ رد على الإعلام الغربي الذي اتهم الرجل بالاستبداد والديكتاتورية، ففي عهد ذلك (المستبد) تُجرى الانتخابات في موعدها، وتتجاوز نسبة التصويت فيها 90%، ويفوز بها بفارق ضئيل عن منافسه، وفي عهده زادت نسبة تمثيل النساء في البرلمان، ووصل عددهن إلى 50 نائبة، وفي عهده حققت تركيا الكثير من الإنجازات، وأصبحت قوة إقليمية لا يستهان بها، ولها حضور دولي مشهود.
واستمرار أردوغان وحزبه على رأس في السلطة يدعم استقرار تركيا، ويفتح الباب واسعًا أمام تحقيق المزيد من الإنجازات على الصعيدين الداخلي والخارجي، والرئيس أردوغان وعد بأن يكون القرن الحادي والعشرين هو قرن تركيا، وهناك مؤشرات تدل على ذلك، حيث تنامى دور تركيا إقليميًا وعالميًا في العقود الأخيرة، وهي مرشحة كذلك للعب دور أكبر واحتلال مساحة أوسع من الاهتمام عالميًا.
التخلص من ميراث العلمانية
من الأمور التي تميزت بها سياسة الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، هي التخلص الناعم من ميراث أتاتورك، ومن ميراث العلمانية التركية التي ناصبت الدين العداء، وقمعت الحريات، وساهمت في تغريب الأتراك ومحو هويتهم، وحاولت جاهدة فصلهم عن تاريخهم وجذورهم، وقطع علاقتهم بالإسلام وباللغة العربية.
والرئيس أردوغان نجح في تحقيق أحلام أستاذه نجم الدين أربكان، ومنها دفع الأتراك إلى ممارسة السياسة، ورفع الحظر عن ارتداء الحجاب في عام 2013، بعد سنوات من طرد النائبة مروة قاوقجي من البرلمان عام 1999 وتجريدها من الجنسية، لأنها دخلت البرلمان بالحجاب!
ومنها بناء أكبر مسجد في تركيا وهو مسجد تشاميلجا في ميدان تقسيم الشهير، وتحويل مطار أتاتورك إلى حديقة عامة تُعد الأكبر على مستوى العالم، وتدريس اللغة العربية في المدارس التركية، والتوسع الكبير في إنشاء مدارس إمام وخطيب على مستوى الولايات التركية.
تثبيت أركان الديمقراطية
الرئيس رجب طيب أردوغان زعيم وقائد سياسي محنك ورجل دولة من الطراز الفريد، والمطلوب منه هو العمل على تجهيز البديل المناسب في موقع الرئاسة ورئاسة حزب العدالة والتنمية، وأن يُشرف بنفسه على مرحلة يتابع فيها ترسيخ مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد في بلاده، حتى يكون مثالا يُحتذى وأسوة حسنة لمن يأتي بعده من الرؤساء.
والتجربة التركية بالنسبة للعرب جديرة بالاهتمام والدراسة، وفيها الكثير من الدروس، فقد تخلصت تركيا من حكم العسكر، وقدمت نموذجًا ديمقراطيًا يُحتذى، واستطاعت بفضل القيادة الرشيدة والشعب الواعي أن تحقق الكثير من النجاحات، وأن تحتل مكانة عالميًة مرموقًة.
المصدر: العربي الجديد