في التباس مفهوم الإرهاب الدولي
د. عبد الحسين شعبان
أعادتنا الأحداث الإرهابية التي حصلت في لندن ومانشستر ببريطانيا والمنيا بمصر، والتي راح ضحيتها عدد كبير من الأبرياء، إلى سؤال كبير، ما هو الإرهاب الدولي؟ وهو السؤال الذي ظل عائماً طوال عقود من الزمان، وفشلت عصبة الأمم وبعدها هيئة الأمم المتحدة في إيجاد تعريف محدّد له ولمعناه ومبناه.
وفي الكثير من الأحيان يتم خلط الإرهاب بالمقاومة لأغراض سياسية، وهو ما تعتمده «إسرائيل» في سياستها التوسعية الاستيطانية، حين تعتبر كل مقاومة لإرهابها الدولي، «إرهاباً»، علماً بأن المقاومة عمل مشروع من أجل «التحرر الوطني»، حسب القانون الدولي، مثلما هو حق الدفاع عن النفس طبقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
وبسبب غياب تعريف واضح، وكما يُقال في القانون، «جامع مانع» للإرهاب الدولي، فهناك تعريفات متناقضة ومتعارضة تطلق على توصيف بعض الأعمال تبعاً للجهة التي خلفها أو المستفيدة منها، وهذه تتراوح بين التأييد والتنديد، وبين التقديس والتدنيس، فما هو الإرهاب الدولي؟
رصد الباحث ألكس شميد Alex Schmid في كتابه Political Terrorism وجود نحو 109 تعريفات لمصطلح الإرهاب، وهي تنطلق من خلفيات ومصالح سياسية مختلفة. ويذهب الباحث والمفكّر الأمريكي نعوم تشومسكيNoam Chomsky إلى تحديد مضمون الإرهاب، الذي يعني حسب وجهة نظره: كل محاولة لإخضاع أو قسر السكان المدنيين أو حكومة ما عن طريق الاغتيال والخطف أو أعمال العنف، بهدف تحقيق أهداف سياسية، سواء كان الإرهاب فردياً أو تقوم به مجموعات أو تمارسه دولة، وهو الإرهاب الأكثر خطورة. وعلى الرغم من وجود حزمة من القرارات الدولية بخصوص الإرهاب، لكنها ومنذ العام 1963 كانت قطاعية، أي أنها تشمل تشريعات تتناول بعض مجالات الإرهاب مثل الهجمات الإرهابية على متن الطائرات أو الاستيلاء عليها أو تهديد النقل الجوي أو مكافحة التفجيرات أو تمويل الإرهاب الدولي أو مكافحة الإرهاب النووي أو غيرها، إلا أن معظم الاتفاقيات التي صدرت عن الأمم المتحدة لم تعالج موضوع الإرهاب بصورة شاملة، بل عالجت ظواهر الإرهاب الفردي وإرهاب الجماعات، واستبعدت معالجة ظاهرة الإرهاب الدولي الذي تمارسه الدول وحكوماتها.
وحتى بعد صدور ثلاثة قرارات دولية من مجلس الأمن الدولي عقب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول العام 2001 إلاّ أن التعريف ظل ضبابياً إن لم تكن المهمة أصبحت أكثر تعقيداً، وهذه القرارات هي:
1- القرار رقم 1368 الذي صدر بعد يوم واحد من أحداث 11 سبتمبر/ أيلول الذي أرخ لفاصل تاريخي بخصوص مكافحة الإرهاب الدولي.
2- القرار رقم 1373 الصادر في 28 سبتمبر/أيلول العام 2001، (أي بعد سبعة عشر يوماً من الحدث الإرهابي)، وهو أخطر قرار في تاريخ المنظمة الدولية، عندما أعطى الحق للدول (المتنفّذة بالطبع) بشنّ حرب استباقية أو وقائية بزعم وجود «خطر وشيك الوقوع» أو «محتمل»، ويعتبر هذا القرار عودة للقانون الدولي التقليدي الذي يجيز «الحق في الحرب» و«حق الفتح» «والحق في الحصول على مكاسب سياسية في الحرب»، وذلك تبعاً لمصالح الدولة القومية.
3- القرار رقم 1390 الصادر في 16 يناير/كانون الثاني 2002 والذي فرض على الدول التعاون لمكافحة الإرهاب الدولي، وإلاّ فإنها يمكن أن تتعرض إلى العقوبات الدولية.
كما أصدر مجلس الأمن 4 قرارات دولية أخرى بعد احتلال «داعش» للموصل، في 10 يونيو/حزيران 2014، وهي على التوالي:
1 – القرار رقم 2170 وصدر في 15 أغسطس/آب 2014، وذلك على خلفية سلّة القرارات التي أشرنا إليها.
2 – القرار رقم 2178 وصدر في 24 سبتمبر/أيلول 2014، ونصّ على «منع تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق». ودعا الدول إلى «وضع ضوابط فعالة على الحدود، وتبادل المعلومات».
3 – القرار رقم 2185 وصدر في 20 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، وأكد على دور الشرطة كجزء من عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلم والأمن الخاص بالبعثات السياسية، وعلى التعاون المهني لمكافحة الإرهاب ومشاركة الجميع.
4 – القرار رقم 2195 الصادر بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 2014 حول التهديدات التي يتعرض لها السلم والأمن الدوليان.
وقد صدرت هذه القرارات جميعها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بتنفيذ العقوبات في الحال واستخدام جميع الوسائل المتاحة بما فيها القوة لوضعها موضع التطبيق.
ومع أنّ تعريف الإرهاب مسألة مهمّة لجهة التحديد القانوني، إلّا أنّ الدول العظمى المتنفّذة لا ترغب في الوصول إلى توافق دولي حول مضمونه ومعناه، لأنّه يتعارض مع مصالحها ومحاولاتها لبسط هيمنتها، كما يحدّ من استخداماتها لأشكال متنوّعة من القوّة، التي قد ترتقي إلى الإرهاب الدولي.