لقد أدرك الغربيون والدول المتقدمة في شتى أنحاء العالم ومنذ زمن بعيد قيمة وأهمية العلم ودوره في تحقيق النهضة في جميع المجالات، فجعلوه على رأس أولوياتهم وأصبح عندهم أجيال من العلماء، ولذلك فهم يعيشون الآن في العصر الذهبي للعلم، أما في عالمنا العربي فليس هناك مكان للعلم أو مكانة العلماء، والمكانة فقط للراقصات اللولبيات صاحبات الموهبة والقدرة على هز جميع الأوساط والمراكز، ونظرًا للاهتمام الإعلامي والرسمي بالرقص فقد أصبح عندنا الآن أجيال متعاقبة من الراقصين والراقصات، ولذلك نحن نعيش الآن في العصر الذهبي للرقص وليس في ”عصر العلم” كما يقول الراحل الدكتور أحمد زويل.
وفي ظل التطورات الرهيبة التي يشهدها عالمنا اليوم وبخاصة في وسائل الاتصال والإعلام، وبفضل القيم الجديدة التي أُرست العولمة دعائمها، لم يعد للرقص أماكن محددة كما كان في السابق، وأصبحت حياتنا كلها راقصة لا تعرف ثباتًا أو استقرارًا.
والرقص لم يعد قاصرًا على هز الوسط كما يعتقد البعض، فقد تعدى ذلك إلى مجالات كثيرة، فهناك الرقص السياسي، والرقص الاقتصادي، والرقص التعليمي، والرقص الإعلامي، والرقص الرياضي، وما من مجال عام أو خاص إلا وقد دخله الرقص بطريقة أو بأخرى.
والكثير من الوظائف الهامة والحساسة أصبحت قاصرة على من يجيدون فن الرقص، وخصوصًا الرقص على الحبال.
وهناك علاقة وثيقة بين الرقص والمال، فالراقصات يسعين بكل الوسائل لجمع المال، وأصحاب الأموال يلهثون وراء الراقصات، وينفقون أموالهم ببذخ عليهن، ومنهم من يلقي هذه الأموال تحت أقدامهن طمعًا في نظرة أو وصلة أو وصال!
ويقولون في الأمثال ”لكل زمان دولة ورجال”، أما وقد اختفى مفهوم الدولة المستقلة سياسيًا واقتصاديًا والقادرة على حماية شعبها بسبب التسلط والهيمنة الأمريكية وبسبب سياسة الاستقواء بالخارج التي تنتهجها أطراف لها مطامعها ومصالحها الخاصة، واختفى الرجال قسرًا في السجون والمعتقلات ولم يبق إلا الأذناب والرعاع، فالمقام إذن هو مقام الراقصات يقلن فيسمع لهن، ويأمرن فيطعن، ويحكمن فينفذ حكمهن على القاصي والداني وعلى الشريف والوضيع.
والراقصات عندنا هن راعيات المشروعات الوطنية، وقائدات النضال والتحرر في العصر الحديث، والراقصات سباقات في مجال العمل الخيري، وهن من يكتبن التاريخ في نهاية المطاف، والمذكرات التي يكتبنها تتخطفها الأيدي وتنفد فور صدورها.
والدول العربية التي لم تستطع تحقيق الاكتفاء الذاتي في أي مجال من المجالات ويوجد لديها عجز في جميع التخصصات، استطاعت بفضل الرعاية والبحث عن المواهب الراقصة وتبنيها والإنفاق عليها ببذخ، أن تحقق الاكتفاء الذاتي من الراقصات، وأصبح لديها أجيال صاعدة من الراقصات تكفيها لعشرات السنين، وأصبح لديها معين لا ينضب لتخريج الراقصات اللولبيات اللواتي يعتبرن أفضل واجهة للتعبير عن التاريخ والحضارة، وأفضل وسيلة لجذب الاستثمارات وتنشيط السياحة!
ورب ضارة نافعة، فقد أسهمت الأوضاع الاقتصادية الصعبة والمأساوية للكثير من الأسر في اتجاه الكثير من الفتيات لاحتراف الرقص الذي يدر عليهن دخلًا لم يحلمن به في يوم من الأيام، وبعض الفتيات تركن مهن مرموقة كالطب والمحاماة من أجل عيون الرقص الشرقي، وأملًا في مستقبل (راقص) عفوًا أقصد مشرق!
والنجاح والتفوق عند الشباب والفتيات اليوم وبفضل العولمة والانفتاح الاقتصادي والثقافي، وبفضل القنوات الفضائية اللولبية لم يعد في مجالات كالعلم أو الأدب، فقد أصبح مستقبل الفتى في قدمه، ومستقبل الفتاة في وسطها!
هذا هو المستقبل الذي ينتظر الأجيال القادمة، حيث يغدو ”اللاعب” هو القدوة عند الشباب، وتصبح ”الراقصة” هي القدوة عند الفتيات، فكيف سيكون حالنا عندما يكون لدينا أجيال وأجيال من اللاعبين والراقصات؟!
والكتاب الذي نضعه بين يدي القارئ الكريم صرخة في فضاء، وجرس إنذار، ومحاولة لتدارك الأمر قبل فوات الأوان، فأمتنا بحاجة إلى وقفة جادة وحازمة من قبل المفكرين والدعاة والفنانين الملتزمين ومن قبل الجماهير، لإعادة الأمور إلى نصابها، وإعطاء كل ذي حق حقه، والمنزلة التي يستحقها، ولا سبيل أمام هذه الأمة لإستعادة كرامتها ومجدها إلا بالعودة للإسلام والفهم الصحيح للكتاب والسنة، وإعلاء شأن العلم في حياة الناشئة.