يتعرض قطاع غزة منذ ما يزيد عن عام ونصف إلى حرب إبادة شاملة، في ظل صمت وخذلان عربي وإسلامي، وتواطؤ دولي، وما يحتاجه أهل غزة ليس الدعاء وإنما النصرة بكل السبل الممكنة، ووفق قدر واستطاعة كل إنسان مسلمًا كان أو غير مسلم.
لا تدعوا لأهل غزة!
“لا تدعوا لأهل غزة” كلمة قالها الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل (فك الله أسره)، وهو محق فيما قال، لأن الكثيرين يظنون أنهم بدعائهم لأهل غزة قد أدوا ما عليهم من واجبات تجاه إخوانهم، وهو أمر يسكت صوت ضمائرهم ويريحهم نفسيًا، وللأسف نجد معظم الخطباء عندما يتحدثون عن واجب المسلمين تجاه أهل غزة وأهل فلسطين يحصرون ذلك الواجب في الدعاء فقط!
وفلسطين فيها رجال ونساء وأطفال يدافعون عن مقدسات المسلمين، وعلى الرغم من الظلم والحيف الذي يتعرضون له منذ عقود إلا أن ذلك لم يزدهم إلا صمودًا وثباتًا وتمسكًا بأرضهم وبيوتهم حتى ولو دمرها العدو الصهيوني الغاشم.
وأهل غزة في جهاد وفي رباط في سبيل الله عز وجل، ويواجهون العالم بأسره بصدورهم العارية وبطونهم الخاوية وأقدامهم الحافية، ولا شك أن الله عز وجل معينهم وناصرهم على أعدائهم، ولكنهم بحاجة إلى النصرة والدعم المادي أكثر من حاجتهم للدعاء، فهم بحاجة ماسة وملحة للماء والغذاء والدواء، وبحاجة لجميع المستلزمات الضرورية للبقاء على قيد الحياة.
واجب النصرة
إخواننا في فلسطين بحاجة إلى جميع أشكال الدعم وبخاصة الدعم المالي حتى يتمكنوا من مواجهة العدو الصهيوني الذي يحظى بدعم غربي معنوي ومادي غير محدود، ونحن مأمورون بالجهاد في سبيل الله بأموالنا وأنفسنا، يقول الله عز وجل:{انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة التوبة: 41.
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”مَن لم يغزُ أو يجَهِّزْ غازيًا أو يَخلُفْ غازيًا في أَهْلِهِ بخيرٍ، أصابَهُ اللَّهُ بقارعةٍ قبلَ يومِ القيامةِ”. أخرجه أبو داود (2503)، وابن ماجه (2762).
وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ:”مَن جَهَّزَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ فقَدْ غَزَا، وَمَن خَلَفَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ بخَيْرٍ فقَدْ غَزَا”. صحيح البخاري: 2843.
النصرة بالإعلام
النصرة الإعلامية باب من أبواب الجهاد المعاصر، وهي من الأدوات المؤثرة عالميًا، والإعلام من المجالات التي يسيطر عليها اليهود، من خلال الامبراطوريات الإعلامية الضخمة التي يمتلكونها مثل شبكة فوكس نيوز وغيرها.
والمقاومة ربحت المعركة الإعلامية، والدليل على ذلك هو التعاطف العالمي الذي حظيت به غزة وفلسطين خلال أيام العدوان المتواصل على قطاع غزة، والكثير من الناشطين والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي نسفوا أكاذيب نتنياهو وعاصبته، وأكاذيب الإدارة الأميركية، وتصدوا بشراسة لحملات التضليل الإعلامي، وفضحوا الانحياز الأعمى لإسرائيل.
النصرة بالعلم
دور العلماء هو بيان الحق للناس، ومن ذلك بيان أن نصرة إخواننا المستضعفين في فلسطين واجبة وليست منة أو تطوعًا، وبيان منزلة المسجد الأقصى وفلسطين في الإسلام، وتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب.
والدور الأهم للعلماء هو الرد على فقهاء السوء والسلطان، الذين يقفون في صف المعتدي ويبررون جرائمه، أو أولئك الذين يحملون المقاومة المسؤولية عن الاعتداءات الوحشية للكيان الصهيوني الغاصب، أو أولئك الذين يقولون كذبًا:”إن واجبنا نحو إخواننا في غزة هو الدعاء فقط“!
ومن واجبات العلماء بيان الحقائق التاريخية المتعلقة بفلسطين، ومواجهة التي الأكاذيب التي يروج لها الكيان الصهيوني منذ نشأته.
ومن واجباتهم أيضًا تجديد الخطاب الدعوي، والتركيز على قضايا الأمة المصيرية، ومحاولة تغيير الصورة النمطية التي رسمها الغرب للإسلام، ومخاطبة النخبة والجماهير في العالم باللغة التي يفهمونها.
النصرة بالمقاطعة
المقاطعة الاقتصادية أصبحت ضرورة وهي أضعف الإيمان لعموم العرب والمسلمين ومن خلالها نحقق أمرين مهمين وهما: نصرة إخواننا بمقاطعة الشركات التي تدعم الكيان الصهيوني الغاصب، والمحافظة على صحة أبداننا وأبدان أطفالنا وأحبائنا من مخاطر الوجبات السريعة، والمشروبات الغازية، والمنتجات الضارة التي تنتجها الشركات الداعمة لجيش الاحتلال الذي يقتل إخواننا الأبرياء.
وسلاح المقاطعة سلاح مؤثر وقاطع ولا يستهان به، وقد ظهر تأثيره من خلال هبوط أسعار أسهم الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، وأجبرتها المقاطعة على عرض وبيع جميع منتجاتها بأسعار مخفضة، وهذا الأمر فضح هذه الشركات، وأظهر حجم الأرباح الفاحشة التي يجنونها من جيوبنا، ويقدمونها لجيش الاحتلال لكي يقتل بها إخواننا في فلسطين.
والمقاطعة هي أقل الواجب لكل عربي، وأضعف الإيمان لكل مسلم، ورسالة إلى الشركات العالمية لكي تتوقف عن دعم جيش الاحتلال، وفيها فرصة للشركات المحلية لكي تقدم بدائل لمنتجات تلك الشركات.
النصرة بالاستقامة والتربية
لا شك أن ضعف الأمة وتفرقها وتشرذمها، هو الذي أغرى الصهاينة باحتلال فلسطين ومواصلة اعتداءاتهم الوحشية على الفلسطينيين منذ عقود، وضعف الأمة هو محصلة ضعف أبنائها، ومعالجة ذلك الضعف تكون باستقامة الأفراد على منهج الإسلام القويم الذي يضمن لهم صلاح الدنيا والآخرة.
وعلاج تقصير وعجز الأفراد والأمة عن نصرة إخواننا المستضعفين في فلسطين، يكون بأن نحسن تربية وتنشئة أولادنا على القيم والمبادئ التي جاء بها الإسلام، وإعداد جيل من (عباد الله) يتحقق على أيديهم وعد الآخرة كما تحقق وعد الأولى، يقول الله عز وجل:{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا} سورة الإسراء: 5.
والفرد القوي هو أساس المجتمع والأمة القوية، ولذلك يجب أن نهتم بتربية وتنشئة الأطفال على قيم العدل والإنصاف والتعاون والنخوة والنجدة ونصرة ومساعدة المظلومين، وهي مهمة باتت صعبة ومعقدة في عالمنا المعاصر.
ونصرة إخواننا في فلسطين تتحقق بكل أمر فيه خسارة وإيلام للصهاينة ومن عاونهم حتى ولو كان يسيرًا، وإذا فعل كل واحد منا ما يستطيع فعله نصرة لإخواننا في فلسطين، فساعتها فقط يمكنه الدعاء لأهل غزة ولأهل فلسطين بالثبات والنصر على أعدائهم وعلى أعداء الأمة، بل أعداء الإنسانية جمعاء.
- المصدر: مجلة المجتمع الكويتية