مظاهر العنف بشتى أنواعه باتت ظاهرة للعيان، وطال العنف جميع مناحي الحياة، وتراجع التراحم وغابت الرحمة إلى حد أننا أصبحنا نحتفي ببعض المظاهر الخادعة للرحمة كالرفق بالحيوانات وصغارها، ونغض الطرف عن إبادة مئات الآلاف من الأبرياء.
مظاهر العنف في المجتمع
التدليل على انتشار العنف في المجتمعات المعاصرة لا يحتاج إلى كثير عناء، فمظاهر العنف نجدها في فضاءات عديدة، ولعل من أهمها وأخطرها مظاهر العنف الأسري الذي يشمل العنف اللفظي والجسدي بين الزوجين نتيجة التركيز على الحقوق والواجبات وغياب المودة والرحمة، والعنف ضد الأولاد والآثار السلبية التي يتركها على نفوسهم ويغذي بداخلهم النزعة العدوانية والميل للعنف في التعامل مع الآخرين، والآثار السلبية لهذا النوع من العنف تظهر في التصرفات والسلوكيات العدوانية بين الإخوة والأخوات في البيت نتيجة القسوة في المعاملة والتفرقة بين الأولاد.
ومظاهر العنف نجدها في الشارع من خلال المعارك اليومية والصراع على المرور وعدم التقيد بقوانين وآداب المرور، وفي الأفعال المتهورة التي قد تصدر من بعض السائقين تجاه مستخدمي الطريق سواء من قائدي المركبات أو من المشاة، وعدم تقدير أو مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة.
ومظاهر العنف نجدها في العمل حيث التسلط وفرض الرأي، وعدم التماس الأعذار للآخرين وتحميلهم المسؤولية كاملة، والتعامل مع المراجعين بفظاظة وغلظة.
ومظاهر العنف نجدها في المدارس بين الطلاب وبعضهم البعض من خلال الشجار والمشاحنات والتعدي على الآخرين بالشتم أو الضرب، ومن قبل بعض المعلمين الذين يقومون بضرب التلاميذ وبشكل وحشي في بعض الأحيان.
ومظاهر العنف نجدها في التعامل مع الفئات المستضعفة العاملة في القطاعات الخدمية كالمجمعات التجارية ووصل الأمر إلى الاعتداء على الطواقم الطبية!
ومن أخطر وأقسى مظاهر العنف في المجتمع العنف الذي تُمارسه السلطة ضد مواطنيها، فهناك دول تُسخر كل إمكانياتها الأمنية، بل والعسكرية في إلحاق الأذى والضرر بالمواطنين بقتلهم واعتقالهم وتعذيبهم وتهجيرهم من أوطانهم.
وهناك العنف الذي تمارسه الدول الكبرى بحق مواطني الدول الأخرى عندما تقوم طائراتها بقصف المدنيين العزل وتقتل الآلاف من الأطفال والنساء، وتدمر المدن على رؤوس ساكنيها حفاظًا على مصالحها الاقتصادية والسياسية، ودفاعًا عن الأنظمة الموالية لها. ومن مظاهر العنف التي تزايدت في الآونة الأخيرة العنف ضد الأقليات باستهدافهم والتضييق عليهم وتهجيرهم من بيوتهم.
وهذا المظاهر مجتمعة تدلل على اتساع مساحة العنف على حساب قيم الرحمة والمحبة والتعاون، والأحداث الحالية والمؤشرات العامة تدل على أن ظاهرة العنف
آخذة في التنامي والاتساع في ظل عدم وجود إرادة دولية لوقف العنف، وعدم وجود رغبة وتوجه عام يسعى نحو تحقيق السلام في العالم ويؤكد على ضرورة التراحم بين البشر من أجل حياة أفضل للجميع.
أسباب انتشار العنف
الأسباب التي أدت إلى انتشار وتنامي مظاهر العنف في المجتمع كثيرة ومنها:
أولًا: التنشئة الخاطئة للأطفال وغياب التربية الوجدانية وعدم إشباع حاجات الأطفال الأساسية وتعرضهم للحرمان وبخاصة الحرمان العاطفي وتربيتهم على القسوة والعدوانية لمواجهة المجتمع الذي يرون فيه انتهاكًا لحقوق الضعفاء.
ثانيًا: ووسائل الإعلام كان لها دور كبير وخطير في نشر العنف في المجتمعات، وذلك من خلال عرض مشاهد العنف سواء كان داخل الأسرة أو خارجها، وإظهار من يمارسون العنف على أنهم أبطال.
ثالثًا: الألعاب الإلكترونية ساهمت في إذكاء النزعة العدوانية لدى الأطفال، ولذلك يحذر خبراء التربية من خطر الألعاب الإلكترونية على الأولاد وبخاصة الألعاب القتالية العنيفة، ومن أسباب انتشار حوادث العنف في المدارس الإدمان على مثل هذه الألعاب التي تبرمج مخ الطفل على القتل والاعتداء على الآخرين.
رابعًا: رغبة وسعي الدول الكبرى للهيمنة والسيطرة وإخضاع الآخرين، يعد من الأسباب الرئيسة لتنامي العنف في عالمنا المعاصر.
خامسًا: تنامي العنف وبخاصة تجاه المسلمين في الغرب يحدث نتيجة شيطنة الآخر واتهام ووصم الإسلام بالعنف، والعداء للإسلام والصورة النمطية التي رسختها وسائل الإعلام والأفلام السنيمائية وكتابات المستشرقين في أذهان الغربيين عن الإسلام وعن العرب والمسلمين، تقف وراء الاعتداءات المتزايدة التي يتعرض لها العرب والمسلمون في الغرب.
العنف عند المسلمين وعند غيرهم
القيم الإسلامية تدعو جميعها للتراحم والتعاون، ونبي الإسلام جاء رحمة للجميع، يقول الله عز وجل:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} سورة الأنبياء: 107.
ومن المفارقات في عالمنا اليوم اتهام العرب والمسلمين بالعنف، في حين أن المجتمعات العربية والمسلمة تُعد أقل عنفًا مقارنة بالمجتمعات الغربية.
والإحصائيات حول العنف تؤكد أن العنف والإرهاب بضاعة وصناعة غربية خالصة، فالغرب منذ مئات السنين وحتى الآن هو الذي يقتل الأبرياء ويهلك الحرث والنسل، وجرائم الغرب لم تتوقف منذ قرون من الزمان، ويكفي للتدليل على ذلك إبادة الملايين من الهنود الحمر، وضحايا حروب الفرنجة (الحروب الصليبية)، وضحايا حرب فيتام، وضحايا الحربين الغربيتين الأولى والثانية، وجرائم الغربيين في الجزائر وليبيا والمغرب، ومجزرتي هيروشيما وناجازاكي، وضحايا حرب البوسنة والهرسك، وضحايا الحرب في أفغانستان، وضحايا الحرب في العراق، وضحايا الحرب في سوريا وغيرها.
كيف نواجه العنف؟
انتشار العنف في أنحاء كثيرة من العالم بحاجة إلى وقفة جادة من أجل مراجعة أسباب العنف وإيجاد الحلول المناسبة للقضاء عليها، والبشرية اليوم بحاجة إلى دعاة الرحمة والسلام لكي يخصلوا البشرية من الآثار المدمرة للعنف.
ومواجهة العنف المستشري في العديد من المجتمعات بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود الفردية والجماعية التي تهدف إلى بناء مجتمعات يسودها الود والتراحم، ومن الوسائل التي نواجه بها العنف:
أولًا: التربية على التراحم والتسامح، والتركيز على التربية الوجدانية التي تسهم في بناء شخصية متوازنة تتحكم في مشاعرها وانفعالاتها ولا تلجأ للعنف عند التعامل مع الآخرين.
ثانيًا: نبذ العنف ووقف الظلم على المستوى الدولي، فمئات الآلاف من البشر اليوم يتعرضون لظلم بين ولا يجدون من ينصرهم سواء من الإخوة في الدين أو من قبل المؤسسات الدولية التي تُدار من قبل القوى الكبرى التي لا يهمها سوى الحفاظ على مصالحها حتى ولو كان ذلك على حساب ملايين الأبرياء.
ثالثًا: نصرة المظلومين، وذلك من خلال قيام الكيانات الفاعلة على المستوى الدولي بدورها في توفير الحماية للمظلومين والمضطهدين، وبخاصة العزل من الأطفال والنساء وكبار السن.
رابعًا: تجفيف منابع العنف، بالقضاء على الأسباب المؤدية إليه ومنها الجوع والحرمان الذي يعاني منه ملايين البشر، والاضطهاد الديني الذي يُعاني منه الكثيرون وبخاصة المسلمين. والأوضاع الحالية التي يعيشها العالم وتمر بها المنطقة العربية تنذر بتنامي ظاهرة العنف، وهذه الظاهرة لها آثارها السلبية على جميع مناحي الحياة، والجميع مطالبون ببذل الجهد والعمل معًا للقضاء على مظاهر العنف في المجتمع من أجل توفير حياة أفضل ينعم فيها الجميع بالسلام والرخاء.
المصدر: مجلة الوعي الإسلامي.