مآسي اللاجئين والنازحين *
اللجوء والهجرة القسرية من أماكن الإقامة الدائمة بسبب الحروب والنزاعات والصراعات الداخلية والخارجية هي أكبر وأخطر انتهاك تتعرض له حقوق الإنسان لأن اللاجئ يفقد الأمن والأمان ويفقد الاستقرار ويفقد أبسط مقومات العيش الكريم ويتعرض لصنوف من المعاناة التي تبدأ بالحرمان من الطعام والشراب وفقدان المأوى مروراً بالحرمان من التعليم وانتهاء بتعرض الأطفال والنساء للاعتداءات الجنسية نظراً لغياب السلطة وعدم توفر الحماية وعلى الرغم من ذلك كله لا تجد مشكلات اللاجئين والنازحين في العالم الاهتمام المطلوب من قبل الحكومات والمنظمات والهيئات الدولية التي تنشغل بقضايا هامشية وتترك القضايا الملحة التي تحتاج إلى تدخل سريع وإلى إيجاد حلول عاجلة تنهي مأساة الملايين من البشر الذين يعانون من الجوع والمرض ويعيشون بلا مأوى وبدون حماية ويتعرضون لإيذاء البشر وقسوة الطبيعة.
ومشكلات اللاجئين والنازحين تعتبر التحدي الأكبر الذي يواجه منظمات الإغاثة الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان الوطنية والإقليمية والدولية وهي بحاجة إلى وقفة دولية وقرارات حاسمة تعيد الأمن والاستقرار لمئات الملايين من البشر المشردين داخل أوطانهم وخارجها. والتعريف القانوني للاجئ طبقاً لاتفاقية جنيف للعام 1951 والنظام السياسي الداخلي للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين هو:” كل شخص تواجد بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة إجتماعية معينة أو آرائه السياسية خارج بلد جنسيته ولا يستطيع أو لا يرغب بسبب ذلك الخوف أن يستظل بحماية ذلك البلد”.
والأرقام المتزايدة لأعداد اللاجئين في العالم توضح بجلاء الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الإنسان في أماكن كثيرة من العالم. فقد بغلت أعداد اللاجئين والمشردين داخل بلدانهم خلال عام 2006 حوالي 14 مليون لاجئ ومشرد، ففي أفريقيا هناك ما يزيد على ثلاثة ملايين لاجئ ومشرد. وفي الشرق الأوسط حوالي خمسة ملايين لاجئ منهم ثلاثة ملايين فلسطيني وما يزيد عن مليون ونصف عراقي. وفي جنوب ووسط آسيا حوالي أربعة ملايين لاجئ ومشرد. وفي شرق آسيا حوالي مليون ونصف لاجئ ومشرد.
وفي أوروبا حوالي ثلاثمائة ألف. وفي أميركا والبحر الكاريبي حوالي نصف مليون معظمهم في كولومبيا. وبلغت أعداد اللاجئين خارج أوطانهم 14 مليون لاجئ. منهم أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ في أفريقيا وحوالي مليون لاجئ في شرق آسيا والمحيط الهادئ، وحوالي ثلاثة ملايين في جنوب ووسط آسيا وخمسة ملايين ونصف في الشرق الأوسط يتركز معظمهم في سوريا وايران وقطاع غزة والأردن. وما يزيد على نصف مليون في أوروبا. وحوالي 650 ألف في أميركا والكاريبي. وبلغت أعداد النازحين (21.170.000) نازح عام 2006.
وفي أفريقيا 11 مليون نازح، وفي شرق آسيا والمحيط الهادئ مليون نازح وفي أوروبا مليونان ونصف المليون نازح وفي أميركا والكاريبي حوالي ثلاثة ملايين نازح وفي الشرق الأوسط ما يزيد على مليوني نازح وفي جنوب ووسط آسيا حوالي مليون ونصف نازح. وبلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين نهاية عام 2008 حوالي 4.7 ملايين لاجئ فلسطيني يشكلون ما نسبته 44.3% من مجمل السكان الفلسطينيين في العالم، ويتوزعون بواقع 41.8% في الأردن و9.9% في سوريا و9% في لبنان، و16.3% في الضفة، و23% في غزة يعيش حوالي ثلثهم في 59 مخيماً.
المسؤولية الضائعة
من النقاط الهامة المتعلقة بمشكلة اللاجئين والنازحين في العالم هي تحديد المسؤولية عن توفير الأمن والحماية ومتطلبات الحياة الضرورية للاجئين والنازحين فمن الملاحظ أن عبء توفير الحماية والدعم ومتطلبات الحياة الضرورية للاجئين والنازحين في العالم تتحمله منظمات الإغاثة الإنسانية في حين أن المسؤولين مسؤولية مباشرة عن تحول هؤلاء البشر إلى لاجئين ونازحين لا يتحملون أية أعباء أو مسؤولية ولا يتعرضون لأي نوع من المساءلة عن الأوضاع المأساوية لملايين البشر والتي كانوا سبباً في حدوثها ولذلك فإن جميع الأطراف التي كانت سبباً في النزوح والتشرد واللجوء يجب أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة عن الأوضاع المزرية التي يعيش فيها ملايين البشر نتيجة لصراعات لا دخل لهم فيها ولا ناقة لهم فيها ولا جمل فالفقراء والبسطاء والمعدمين في العالم هم من يتحملون أعباء الصراعات والنزاعات بين الجماعات المسلحة والدولة أو الأطراف الخارجية كما هو الحال في أفغانستان والعراق.
فما هو ذنب آلاف الأبرياء من الأفغان الذين شردوا من منازلهم نتيجة الهجمات المتبادلة بين حركة طالبان وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وما هو ذنب أكثر من مليون ونصف عراقي شردوا بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة والتفجيرات التي تحدث بصفة يومية وفي أماكن متفرقة من العراق والقتل على الهوية وسقوط مئات القتلى يومياً في انفجارات تستهدف التجمعات البشرية كالأسواق والشوارع التجارية أو تلك التي تستهدف القوات الأمريكية والتي تستهدف أفراد الأمن العراقيين وأفراد الصحوات. وما هو ذنب أكثر من مليون باكستاني شردوا نتيجة القتال المستمر بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة في منطقة سوات وغيرها من المناطق الباكستانية حيث أصبح هؤلاء بلا مأوى وبلا غذاء أو دواء.
وما هو ذنب مئات الآلاف من الصوماليين الذين شردوا من مدنهم وقراهم بسبب القتال المستمر منذ سنوات بين الفصائل الصومالية المتناحرة في صراع لا يكاد ينتهي على السلطة والنفوذ في ذلك البلد المنكوب الذي أنهكته الحروب فقد ارتفع عدد النازحين داخل الصومال إلى مليون نازح 60% منهم فروا من العاصمة مقديشيو.
وما هو ذنب أكثر من مليوني سوداني فروا من إقليم دارفور نتيجة الصراعات المشتعلة في الإقليم منذ سنوات ولجأ الكثيرين منهم إلى تشاد حيث يوجد حوالى 260 ألف لاجئ من إقليم دارفور معظمهم من النساء والأطفال فى 12 مخيماً أقامتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فى شرقى تشاد.
وما هو ذنب عشرات الآلاف من اليمنيين الذين قتلوا أو شرودا نتيجة الحرب المستعرة منذ فترة طويلة بين القوات الحكومية اليمنية وجماعة الحوثي فقد وصل عدد النازحين في اليمن إلى 100 ألف نازح نتيجة الحرب المستمرة في منطقة صعدة. وقضية اللاجئين الفلسطينيين بحاجة إلى حلول جذرية ليس منها التعويض أو التوطين في بلاد عربية حسب المخططات الصهيونية فهؤلاء اللاجئين أصحاب حق أصيل وحقهم في العودة إلى وطنهم وإلى ديارهم لا يقبل المساومة والقبول بأية تسوية لا تتضمن عودة هؤلاء اللاجئين يعتبر خيانة للقضية الفلسطينية ولتضحيات الشهداء الذين سقطوا في الصراع مع ذلك الكيان الغاصب الذي دنس المقدسات و احتل الأرض وأجبر أصحابها على الرحيل منها.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين 4.7 مليون لاجي يعيش ثلثهم أي حوالي 1.3 مليون منهم في المخيمات المنتشرة في الأردن ولبنان وسوريا وفي الضفة الغربية وقطاع غزة. والأوضاع الحالية للاجئين الفلسطينيين في المخيمات بحاجة إلى تدخل سريع وإلى انتشالهم من الأوضاع المزرية التي يعيشون فيها منذ سنوات والتي تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان فالمخيمات التي يعيش فيها اللاجئون الفلسطينيون مكتظة بالسكان وتفتقر إلى الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والصرف الصحي وهو ما يعرض سكانها للكثير من الأمراض.
وينبغي العمل على إنهاء معاناة اللاجئين الفلسطينيين في المناطق الحدودية للعراق والمستمرة منذ غزو العراق في عام 2003 وإلى الآن حيث يعيش حوالي 3000 لاجئ فلسطيني في مخيم النتف الحدودي بين العراق وسوريا بالإضافة إلى وجود نحو 2000 لاجئ فلسطيني في مخيم الوليد في الصحراء العراقية في ظروف أقل ما يمكن أن توصف به انها مأساوية.
مشكلة اللجوء بحاجة إلى حلول جذرية
تعرض ملايين البشر للترحيل القسري من المناطق التي يعيشون فيها أو الاضطرار للرحيل منها خوفاً على حياتهم يعتبر أبشع انتهاك لحقوق الإنسان لأنه يفتح الباب واسعاً أمام تعرض هذه الحقوق للانتقاص والانتهاك حتى من قبل من يكلفون بحفظ الأمن وتقديم المساعدات تحت شعارات براقة وخادعة في كثير من الأحيان وربما كان هؤلاء ممن ينتمون لمنظمات دولية كالأمم المتحدة وغيرها فهناك اتهامات موجهة لأعضاء قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بالاعتداء الجنسي على النساء وعلى الأطفال القصر في مناطق النزاع وهناك تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية يشير إلى تعرض آلاف النساء اللاجئات من إقليم دارفور للاغتصاب والعنف داخل وخارج مخيمات اللجوء في تشاد على الرغم من وجود القوات الدولية وأعضاء بعض المنظمات الإغاثية يقومون بخطف وتهريب الأطفال من معسكرات اللاجئين إلى الدول الغربية. ولذلك فإن مشكلة اللاجئين حول العالم لم يعد السكوت عليها ممكناً نظراً للأوضاع المزرية التي تعيش فيها الغالبية العظمى من اللاجئين ولأن لهؤلاء اللاجئين حقوقاً ينبغي ألا تضيع ولهم كرامة ينبغي ألا تهدر في المخيمات والمعسكرات التي يفقدون فيها الأمن والاستقرار وتتعرض حياتهم فيها للخطر ويكونون فيها أكثر عرضة للعديد من الانتهاكات والاعتداءات. ولم يعد السكوت على مشكلة اللاجئين في العالم ممكناً في ظل تزايد أعداد اللاجئين حول العالم وفي ظل وجود تهديدات مستمرة بتحويل الملايين من البشر الذين ينعمون بالأمن والاستقرار داخل أوطانهم إلى لاجئين في الداخل أو في لخارج بسبب الصراعات والنزاعات المسلحة التي تندلع من وقت لآخر بين الفصائل والجماعات في البلد الواحد أو بين الدول وبعضها البعض. واللاجئون حول العالم ليسوا كماً مهملاً وأعداداً صماء ترد في تقارير منظمات حقوق الإنسان وتتزايد يوماً بعد يوم فهم بشر لهم حقوق معتبرة كغيرهم وهي حقوق تمليها الأخوة في الإنسانية وتوجبها الشرائع السماوية التي تدعو إلى تقديم العون والمساعدة لكل محتاج.
وتقديم العون للمحتاج من أفضل الأعمال يقول الله عز وجل:( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) سورة المائدة: 2.
وإغاثة الملهوف عدها الرسول صلى الله عليه وسلم من الصدقات وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَاللّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». صحيح مسلم: 6803.
ومشكلات اللاجئين حول العالم بحاجة إلى حلول دائمة فالحلول المؤقتة لم تجد نفعاً لأنها تعالج الأعراض الناتجة عن مشكلة اللجوء ولا تعالج الأسباب الحقيقية التي تؤدي إليها ومشكلة اللاجئين لا تنتهي بتوفير المأوى والطعام والشراب وإنما تنتهي بالعودة والاستقرار في الأماكن التي تركوها ولا يتحقق ذلك إلى بمعالجة الأسباب التي دعتهم لتركها والنزوح منها وهذا الأمر يتطلب تضافر الجهود الوطنية والإقليمية والدولية والعمل على إنهاء معاناة ملايين اللاجئين في العالم.