مخاطر استمرار الأزمة في سوريا
|
محمد ابراهيم خاطر
يدّعي نظام بشار الأسد الإجرامي والوحشي أن هناك «مؤامرة كونية» على سوريا وأنه يقف في وجه المحاولات الرامية إلى تفتيت سوريا ويسعى للحفاظ عليها والحقيقة هي أن النظام الوحشي في سوريا يشكل جزءا من المؤامرة على سوريا والشعب السوري والدليل على ذلك أنه يقتل يوميا المئات من السوريين ويدمر المدن السورية واحدة تلو الأخرى. والأزمة السورية المستمرة لما يقرب من عامين تستعصي عن الحل نتيجة تضارب المصالح والتداخل بين العوامل الداخلية والخارجية. دمار سوريا على يد أبنائها الدمار الشامل الذي يحدث في سوريا والفقد اليومي لمئات الأبرياء والتدمير الممنهج لآثار سوريا وللبنية التحتية وتدمير أسلحة الجيش السوري واستنزافه يتحمل المسؤولية عنه في المقام الأول من أنجبتهم سوريا وتنكروا لها وقدموا مصالحهم وأهواءهم الشخصية على مصلحة سوريا الوطن والأم. والرئيس الطاغية والمجرم بشار الأسد يأتي في مقدمة أبناء سوريا العاقين الذين عاثوا في سوريا فسادا وأهلكوا الحرث والنسل على الرغم من أن السوريين استبشروا خيرا بمجيئه للسلطة ولكنه تحول بفعل الجينات التي يحملها إلى طاغية وأصبح وبالا عليهم وعلى سوريا. وجزء من المسؤولية عن الدمار الذي حدث ويحدث في سوريا تتحمله المعارضة السورية المنقسمة على نفسها في الداخل والخارج والتي لم تستطع حتى الآن توحيد صفوفها وجهودها في مواجهة طاغية الشام. وجزء من المسؤولية عن الدمار الشامل في سوريا تتحمله النخبة الفاسدة التي لازالت تدافع عن الجرائم التي يرتكبها النظام وتحمل المعارضة المسلحة والدول العربية والغربية المسؤولية عن تدهور الأوضاع في سوريا ومقتل عشرات الآلاف وتشريد مئات الآلاف من السوريين. وجزء كبير من المسؤولية عن الدمار الشامل في سوريا يتحمله علماء السلطة الذين يساندون طاغية الشام الذي فعل بالشعب السوري ما لم يفعله الغزاة والمحتلون وقد فقد هؤلاء مكانتهم ومصداقيتهم وهؤلاء سيكون حسابهم عسيرا في الدنيا وفي الآخرة لأنهم يزينون الباطل للطغاة ولأنهم لم يصدعوا بكلمة الحق ويقفوا في وجه ذلك الظالم العاتي ولو فعلوا ذلك لكانوا من أفضل الشهداء عند الله عز وجل ولماتوا أعزة كراما فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله». موقف الدول العربية المخزي مرور ما يقرب من عامين على القتل والتدمير في سوريا وعدم القدرة على التوصل إلى حل للأزمة السورية يكمن في ضعف الدول العربية وتشرذمها وتفرقها وعجزها عن توفير الحماية للشعب السوري الذي يحتاج إلى دعم ومساندة في مواجهة النظام المستبد الغاشم بكل الوسائل الممكنة حتى ولو تطلب الأمر تدخلا عسكريا لقوات عربية لوقف آلة القتل في سوريا. ومواقف الجامعة العربية تجاه الأزمة في سوريا كانت مخزية وكل ما فعلته الجامعة كان منح نظام الأسد الوحشي مهلة تلو الأخرى لقتل المزيد من السوريين وتدمير المدن السورية. والتدخل العربي لحسم الموقف في سوريا مطلوب لوقف نزيف الدم السوري المستمر منذ عامين تقريبا ولأن النظام السوري يماطل وليس لديه حلول يقدمها سوى القتل والتدمير. ومواقف الشعوب العربية من المجازر اليومية التي يتعرض لها الشعب السوري لم ترتق إلى درجة الأخوة وحمل الهم السوري ولم تصل إلى الحد الأدنى من النصرة وتقديم العون والمساعدة التي اقتصرت على جمع التبرعات والمساعدات الإنسانية واللاجئون السوريون لم يجدوا الوطن الثاني الذي يحتضنهم حتى تنجلي الكربة وتنكشف الغمة. الموقف الدولي المتخاذل تفاقم الأزمة في سوريا حدث نتيجة تقاطع وتضارب المصالح في المنطقة العربية فالحفاظ على مصالح روسيا والصين في المنطقة والحفاظ على إيران وعلى إسرائيل مرهون ببقاء الأسد في السلطة وهؤلاء يخشون من انتقال السلطة إلى أطراف قد لا ترغب في استمرار النفوذ والحماية الذي تتمتع به هذه الدول في سوريا وفي المنطقة العربية في وجود نظام بشار الأسد. ومرور ما يقرب من عامين على الأزمة في سوريا يدل على عدم وجود رغبة حقيقية لدى الدول الكبرى في التوصل إلى حل وإنهاء معاناة الشعب السوري التي تتفاقم يوما بعد يوم. والقوى الدولية تدخلت عسكريا في مواقف كثيرة لوقف العنف والقتل ومنها التدخل في كوسوفا والتدخل مؤخرا في ليبيا من جانب حلف شمال الأطلسي ضد كتائب القذافي وهذا التدخل كانت له حسابات سياسية واقتصادية أهمها الحصول على نصيب وافر من النفط والغاز الليبي والفوز بعقود إعادة الإعمار. وموقف منظمات حقوق الإنسان من الانتهاكات الجسيمة والخطيرة لحقوق الإنسان يثير الكثير من علامات الاستفهام ومنظمة الصليب الأحمر الدولية لم تتمكن من إيجاد وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات للمتضررين في مناطق عديدة من سوريا. وموقف المحكمة الجنائية الدولية من الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها نظام الأسد يدعو للتساؤل حول طبيعة عمل هذه المحكمة وحول قراراتها التي تأخذ طابعا سياسيا ويبدو للعيان أنها موجهة لتحقيق رغبات ومصالح الدول الكبرى واستخدامها كأداة للضغط وتصفية الحسابات مع بعض القيادات وبخاصة في العالم العربي مثل مذكرة الاعتقال التي أصدرها المدعي العام للمحكمة الجنائية لويس مورينو أوكامبو بحق الرئيس السوداني عمر البشير والمتهم فيها بتهم تتعلق بجرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية. والمحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت في السابق مذكرات اعتقال بحق القذافي ونجله سيف الإسلام ورئيس جهاز المخابرات الليبي عبد الله السنوسي بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لم تتحرك حتى الآن لتوجيه اتهام مماثل لبشار الأسد على الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الأسد ونظامه الدموي والتي تمثلت في القتل والاغتصاب والتهجير والتدمير وحرمان الملايين من المقومات الأساسية للحياة كالماء والغذاء والدواء والكهرباء وفي استخدام الأسلحة المحرمة دولية كالغازات السامة والقنابل العنقودية. الحصاد المر في سوريا الأزمة في سوريا مرشحة للتصعيد والتعقيد وتنذر بعواقب وخيمة ونتائج هذه الأزمة سوف تكون كارثية على سوريا وعلى المنطقة العربية برمتها. والكارثة في سوريا متعددة الأوجه فهناك انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في سوريا وتتمثل في قتل الأبرياء والنساء والأطفال واغتصاب شبيحة الأسد لحرائر سوريا وتهجير مئات الآلاف من السوريين. وخسة ونذالة جيش وشبيحة الأسد فاقت التصور في بشاعتها ووحشيتها ومن الأمثلة على ذلك استهداف الجنازات وقتل المشيعين وقتل الجرحى وقصف المستشفيات وقصف طوابير الخبز ومحاصر المدن وقطع الماء والكهرباء عنها. وهناك تدمير متعمد لدور العبادة وتمثل ذلك في قصف المآذن وهدم للمساجد وتدمير الكنائس فقد تعرض المسجد العمري في درعا للقصف أكثر من مرة بحجة وجود مسلحين بداخله وتعرض المسجد الأموي الكبير بحلب للتخريب الحرق وتعرض أكثر من 240 مسجدا للقصف. وهناك تدمير التراث الإنساني واستهداف للمناطق التراثية في سوريا ومنها سوق حلب الذي تعرض للقصف والإحراق على يد عصابات الأسد. والصراع المستمر بين الجيشين الحر وعصابات بشار الأسد أدى إلى تدمير العديد من الآثار السورية وصاحبته عمليات نهب وسرقة واسعة للآثار السورية وهذه العمليات تعكس جانبا من جوانب الحرب الخفية على سوريا وتاريخها وتفسر رغبة بعض القوى الكبرى في استمرار الصراع في سوريا. مخاطر استمرار الأزمة أخطر ما في الثورة السورية هو المساعي الرامية إلى إطالة أمد الصراع في سوريا لكي يكون الدمار شاملا ويكون التوصل إلى حلول عصيًا على الجميع. محصلة الصراع في سوريا بين جيش النظام السوري وبين الجيش الحر هي تدمير سوريا بشريا واقتصاديا وتدمير تاريخ وحضارة سوريا وإعادتها قرونًا إلى الوراء لكي تلحق بالعراق وتتحول إلى دولة فاشلة وغير مستقرة ومصدرا لخلق نزاعات وتوترات وصراعات جديدة في المنطقة. وفصول المخطط الغربي لتدمير سوريا لاتزال تتوالى ووراء الحرب المستعرة في سوريا تقف الدول الكبرى التي تسعى لتحقيق أهدافها الاستراتيجية والاقتصادية في المنطقة فقبل سقوط النظام السوري نجد من يتحدث عن تكلفة إعادة الإعمار في سوريا والتي قدرت بحوالي 60 مليار دولار ستذهب بطبيعة الحال إلى الشركات الغربية الكبرى. وإعادة الإعمار ستتبعها صفقات التسليح الضخمة للجيش السوري الذي فقد وسيفقد في الأيام المقبلة الكثير والكثير من معداته القتالية وهو مبرر آخر لإطالة أمد الصراع بين الجيشين النظامي والحر في سوريا. وعقب سقوط النظام ستبقى الميليشيات المسلحة والتي تصعب السيطرة عليها ومصادرة الأسلحة التي تمتلكها وستُفتح أبواب الفتنة الطائفية نتيجة الشعور بالظلم والتهميش وسيحاول البعض إدخال سوريا في دوامة العنف والصراعات الطائفية. والمحصلة التي يمكن أن نخرج بها بعد مرور ما يقرب من عامين على انطلاق شرارة الثورة في سوريا هي أن سوريا الدولة العريقة صاحبة التاريخ والحضارة وقعت ضحية نتيجة عقوق أبنائها المتمسكين بالسلطة والموالين لهم والمساندين لهم بمواقفهم وفتاواهم ونتيجة ضعف الموقف العربي والعجز عن وقف القتل وتوفير الحماية للشعب السوري وتخاذل المواقف الدولية وتضارب مصالح الدول الكبرى وقد وصل الأمر سوريا إلى الفشل ليس في توفير الحماية للمدنيين وإنما الفشل في التوصل إلى هدنة مؤقتة خلال عيد الأضحى المبارك الذي يحتفل به المسلمون في هذه الأيام. ومسلسل القتل اليومي في سوريا يجب أن يتوقف والمطلوب هو تدخل عربي سريع لوقف المجازر والقتل والتدمير وإنهاء معاناة السوريين في الداخل والخارج والعمل على إفشال المخططات الغربية الرامية إلى إضعاف سوريا وتفتيتها وتحويلها إلى مصدر تهديد متجدد للأمن والاستقرار في المنطقة. |