مصر إلى أين؟
مآلات الوضع الراهن
نظم منتدى العلاقات العربية والدولية محاضرة بعنوان “مصر إلى أين؟”، قدمها الدكتور سيف الدين عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية، وذلك يوم الثلاثاء 30/8/2016.
وفي بداية المحاضرة طرح الدكتور سيف الدين عبد الفتاح سوالًا وهو: لماذا استمر الوضع على ما هو عليه؟ كمدخل لتوصيف الوضع الراهن في مصر، وقال إن الأوضاع في مصر آلت إلى ما آلت إليه نتيجة ثلاثة أمور رئيسية وهي:
أولا: ثورة أم انتفاضة؟
تحدث الدكتور سيف عن ثورة 25 يناير وعن الاختلاف حول توصيفها والتساؤل حول ما حدث هل هو ثورة أم مجرد انتفاضة أم أعمال احتجاجية.
وقال الدكتور سيف إن الخبرات الثورية تتعدد ولا تورث، والفعل الثوري فعل استثنائي، ولا يمكن مقارنة حالة بأخرى.
وقال إن مصر شهدت ثلاثة زالزال وهي: زلزال الثورة – زلزال الانقلاب – زلزال الدماء في رابعة وأخواتها.
1- زالزال الثورة: فقد أحدثت الثورة هزة عميقة في المجتمع المصري، وكثيرون تمسحوا بالثورة على اعتبار أنها نجحت ولكن الأمر لم يكن كذلك.
2- زلزال الانقلاب ما حدث في مصر هو انقلاب صريح، والانقلاب تدسر بستار شعبي و 30 يونيو كان المشهد الإخراجي للانقلاب العسكري.
وزلزال الانقلاب أحدث عملية فرز في المجتمع المصري، والفرز كان على أساس التوجه السياسي وتجلى ذلك في معارضة الأخوان ودعم القوى المدنية للعسكر.
والمحصلة بعد مرور عدة سنوات على الانقلاب هي الفشل الذريع في إدارة البلاد سياسيًا واقتصاديًا.
3- زلزال المجازر التي قامت بها قوى النظام، والمجازر لا تقتصر على رابعة ولكن في رابعة وأخوانها تحت شعار محاربة الإرهاب المحتمل، والفرز بعد هذا الزلزال كان على أساس إنسان وغير إنسان.
ثانيًا: رومانسية ثورة يناير
تحدث الدكتور سيف الدين عبدالفتاح عن رومانسية ثورة يناير، وقال إن الثورة عمل جليل، وأن الثورة لم تحاصر ويلتف عليها دون وجود قابليات للانحراف.
وقال إن الثوار في 11 فبراير سلموا الثورة لمناهضيها، وأكد إن الثورة لم تحكم حتى في ظل حكم الرئيس المدني، وقال إن تسليم السلطة تم شكلًا وليس موضوعًا.
وقال إن الثوار تصوروا أن الأمر بيدهم وأهملوا تأثير القوى الخارجية ومصالحها وموقفها من الثورة.
وأشار إلى أن الثوار اهتموا فقط بالانتقال الديمقراطي دون وجود مؤسسات تسهم في عملية التحول الديمقراطي.
وقال إن شعار الاستعمار كما يقول جمال حمدان تغير وأصبح “ارحل لتبقى“، وأوضح أن الاستعمار القديم عاد للمنطقة ولكن بأشكال أخرى، وذلك بعد الوكلاء والعملاء فشلوا في تنفيذ مخططات القوى الاستعمارية.
ثالثا: إطالة المرحلة الانتقالية
وتحدث الدكتور سيف الدين عبد الفتاح عن مخاطر المرحلة الانتقالية، وإلى ضرورة التفكير في وضع خطة لإدارة المرحلة الانتقالية، وأنه طرح هذا الأمر عقب الثورة بشهرين، وأكد أن الثورة تمت سرقتها أثناء المرحلة الانتقالية.
وعرض الدكتور سيف الدين عبد الفتاح لثلاثة أنواع من الثورات شهدتها مصر خلال السنوات الماضية وهي:
1- الثورة الحقيقية: وهي ثورة 25 يناير وأهلها.
2- الثورة المضادة: وهي موجودة في رحم الأوطان حتى قبل وجود الثورة للمحافظة على مصالح أصحابها الذين سيسعون حتمًا لأجهاض الثورة.
3- ثورة التوقعات: وهي تشبه الحمل خارج الرحم وهي حالة الانفجار المتمثل في المطالب الفتوية (نتيجة مظالم النظام البائد) التي يريد أصحابها تحقيقها الفوري ظنًا منهم أن التغيير حدث وانتهى الأمر.
وقال إن ما تشهده مصر حاليًا هو حالة الإعدام البطئ الذي يوحي به وصف (المعدم)
وقال الدكتور سيف الدين عبد الفتاح إن ما يخشاه المجلس العسكري هو الناس، ولذلك كان لا بد من اتخاذ الناس ظهير في المرحلة الانتقالية وهو ما لم يحدث.
وقال الدكتور سيف الدين عبد الفتاح إن الانتخابات بعد الثورة تختلف جذريًا عن الانتخابات بعد الديمقراطية، وقال إن معارضة تركيا للانقلاب في مصر هي في حقيقة الأمر معارضة للانقلابات في تركيا.
وقال الدكتور سيف الدين عبد الفتاح إن الثورات تفتح باب التغيير الاستراتيجي الجذري وفي أقصر وقت حتى لا تتمكن منها الثورة المضادة، وأوضح أن الإصلاح التدريجي يحدث فرق توقيت لصالح الثورة المضادة.
وأشار إلى عدد من الممارسات الخاطئة لجماعة الإخوان المسلمين أثناء فترة حكم الرئيس مرسي ومنها: الخلط بين العمل الثوري والعمل الديمقراط،ي الخلط بين السياسي والدعوي.
ثلاث مراحل انتقالية
تحدث الدكتور سيف الدين عبدالفتاح عن المراحل الانتقالية التي أعقبت الثورة ولا تزال مستمرة حتى الآن، وقسمها إلى ثلاثة مراحل وهي:
1- فترة المجلس العسكري
قال الدكتور سيف الدين عبدالفتاح إن الفترة الانتقالية الأولى هي فترة المجلس العسكري الذي شعر بتهديد حقيقي من ثورة 25 يناير.
وإشار إلى أن القوى المدنية شجعت المجلس العسكري على الاستمرار، وذلك كان أحد أسباب إطالة حكم العسكر من 6 شهور إلى 18 شهرًا.
وقال إن سياسة المجلس العسكري قامت على أمرين وهما: استخدم الفوضى والفرقة في إدارة المرحلة الانتقالية.
2- مرحلة حكم مرسي الانتقالية
الفترة الانتقالية الثانية هي فترة حكم الدكتور مرسي وقد نجح الإخوان في بعض الأمور وفشلوا في أمور أخرى.
وأشار الدكتور سيف الدين عبدالفتاح إلى عملية الافشال المتعمد للرئيس مرسي والتي تمثلت في عدم تعاون أجهزة الدولة المختلفة مع الرئيس مرسي وتقديم تقارير تافهة وتقارير مضللة.
وأكد أن المفاصل الأساسية للدولة ظلت بيد العسكر وأن حكم الرئيس مرسي كان شكليًا.
وقال إن الإخوان لم يكن لديهم تصور واضح ليوم 30 يونيو ولم يستعدوا له، مع أن قرائن الانقلاب كانت كثيرة قبل وقوعه، ولكن الإخوان كانوا مغيبين تمامًا وعاشوا حالة من الإنكار للوقائع على الأرض.
3- مرحلة الانقلاب
الفترة الانتقالية الثالثة هي مرحلة الانقلاب، وقال الدكتور سيف إن الثورة لم تنجح 100% والانقلاب كذلك لم ينجح 100% .
وقال إن مرحلة الانقلاب تقوم على الترويع والتخويف لبناء جدار من الخوف وعلى سياسة الإفقار المتمعد في بر مصر.
وأكد الدكتور سيف على أن الفرز في رابعة على الإنسانية من عدمها، وعدد جرائم الانقلاب ومنها: جرائم القتل خارج القانون، الاختفاء القسري، الاعتقال، التعذيب.
وتحدث عن سياسة التجويع التي يمارسها النظام وتتمثل في: رفع الأسعار – رفع الدعم – القروض والاستدانة الخارجية – ارتفاع الدين الخارجي والدين الداخلي.
مصر إلى أين؟
وتحدث الدكتور سيف الدين عبد الفتاح عن ثلاثة سيناريوهات لمآلات الأوضاع في مصر وهي:
السيناريو الأول: وجود صراع أجهزة داخل الدولة والبحث عن بديل للسيسي، وهو سيناريو احتمالي وهو بحاجة إلى ضغط شعبي لكي يتحقق، وترويج هذا السيناريو كترويج المخدرات.
السيناريو الثاني وهو السيناريو الحديث عن عودة الشرعية وليس معناه عودة الشخص وإنما عودة المسار، ومن يتحدث عن عودة الشخص واهمون وليس لديهم الإماكانات لإعادته للقصر بعد العصر كما يقولون، وقال إن العجز عن تحرير الشخص لا يعفي من المسؤولية عن تحرير القرار.
السيناريو الثالث: هو نضج الحالة الثورية، ويتطلب العمل في إطار التخطيط والإعداد، والعمل على نضج الوعاء الشعبي الحاضن للثورة.
وقال الدكتور سيف إن السياسة هي التعامل مع أوجاع الناس، والمطلوب في المرحلة الحالية هو ترشيد مصانع الغضب وتوظيف الغضب الشعبي، واستغلال العمل الاحتجاجي المتراكم على الأوضاع السيئة.
وأشار إلى أنه ينبغي مخاطبة الناس على قدر عقولهم وعدم النفخ في الأحداث والدعوات، واستغلال غباء النظام ومشاكله الاقتصادية.
وقال الدكتور سيف إن الشتات المصري الحالي غير مسبوق في التاريخ، لأنه متعدد الفئات ولا يقتصر على المنتمين للتيار الإسلامي، وقال إنه يجب التوحد على هدف واحد وهو استعادة روح الثورة، وأشار إلى أن المانع الوحيد من الاصطفاف هو الموقف من دماء المصريين.
وختم الدكتور سيف الدين عبد الفتاح محاضرته بالحديث عن صناعة الأمل وهي من الصناعات الثقيلة، وقال إن الشباب هم الأمل في التغيير.