من أعاجيب الدهر.. ليبرالية النخب العربية وعلمانيتها
تمهيد
لا يوجد ما يدعوني للرد على من يفهمون المعنى الحقيقي للعلمانية والليبرالية.
فلهم خيارهم ولي خياري بمنطق لكم دينكم ولي دين.
لكن ما يكاد يخرجني عن طوري حقا هو جماهير البلداء ممن يتشبهون بهم وهم من أراذل القوم.
فما اضطر الغزالي لكتابة التهافت ليس الفلاسفة بل المتشبهون بهم ممن يتصور ان قشور الفكر فكر وأن محاكاة الكبار بمنظورهم يمكن ان يجعلهم كبارا.
لذلك فقد توجه الغزالي حتى للكبار ليبين أنهم يخلطون
بين ما يقبل العلم الصارم (وقد قصره على الرياضيات والمنطق)
وما يتوهم اصحابه أنه علم وهو أضغاث.
وفي حالتنا فإن بعض الأقزام في تونس -ومثلهم نظراؤهم في كل الوطن- صاروا يتصورون أنهم بمجرد الكلام على الشعارات يصبحون ممثلين للفكر والتقدمية ولا يدركون انهم عين الرجعية لأنهم يواصلون سلوك المستعمر مع شعوبهم مباهين بقشور الحضارة الغربية.
وقد ذهب أحد الأدعياء من دناخيت اليسار البائس واليائس من قبول الشعب به زعيما لو توخى طريق الديموقراطية ذهب إلى تهديد الجميع وادعاء أن دم جماعته أحمر وأن الآخرين دمهم أسود وأنه سيفعل كذا وكذا مثل تحريم حرية اللباس الإسلامي متصورا أن الجميع سيبقى دائما يمد الخد الثاني بعبارة”سلميتنا أقوى من السلاح”.
نعم هذا هو خيار المسلمين المسالمين.
لكن هذا المنطق ينبغي أن يقتصر على معاملة من يؤمن بالديموقراطية والحرية والكرامة.
أما من يأتي على ظهر دبابة أويبهدد بها فإن المنطق الوحيد الذي يردعهم هو معاملتهم بالمثل.
وهم يعلمون أن هزيمتهم بالصناديق هي المسعى الذي نؤمن به.
لكن إذا حاولوا غيره فهزيمتهم أيسر.
ولولا خوف شباب الثورة على الأوطان وحبهم لشعبهم ومقدراته لما وجد حائل دون الحسم بهذه الحلول التي يريدون فرضها عليهم والتي لن تجلب إلا الدمار.
فالاستفزاز والعدوان على قيم الأمة بلغ حدا لا يطاق إذ هم حتى في شهر رمضان يخصصون سهرات كاملة للخدش في شرف النبي وفي القرآن وكل مقدسات الأمة بدعوى التقدمية والحداثة وباسم الليبرالية والعلمانية.
أي ليبرالية وعلمانية يمثلون؟
العجب العجاب حصر الأميين من نخب العرب لليبرالية في الاخيرة من بين معانيها الثلاثة:
.(سياسية (حق المشاركة السياسي –
.(واقتصادية (حرية المبادرة –
.وقيمية بمعنى الليبارتينيسم –
فلجبنهم لا يطالبون بالحرية السياسية بل يحاربونها فيحالفون المستبدين والفاسدين محليا وإقليميا ودوليا. يعبدون حاكم الأرض ويتجرأون على حاكم السماء.
لا افهم كيف يمكن أن يكون الإنسان ليبراليا ويحالف السيسي وبشار وحفتر والملالي والمليشيات التي لا يمكن أن يقرها عقل ولا دين. فهذا من “نخبنا”.
ولا أفهم كيف يكون الإنسان ليبراليا وهو ما يزال في منظوره الاقتصادي يتعيش على “العضرتة” فيملأ بطنه بما يستمده من عمالته لمستخدميه طعنا لأمته وفي قيمها ومرجعياتها.
ولا أفهم كيف يكون الإنسان ليبراليا قيميا إذا كان في آن لا يعترف لغيره بنفس الحق في أن يرى القيم بمعايير اخرى تختلف عن “الاخلاد إلى الأرض”.
ولا أفهم قلة الحياء عند هذا النوع من الليبراليين ادعياء العلمانية.
فلم ار في نوعي العلمانية المعلومين-اليعقوبية والألمانية- ليبراليا بهذا المعنى المتخلف والبدائي.
ليبرالي علماني يحالف رموز الاستبداد والفساد والعمالة سواء كانوا من العسكر أو من القبائل أو من الملالي أو من الاستعمار أي جميع مافيات العالم وأرذله.
من استثمر في هذه النخب؟
ما يعني أن الليبرالي والعلماني العربي ليس إلا خادم مافية في السر وفي العلن.
لكن المؤسف أن الحكام العرب هم الذين أوجدوا طائفة التكدي الحديث.
وتصنيفهم بين فئات المجتمع لا يخرج عن الأصناف التالية:
فهم خدم البلاط المحلي والإقليمي والدولي من موالي السياسة والمعارف والاقتصاد والفنون والفكر.
وتصنيفهم بين فئات المجتمع يرجع إلى الأصناف التالية:
خدم البلاط الملحي والإقليمي والدولي من موالي السياسة والمعارف والاقتصاد والفنون والفكر.
لذلك تجدهم في الأحزاب والجامعات والاعمال والفنون والدعاة (دين) والإيديولوجيين (فكر).
ذباب المزابل الغربية والبركة الآسنة التي عليها وضعنا الحالي.
وختاما فهم “حضيرة مواشي” ينتدب منهم الحكام وسادتهم في الإقليم والعالم
مليشيات القلم والسيف الذين يخدمون أعداء الامة حربا نفسية وقتالية.
حصر الليبرالية في الليبارتينيسم
حسن. حصر الليبرالية في الليبارتينسيم (أي التسيب الخلقي) ليس موقفا من الحرية في تحديد القيم فيحترم بل هو موقف من خيار لنوع من عدم القيم أو التسيب فيحتقر.
قد أفهم أن يؤمن المرء بأن تحديد القيم حرية شخصية فتكون القيم كلها من جنس الذوق الذي لا يناقش.
لكن عندئذ ينبغي ان يكون ذلك حقا للجميع.
إذا آمن الليبرالي بأن الإنسان هو المشرع القيمي المطلق فالمفروض أن يؤمن كذلك بحق غيره في الموقف المقابل الذي يسلم بأن واضع القيم ليس الفرد.
وإذا كان الليبرالي عقلانيا فالمفروض أن يقبل فحص أمرين:
هل الفرد هو المشرع
وهل الاعتقاد في مشرع متعال على الأفراد قابل للدحض بمجرد الرفض.
المسألة الأولى: هل الفرد هو المشرع؟
ولنبدأ بالمسألة الأولى. فلنفرض أن الفرد هو المشرع.
حسن: ما أساس تشريعه؟
أليس الاعتقاد في القول بحقوق الإنسان الطبيعية؟
إذن فالمشرع ليس الفرد.
إذا كان الأساس الحقوق الطبيعية للإنسان فينبغي أن تكون كلية تشمل كل إنسان.
إذن لا بد من حل يجعل الأفراد لا تشرع بصورة تتنافى حتى تتعايش.
وبذلك فالليبراتينيسم مستحيل التوفيق مع العيش المشترك.
يوجد أذن حق إنساني أسمى من غيره:
ليست كل الحقوق من نفس المنزلة.
تناسقها أسمى منها حتما.
ومفهوم التناسق التشريعي في القيم مفهوم عقلي وليس ذوقيا.
وإذن فالقيم ليست مسألة ذوقية بل هي مسألة عقلية تتعلق بشروط التعايش السلمي بين الافراد مختلفي الأذواق.
المسألة الثانية : الحرية ونوعا المقدس
وبذلك نعود إلى مفهوم الحرية بوصفها خاضعة لمفهوم أسمى منها هو التوفيق بين الحريات
فتكون القاعدة: حريتي مشروطة بحريتك أي شروط تعايش الأحرار.
وهذه الشروط.
البعض يصل إلى هذه الحقيقة بالعقل.
وتلك غاية الفكر الفلسفي في السياسة والأخلاق أو الفلسفة العملية.
والبعض الآخر يؤمن بانها أسمى حتى من ذلك.
وهذا البعض الثاني أكثر عقلانية من الأول لعلتين:
أولا لأن العلم محدود والعمل له نتائج لا متناهية ومن ثم فلا يمكنه أن ينتظر العلم المتناهي.
والثاني لأن المبادئ المؤسسة للقيم من المفروض ألا تبقى دائما موضع خلاف. وقضايا الفكر الفلسفي من شروط كونها فلسفية أنها تبقى دائما موضع جدل.
لذلك فكل الحضارات والمجتمعات الإنسانية تضع بعض المبادئ والقيم في منزلة المقدسات التي تمثل مقومات حصانتها الروحية وحتى مناعتها المادية.
ولانها ليست من باب العلم بل من باب الإيمان فإن الإسلام بوصفه الدين الخاتم لم يعتبرها قابلة للفرض بل يسلم بتعدد الشرائع للتسابق في الخيرات.
مضمون الآية 48 من المائدة وأهم دلالات الآيات التي صنف فيها القرآن إلى خمسة خيارات يقبلها الخيار الخاتم فيرجيء الحكم فيها إلى يوم الدين:
2-منزلان
2-طبيعيان
1-غيرها أو الشرك (الحج 17).
علل تردي العلماني والليبرالي العربيين
والآن تفهم لماذا يحتاج العلماني والليبرالي العربي إلى الحلف مع الاستبداد والفساد المحلي والإقليمي والعالمي.
علم أنه محجوج بالعقل والنقل.
لكن الأهم من ذلك ليس مجوجيته بل لأنه يعلم أنه عمليا لا يمكن ان يعيش “الليبارتينيسم” إلا إذا صار الابن المدلل للمدللين لدى سادة العالم اليوم.
لذلك فلا يمكن أن تجد علمانيا وليبراليا عربيا لا يتودد لإيران وإسرائيل ولا يتهم الإسلام والمسلمين لأن ذلك هو شرط تدليله وهذا هو شرط خنوعه.
ينبغي ان يثبت أن خانع ومطيع والعلامة هي حربه على الإسلام والمسلمين بتلقين من سادته حتى يحصل على ثمرات الدلال: أي ثمرات الإخلاد إلى الأرض.
لذلك فهم كما وصفهم القرآن: يلهثون دائما سواء حملت عليهم أو لم تحمل.
ولهيثهم هو الجري وراء خلب اللذة والمتعة التي لا يعيشونها لهذين العلتين.
فالليبارتينيسم يعني التسيب في الاستمتاع.
والتسيب طلب أقصى اللذة التي تنتهي إلى التخدير الذاتي الدائم بكل المخدرات المتصورة إن استطاع إلى ذلك سبيلا.
ولما كان لا يستطيع إلى ذلك سبيلا إلا بتمويل من سيده فإنه يصبح كالبغل يحتاج إلى “مخلاة” ليعلف:
والعلف هنا هو كل المسكرات والمخدرات باهضة الثمن.
والمعلوم أن الإدمان يقتضي الزيادة في الدوزة.
ومقابل هذه الدوزة الأغلى فالأغلى ثمن معلوم:
تزيين سرقات سادته لينال منها الفتات.
صحافة السيسي وبشار.
فسادتهم يخربون الديار ونخب العار تقبل بوظيفة السمسار لنشر رذيلة الفاجرات والفجار الرذيلة التي تغذى الإرهاب الرمزي والمادي ببث الرعب في الأمة وبنشر الدمار.
ولو حاولت وصف هذا النوع من النخب ولدي مما رايت منهم ما يملأ المجلدات لما توقفت ولاستحال علي أن أواصل عملي في ما هو أهم.
فلعله يكفى ما قلت والسلام.
طبيعة كلامي فيهم وصفا وتعريفا
لكن حذاري فليس كلامي في وصف الظاهرة من منطلق أخلاقوي.
فالمشكل أعمق من حكم أخلاقي على الغير:
بينت أن منطلقي هو شرط العيش المشترك في أي مستوى.
ولنضرب أبسط مثال:
هل يوجد طريق مشترك نسلكه بسياراتنا دون قانون الطرقات؟
لو كان لكل سائق حق التشريع الفردي لاستحالت السياقة ولمات الجميع.
وهذا يعني أن العلماني والليبرالي العربي قائل بالأناركية (الفوضى أو اللاقانون) ما يعني أنه لم يفهم حضارة من يدعي تقليدهم ببلادة لا تتصور.
فالغربي الذي يريد أن يتشبه به -حتى لو سلمنا بأنه يذهب مذهب الليبرالية القيمية- فإنه على الأقل يعتبر حسم الخلافات القيمية خاضعة للاستفتاء وسبر الآراء.
أي إنه لايتناقض لأنه يجعل التشريع تابعا للإرادة الجماعية وليس للاهواء الفردية.
قد تكون الإرادة الجماعية من الهوى لكنها دون الفردية خضوعا له.
ولما كان الليبرالي والعلماني العربي محالفا للاستبداد والفساد المحلي والإقليمي والدولي فهو محارب للإرادة الجماعية ولا يؤمن بالديموقراطية ولا بالحرية أو الكرامة الإنسانية.
تلك هي علة كلامي عليهم وطبيعته.
لو كانوا بحق ليبراليين وعلمانيين بالمعنى الغربي السوي -رغم أني لا أقبل به- لكان موقفهم مقبولا لتناسقه على الأقل.
لكنهم يريدون الاستفادة من الموقفين:
الغربي من دون شروطه
والشرقي من دون شروطه.
فلا هم عقلانيون ولا هم إيمانيون بل هم “عضاريت”شهوانيون بلا همة ولا ذمة.
يمكن أن أشبههم بظاهرة معروفة جدا عند الشباب المتسيب:
ظاهرة السياقة الفوضوية في الطرقات نسيت اسمها وكثيرا ما يشكو منها العقلاء في السعودية.
وهي ظاهرة عدوانية وخطرة على الحياة لأنها تعبر عن بداوة بأدوات لا تتماشى معها:
يمكنك أن تعبث بفرس أو حمار لكن بسيارة لا تنتحر وحدك بل تقتل معك غيرك.
أظن أن الظاهرة تسمى باللهجة السعودية “تفحيط”.
وهي من ظاهرات الفراغ الروحي لبعض العاطلين من الأغنياء الجدد حتى عندنا بين أبناء باعة المخدرات وكل أنواع التهريب والتهرب.
ويكفي أن أضرب مثال ما وجدناه من سيارات أسرة ابن علي:
فكل الأنواع التي تمكن من التفحيط اشتروها بمال الشعب فجعلوه يصل إلى اليأس والتهديم.
بعبارة وجيزة العلماني والليبرالي العربي “حفاط” بمصطلح التحفيط بين بعض الشباب العاطل.
الغربي موقفه متناسق.
لا يريد فرض خياراته على جماعته.
وإذا أراد صوغها قانونيا فهو يفعل ديموقراطيا ولا يفرضها بالدبابة.
لكن العلماني والليبرالي العربي لا يؤمن بالديموقراطية هو يعتمد على قوة نخبة سياسية مستبدة وفاسدة ليفرض ما يريد بالعسكر والأمن وترويع الشعب الذي يعاملون معاملة الاستعمار للأنديجان.
كذلك تفعل جل الأنظمة العربية باصناف نخبها الخمسة:
السياسية و”الجامعية”والاقتصادية والفنية والمفكرة “دينيا” و”فلسفيا” ظنا أنهم خاصة الخاصة.
فالشعب ومن لا يقبل باختيارتهم فعامة وعليهم أن يخضعوا لمهمتهم التحضيرية استكمالا لما حاولة الاستعمار ولم ينجح فيه: القضاء على روح الجماعة.
وحجتهم أنهم يمثلون التنوير ويحاربون الظلامية وأن الشعب ما يزال متخلفا وهم يريدون قوده إلى الجنة بالسلاسل.
لكنك عندما تنظر في ثقافتهم فنوعهم إعلاميو السيسي.
وهم في الحقيقة جوهر الظلامية لأن من يريد فرض قشور ما لم يفهم لا يمكن أن يكون منورا بل هو دجال:
ما سمعت أحدا منهم يقول كلاما يفيد أنه على بينة من مصادر الفكر الغربي قديمه وحديثه.
يمضغون شعارا.
يأكلون النخالة.
لا يمثلون إلا أبواب الاستبداد والفساد في المحل والإقليم والعالم:
هم عبيد نزواتهم يتبعون من يمدهم بالعلف مثل أي حيوان لم تصقل أخلاقه وعقله بقيم الفضيلة.
سمعت اعلاميا يعتبرونه كبيرا ذات مرة حضر في غداء بالبحرين -لعله من كبار جريدة الشرق الأوسط- وتذكرته لأني سمعته مؤخرا يحرض السيسي بهذا المنطق على سينا طالبا منه حرقها فعلمت أن مصيبة العرب عامة وعندنا منها الكثير.
لما سمعته عجبت من غفلة من يستعمله ويظنه كبيرا.
نعم هو كبير في الكذب والنفاق ومدح الأمراء.
وهو نذل وسفيه لا أخلاق له ولا علم:
كان يتبجح بمعرفة جل “أهل الحل والعقد” وباستغبائه لمستخدميه.
وحق له أن يستغبيهم.
المصدر: مدونة أبي يعرب المرزوقي *