هروب بوتين.. دلالاته العميقة ومآلاته
مقدمة:
عجبت كثيرا من كثرة سائلي عن دلالة انسحاب روسيا من سوريا.
فالملعوم أني لم أنتظر انسحابه لأبين هزيمته الحتمية وأعلن أنه لا بد سيهرب ذليلا.
ولست أجيب عن الدلالة الخاصة بسوريا.
فهذه بينة: القليل الذي حققه في خمسة أشهر بعد هزيمة إيران ومليشياتها سيذوب في أقل من أسبوع وقريبا جدا.
الدلالات التي تعنينا
ما يعنيني أبعد غورا: فالدلالة الابعد هي أن الرجل الذي كان مريضا تعافى.
والشعب الذي كان في غيبوبة عادت إليه نخوة السلف الذين أسسوا دار الإسلام
العثمانية عادت .العدنانية عادت.غاية الأمة وبدايتها.
والشباب بنماذج خالد يحاكي النشأة الأولى: الاستئناف الكوني.
لذلك فالأمر يتجاوز سوريا. فبوتين لم يهزم في سوريا فحسب بل هو بدأ يخاف من الهزيمة في عقر داره تماما كما يحدث لإيران الآن: فالربيع آت إليها في جحرها مهما ناورت خارجيا.
أعداء غالبية الإقليم السنية الآن في مهب الريح: إيران ومليشاتها الباطنية والصليبية وإسرائيل ومليشياتها العلمانية والليبرالية والغطاء القومي.
وما سميته بالعثمانية والعدنانية أقصد به خلافة البداية وخلافة الغاية.
وهما لا يمكن ان تحققا الاستئناف من دون تحرير عاصمتي الخلافتين الوسطيين
تحرير دمشق وبغداد هي المرحلة الموالية.
هز عرشي من حارب الأمة أي الصفوية والامبراطورية الروسية هي الغاية التي لا بد منها لتحرير دار الإسلام
والنصر يخضع لمنطق نقيض منطق الهزيمة: الثاني تدحرج ساقط والأول تسلق صاعد لا بد من أن نسقي الأعداء السم الذي أرادوا قتلنا به: الفوضى الخلاقة فنصرنا يجعلها خلاقة وهزيمتهم تجعلها هدامة: أرادوا تفتيت جغرافيتنا وتشتيت تاريخنا لكن اللحمة المرجعية وأساس الحصانة الروحية للسنة شديد متين
الدلالة التي تعنيني حاليا ليست الهزيمة الموضعية: فلم انتظر حصولها لأعلم أنها حاصلة حتما خاصة والمكر الإلهي الخير مثلته أزمة البترول.
الدلالة التي تعنيني غير مباشرة: علامتا الصحة المستأنفة. لم يبق آل عثمان الرجل المريض بل استعادوا عنفوانهم. وآل عدنان حزموا فعزموا فأنجزوا وبذلك آمل أن يقتنع الشباب بجنسيه أني لم أكن بتفاؤلي أحلم بل أكاد أدعي أني كنت أعلم لثقتي في وعد الله بالنصر للأمة الشاهدة عثمان وعدنان علينا أن نستثمر هزيمة العدو الموضعية لنحولها إلى جراحة تامة في جسد الأعداء وحتى في أجسادنا: نزيل ما لدينا من “دم فاسد” ونفكك بنسقية عرى الأعداء ولسنا في ذلك المعتدين.
فالبادئ اظلم. تركيا حاولت مهادنة روسيا. والسعودية حاولت مهادنة إيران.
لكنهما استكلبا واستهانا بآل عثمان وآل عدنان.
خلافة البداية (المدينة) وخلاقة الغاية (اسطنبول) لم تبقيا رمزي المرض والغيبوبة بل أصحبتا قادرتين على لي عصا من يتصورونه رب العالم: أمريكا
كلاهما كررا أن بوتين سيهزم مثل السوفيات وملالي إيران سيسقون سما أقتل من سم حربهم مع العراق.
وقد حدث وسيزداد في الهلال وفي عقر دارهم. وعلى الشباب السوري أن ينظم مقاومته وأن يوحدها وأن يرتب المطالب فلا يقدم ما ينبغي أن يؤخر: الآن تحرير سوريا أولا ثم تأتي المشروعات الأكبر آن أوان الحسم ولا حسم من دون وحدة المقاومة:
وينبغي تحرير سوريا ومعها لبنان لأن ذراع إيران فيها ينبغي أن تقطع نهائيا وسيليها ما في العراق وقد كتبت في ذلك سابقا مبينا أن المخرج من تضييق مسرح الحرب هو الذي سيمكن من هزيمة الأعداء الهزيمة الحاسمة والنهائية لا الموضعية والمؤقتة
آمل ان يكون جوابي لسائلي قد بين أن الأمر لم يعد متعلقا بروسيا وإيران في سوريا فحسب بل بكل من يحول دون السنة واستعادة دورها الاقليمي والكوني
لما بينت سابقا بأن بوتين سيهزم اقتصاديا قبل أن يهزم عسكريا سواء بما يمكن اغراؤه به أو بما يمكن حرمانه منه سخر الكثير من أنصاف المحللين
ذلك أنهم يتجاهلون أو يجهلون أن للحروب شروطا أولها المال وثانيها القدرة على التحمل وكلاهما متوفران للجبهة العربية التركية ومفقودان لإيران وروسيا.
ولما كان الشباب السوري على الأرض قد برهن قبل قدوم بوتين على قدرة عجيبة هزمت كل مليشيات إيران رغم قلة التسليح فالنتيجة بينة بتسليح أفضل.
وهو ما بدأ بعد أن تجرأت تركيا فأسقطت الطائرة الروسية وتجرأت السعودية فأمدت الشباب بالسلاح متحدية الفيتو الأمريكي علنا بلسان وزير خارجيتها
فقد قال -وهو نعم الرجل والمثقف والمؤمن بقضية شعبه- إن بشار سيرحل سواء كان ذلك بالسياسة أو بالحرب. ولم يكن كلامه على العواهن فهو بليغ ودقيق.
أوهام حداثيي تونس المزعومين
يضحكني بعض حداثيي تونس المزعومين الساخرين من عرب الخليج:
أعمتهم النظرة التى تعتبر فرنسا هي الحداثة وليس فيهم من يصل إلى كعب هذا الوزير
مثقفون منغلقون أصابتهم نعرة بورقيبة الذي يحتقر العرب فاصبح حداثيو تونس أميين لا يرون إلا سرتهم ولا يعلمون أن العرب في صلة مع العالم كله.
فوزير خارجية السعودية مثقف يجيد العربية والإنجليزية والألمانية وليس له نظير بين وزراء تونس الذين يعتبرون الفرنسية شبه الميتة لغتهم الأم.
ولا عجب إذا رأيتهم يعتبرون حزب الله والحشد الشعبي وبشار والسيسي مقاومين ويمثلون مستقبل القضية الفلسطينية والعربية وهم أكبر خونة لكل قيمة ولست أقول هذا من دون أن يعتصرني ألم لما ارى عليه أدعياء الحداثة في وطني الصغير الذين أعماهم الحقد والحسد فلم يجدوا إلا السباب لتنفير العرب يفضلون احتقار الغرب لهم على الأخوة في الثقافة والدين: حاربوا قطر إذ حاولت مساعدة الثورة ثم السعودية لما هادنت الثورة لتكون تونس رهينة فرنسا ولما قلت إن التطوع مساعدة للسوريين خيار خلقي حر وان اتهام أصحابه بالإرهاب سخيف طلب عملاء إيران محاكمتي مع التصفيق لمن تطوع في عين العرب وقد ضربت مثال أكبر أدباء فرنسا ووزير ثقافة حكومة دوجول -مالرو- إذ مجد الشباب الأوروبي الذي هب لمساعدة الثورة الاسبانية ضد فرنكو.
يقبلون ذلك عند من يعتبروهم أسيادا لهم ويجرمون من يساعد المظلومين عندنا.
وبهذا المعنى فإن آباءنا وجدودنا الذين تطوعوا لمساعدة الفلسطينين كانوا أيضا أرهابيين وليسوا أحرارا تطوعوا للدفاع عن قيم آمنوا بها فجاهدوا.
هل البورقيبية وطنية ضيقة؟
أحد السخفاء ويعتبر من كبار صحفيي تونس عرف البورقيبية بأنها الوطنية التونسية المتحررة من كل مشروع يتجاوزها وإذن فدوجول وميتران غير وطنيين.
ذلك أن الرجلين أرادا مشروعا يتجاوز بلديهما وبناء أوروبا الكبرى إلى حدود روسيا.
حقده يعميه فيتصور الإسلامي الذي يريد قوة المسلمين ليس وطنيا
لا يرى لغبائه أن تونس المفصولة عن الأمة الحاضنة لها تصبح مستعمرة حقيرة وتابعة لتجار مرسيليا توريدا وتصديرا وفيه تعليل لراي دوجول في زعيمه
فقد قال في مذكراته: إن أقصى ما يمكن أن يرقى إليه هو رئاسة بلدية مرسيليا.
ويزعمونه صحافيا كبيرا تراه منتفخ الأوداج وهو أقرب إلى عقلية الدجاح
ولاذكر له أربعة أمثلة موجبة وأربعة سالبة عن تونس: سلبا كانت مجرد مستعمرة تحت الرومان والبيزنطيين والاسبان والفرنسين. لكنها بصورة موجبة كانت عاصمة لقوة عالمية تنافس روما وأوروبا: مع القرطاجنيين والعرب والاتراك واليوم بفضل الثورة.
فمن يفضل السوالب على الموجبات غير الأغبياء؟
المصدر: مدونة الدكتور أبو يعرب المرزوقي *