وقاية الشباب من الفاحشة
محمد خاطر
حرصت الشريعة الإسلامية على إقامة المجتمع النظيف الذي لا يوجد فيه مكان للفاحشة، وإن وجدت كان هناك من يحاربها ويتصدى لها، ومن رحمة الله عز وجل بالناس أنه نهاهم عن الاقتراب من المعاصي والذنوب والفواحش خشية الوقوع فيها، يقول الله عز وجل:{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} سورة الإسراء: 32.
ومرحلة المراهقة والشباب تتميز بالثورة الجنسية والتقلبات المزاجية وبالعواطف الجياشة وغلبتها على العقل، ولذلك كثيرًا ما يقع الشباب والفتيات ضحايا لهذه المشاعر الجارفة التي يستغلها بعض المنحرفين وبعض الساقطات فيخدعونهم بالحديث عن الحب وهو في الحقيقة وهم يعيشونه ويدمر حياتهم وحياة أسرهم ويؤثر سلبًا على مستقبلهم.
والشباب في مرحلة المراهقة وما بعدها تكون شهوتهم الجنسية في أوجها وقد يقع البعض منهم في الفاحشة، وهذا الأمر يتوقف على البيئة التي يعيشون فيها هل هي بيئة محافظة أم بيئة يغلب عليها الانحلال والتفسخ.
وتقول الدراسات إن هناك اهتمامًا متزايدًا من قبل المراهقين بالجنس فقد بينت إحدى الدراسات أن أكثر من 70% من الملفات التي يتم تداولها بين المراهقين عبر الهاتف المحمول تحوي مواد إباحية، ووجدت نفس الدراسة أن 88% من البنات قلن إنهن تعرضن للتحرش.
ومن الأخطاء الجسيمة الذي يقع فيها الكثير من الآباء والأمهات إهمال مشاعر المراهقين والمراهقات وحاجتهم النفسية للحب والشعور بالدفء والحنان وكبت هذه العواطف بداخلهم.
والمطلوب في هذه المرحلة هو توجيه هذه العاطفة الوجهة السليمة؛ لأن هذه العاطفة إن لم تتوجه وجهة ايجابية توجهت إلى الشخص الخطأ، وربما أدت إلى الوقوع في الفاحشة، ومن رحمة الله عز وجل بالإنسان وعلمه بضعفه أنه شرع عقوبة الجلد للزاني غير المحصن، وشرع رجم الزاني المحصن.
ونبي الله يوسف عليه السلام ضرب لنا المثل في العفة والطهارة عندما راودته امرأة العزيز عن نفسه، يقول الله عز وجل:{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} سورة يوسف: 23.
والكثير من الشباب العربي اليوم يعانون من الأسر العاطفي وترى كل واحد من هؤلاء الشباب وقد ربط حاضره ومستقبله وعلق آماله وأحلامه على فتاة قد تكون قريبته أو زميلته أو جارته وتراه وقد أهمل دراسته أو عمله من أجل تلك الفتاة، وعندما تتخلى عنه هذه الفتاة أو يفشل في الارتباط بها لسبب أو لآخر تظلم الدنيا في عينيه ويهيم على وجهه، ويفشل في دراسته ويفقد عمله ويدمر حياته، وربما انتهى به الأمر إلى ارتكاب جريمة من الجرائم، وربما أنهى حياته وفضل الانتحار على فراقها، وواقعنا العربي مليء بقصص وحكايات عن مثل هذه الحوادث.
والشباب العربي يعاني من الكبت والحرمان ويتعرض لمغريات كثيرة تثير الغرائز وتهيج الشهوات في الشوارع وفي الأسواق والمجمعات وفي الجامعات ناهيك من الدور الذي تقوم به القنوات الفضائية وآلاف المواقع الإباحية على الشبكة العنكبوتية في إفساد الشباب والفتيات، وأعداء الأمة يسعون لإغراق الشباب المسلم في مستنقع الإباحية والشذوذ الجنسي.
والإسلام لا يقر الكبت؛ لأنه يؤدي إلى الإصابة بعدد من الأمراض، ومنهج الإسلام هو ضبط الشهوة الجنسية وذلك من خلال منع الاختلاط الفاحش وكل ما يؤدي إلى إثارة الغرائز، وفتح المجال لتصريف هذه الشهوة في الحلال، يقول الأستاذ محمد قطب في كتاب الإنسان بين المادية والإسلام:«إن الشهوة الجنسية – لعنفها وتعمقها وشمولها لكثير من نواحي النشاط – أخطر من كل شهوة أخرى حين يباح لها التفريغ الدائم الذي يؤدي بدوره إلى الظمأ الدائم؛ لأن استعبادها للإنسان في هذه الحالة يكون أعنف وأشد وهي كفيلة بأن تفسد عليه عقله وتذهب بصوابه وتجعله عرضة للهبوط والانحلال، حين يصبح في النهاية جسدًا ينزو كالبهيمة لا يرتفع بفكره ولا بروحه عن مستوى الحيوان فضلًا عن أنه حيوان هائج على الدوام».
ومن وسائل إقامة المجتمع النظيف:
أولًا: الأمر بغض البصر وحفظ الفرج، يقول الله عز وجل:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ …}. سورة النور: 30-31.
وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”يا عليُّ لا تُتبعِ النَّظرةَ النَّظرةَ، فإنَّ لَكَ الأولى، وليسَت لَكَ الآخرةُ”. سنن الترمذي: 2777.
ثانيًا: الزواج المبكر، فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج، فعَنْ عَبْدِ الله رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:«يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغْضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». صحيح مسلم: 1400.
ومن وسائل إقامة المجتمع النظيف الصوم، يقول الله عز وجل:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. سورة البقرة: 183.
ثالثًا: تحريم وتجريم الزنا ووضع عقوبات رادعة للزناة، يقول الله عز وجل:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}. سورة النور: 2.
رابعًا: صيانة الأعراض، يقول الله عز وجل:{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. سورة النور: 4.
خامسًا: تجريم الشذوذ ومخالفة الفطرة، فعقاب قوم لوط كان شديدًا حتى يكونوا عبرة لغيرهم، يقول الله عز وجل:{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}. سورة هود: 82-83.
سادسًا: محاربة ومعاقبة من يشيعون الفاحشة في المجتمع المسلم بكل الوسائل، يقول الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. سورة النور: 19.
سابعًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول الله عز وجل:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}. سورة آل عمران: 110.