الكيمياء هي علم الأرض وبالأحرى هي علم الحياة، فجميع الكائنات لها نصيب منها، ويكفي أن الماء المكون من عنصري الأوكسيجين والهيدروجين هو أصل الحياة.
ودراستي للكيمياء علمتني الكثير من الدروس النافعة التي يمكن الاستفادة منها في الحياة، وأحببت أن أشاركها مع القراء الكرام لعلهم يجدون فيها ما ينفعهم.
ما هي الكيمياء؟
تعددت الآراء حول أصل كلمة (كيمياء) ومدلولها، فالبعض يقولون إنها مشتقة من الكلمة العربية كمى ومعناها أخفى وأستر، وهناك من يعتقد أن أصلها مصري وهي كيم أو كمت kemt ومعناها الأرض السوداء وهي تربة وادي النيل، وهناك فريق ثالث يرى أنها مشتقة من الكلمة الإغريقية خيما Chyma بمعنى التحليل والتفريق. وعلم الكيمياء يمكن تعريفه بأنه العلم الذي يهتم بدراسة المواد وخصائصها وتفاعلاتها وحالاتها المختلفة.
علمتني الكيمياء
الدرس الأول الذي تعلمته من الكيمياء هو محاولة الوصول للتوازن في جميع الأمور المادية منها والمعنوية، والتوازن يحقق للإنسان الاستقرار ويضمن له السعادة، وفي الذكر الحكيم يقول الله عز وجل:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} سورة القمر: 49.
ومن الدروس التي تعلمتها من الكيمياء التفاعل مع الآخرين وتكوين الروابط معهم، وهو من الحكم التي أرادها الله عز وجل من خلق الناس مختلفين، وفي الذكر الحكيم يقول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} سورة الحجرات: 13.
والماء الذي هو أصل الحياة مكون من تفاعل الأوكسيجين مع الهيدروجين، والملح
الذي لا يخلو منه بيت مكون من تفاعل الصوديوم مع الكلور، بينما الذهب لا يتفاعل مع الآخرين، ولذلك أصبح زينة عند البعض وخزينة عند الآخرين.
وتعلمت من الكيمياء أن الاتحاد قوة والتفرق ضعف، وفي الذكر الحكيم يقول الله عز وجل:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} سورة آل عمران: 103.
والكيمياء علمتني عدم التكبر، فأصل البشر واحد وهو آدم عليه السلام، وآدم خلق من تراب، والماس أصله الفحم والكربون الأسود وفي ذلك دروس منها أن أصلنا كبشر واحد، وأن اللون ليس ميزة، وأن ما يميز الإنسان بين الناس هو ما يحصل عليه الإنسان بعمله وجهده وسعيه لصقل نفسه بالعلم والمعرفة وقبل ذلك بالإيمان والتقوى.
ومن الدروس التي تعلمتها من الكيمياء عدم الانتفاخ والتكبر على الآخرين والزهو بكبر الحجم كالهيدروجين الغاز القابل للاشتعال ولديه القدرة على إحراق الآخرين،
والشاعر يقول:
لا بأسَ بالقومِ من طولٍ ومن عظمٍ *** جسمُ البغالِ وأحلامُ العصافيرِ
ومن الدروس التي تعلمتها من درس الأكسدة والاختزال في الكيمياء أن الحياة تقوم على الأخذ والعطاء، وعلى العاقل أن يكون معطاءًا ولا يسأل الناس شيئًا، وفي الحديث عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ:”اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، فَاليَدُ العُلْيَا: هي المُنْفِقَةُ، والسُّفْلَى: هي السَّائِلَةُ”. صحيح البخاري: 1429.
وتعلمت من الكيمياء قيمة التكافل الاجتماعي، فالذرات التي لديها إلكترونات زائدة تعطيها للذرات الفقيرة في الإلكترونات حتى تصل كليهما لحالة الاستقرار، وفي ذلك حكمة بالغة عجز الكثير من الناس عن فهمها وإدراكها، وفي الذكر الحكيم يقول الله عز وجل:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} سورة المعارج: 24-25.
ومن الدروس التي تعلمتها من الكيمياء أن أعمل في صمت مثل النيتروجين الذي يشكل 78% من الغلاف الجوي للأرض، ويدخل في تكوين جميع الأنسجة الحية ويمنح الكائنات الحياة، ومع ذلك لا يملأ الدنيا ضجيجًا ولا يعرفه الكثير من الناس.
وفي معامل الكيمياء تعلمت أن أصبر حتى أصل إلى النتائج وأحقق ما أريد، وفي الذكر الحكيم يقول تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} سورة الزمر: 10.
ومن الدروس التي تعلمتها من الكيمياء أهمية تحرير الطاقة الزائدة واستغلالها في العمل وإنتاج ما ينفع الناس، فالكثير من التفاعلات الكيميائية ينتج عنها تكوين مركبات يستفيد منها الإنسان، وهذه التفاعلات تكون مصحوبة بانطلاق كمية من الطاقة والحرارة.
الكيمياء والمشاعر
تعلمت من الكيمياء ذكاء المشاعر وأهمية مراعاة مشاعر الآخرين، فالكيمياء لها تأثيرها المباشر على مشاعر الإنسان، فالهرمون المسؤول عن الحب هو هرمون الأوكسيتوسين، والمرحلة الأولى من الحب تتحكم فيها هورمونات التيستوستيرون والإستروجين بمشاعر العاشقين، وهو ما يؤدي الى الانجذاب الجسدي بينهما، وشعورهما بالقشعريرة.
والمرحلة الثانية هي مرحلة الوقوع في الحب والتعلق الشديد بالآخر، وتتحكم فيها ثلاث ناقلات عصبية هي: الأدرينالين، والدوبامين، والسيريتونين.
وهناك مجموعة من الهرمونات والنواقل العصبية الكيميائية تمنحنا الشعور بالسعادة، ومن أهمها: السيروتونين، الإندروفين، الدوبامين، والأوكسيتوسين.
وفي الحديث عن السيدة عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”الأرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَما تَعَارَفَ منها ائْتَلَفَ، وَما تَنَاكَرَ منها اخْتَلَفَ”. صحيح البخاري: 3336.
رابط المقال على مدونات الجزيرة: