العلم من منظور الإسلام
للعلم في الإسلام منزلة سامية ورفيعة، فقد كرم الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم وفضله على الملائكة بالعلم. يقول الله تعالى:{ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } سورة البقرة:31 – 32.
والإسلام جاء ليرفع منزلة العلم والعلماء وحث على طلب العلم والاستزادة منه، فهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تحثنا على النظر والبحث والسياحة والتفكر في عظيم خلق الله عز وجل، يقول تعالى:{ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سورة العنكبوت: 19 – 20.
ويقول تعالى:{ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} سورة الذاريات: 20 – 21.
وفي فضل العلم والعلماء يقول الله عز وجل:( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). سورة آل عمران:18. والعلماء هم أهل المعرفة والخشية يقول تعالى:({وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالآنعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} سورة فاطر :28.
ويقول تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإذا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} سورة المجادلة: 11.
وعن صَفْوَانَ بنَ عَسَّالٍ المُرَادِيَّ قالَ:« بَلَغَنِي أَنَّ المَلاَئِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضاً بِمَا يَفْعَلُ». سنن الترمذي:3674، قال أبو عيسى: حديث حسن صحيح. وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:« إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلاَّ ذِكْرُ الله وَمَا وَالاَهُ وَعَالِمٌ أَو مُتَعَلِّمٌ».(2)
والمسلم يعلم يقينا أن العلم منحة إلهية وهبة ربانية يقول الله تعالى:{ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ} سورة إقرأ: 3 – 5. لذا فهو يطيع الله عز وجل ويتقرب إليه بذلك العلم الرباني يقول الله تعالى عن سيدنا الخضر عليه السلام:{ فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} سورة الكهف: 65.
والله عز وجل أمر سيدنا موسى وهو نبي مرسل أن يتبع الخضر عليه السلام ليتعلم منه يقول تعالى:{ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} سورة الكهف: 66. والعلم هو مفتاح التقدم والرقي، ولذلك اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بتعليم الصحابة وطلب من أسرى بدر أن يعلموا أبناء المسلمين مقابل إطلاق سراحهم. فعن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال:« كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة». مسند الإمام أحمد:2225، إسناده صحيح.
وطلب العلم فريضة أوجبها الإسلام. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُل مُسْلِمٍ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ». سنن الترمذي:2359، قال أبو عيسى: حديث حسن غريب.
والعلم من الأشياء الباقية التي تنفع الإنسان بعد موته، لأن نفعه يتعداه إلى غيره، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« إذا مَاتَ الإنسان انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». صحيح مسلم: 4177.
وعلى الرغم من ذلك كله تركنا العلم والتعلم وتوقير العلماء وإنزالهم المنزلة التي تليق بهم، ففشت فينا الأمية، واستشرى فينا الجهل، وتكالبت علينا الأمم نتيجة لذلك، وما من سبيل لتحقيق النهضة إلا بالاجتهاد في طلب العلم، وإكرام العلماء.
فضل ومنزلة العالم في الإسلام
منزلة العالم في الإسلام لا تضاهيها منزلة وفضله على غيره واضح جلي، فعن قَيْسِ بنِ كَثِيرٍ، قالَ:« قَدِمَ رَجُلٌ مِنَ المَدِينَةِ عَلَى أَبي الدَّرْدَاءِ وَهُوَ بِدِمَشْقَ فَقَالَ مَا أَقْدَمَكَ يَا أَخِي؟ فقالَ حَدِيثٌ بَلَغَنيِ أَنَكَ تُحَدِثُهُ عن رَسُولِ الله، قالَ: أَمَا جِئْتَ لِحَاجَةٍ؟ قالَ لاَ. قالَ أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ؟ قالَ لاَ. قالَ مَا جِئتُ إِلاَّ في طَلَبِ هَذَا الْحَدِيثِ. قالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَبْتَغِي فِيِه عِلْماً سَلَكَ الله له طَرِيقاً إلى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلاَئِكَةَ لتَضَعُ أَجْنَحِتَهَا رِضًى لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العَالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السَّمَواتِ وَمَنْ في اْلأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ في المَاءِ، وَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الآنبِيَاءِ، إنَّ الآنبِيَاءَ لَمْ يُوَرَّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ». سنن الترمذي: 2752، قال الشيخ الألباني: حديث صحيح. وهذا الحديث يدلنا على مكانة العلماء السامية في الإسلام ويرغبنا في طلب العلم والاستزادة منه حتى ننال هذه المنزلة والدرجة الرفيعة. وعن عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ:«خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». صحيح البخاري: 4907. وعن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:« بلِّغوا عني ولو آيةً، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرجَ، ومن كذَبَ عليَّ مُتعَمِّداً فليتَبوَّأْ مَقعدهُ منَ النار». صحيح البخاري: 3386. والعلماء هم مصابيح الهدى، ومنزلتهم في الإسلام منزلة سامية، لأنهم يدلون الناس على الخير والهدى، ويردونهم عن الشر والردى، وينفعونهم بما أوتوا من العلم والفهم. فعن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِليِّ رضي الله عنه، قالَ:« ذُكِرَ لِرَسُولِ الله رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا: عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله: فَضْلُ الْعَالِمَ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ، ثُمَ قَالَ رَسُولُ الله: إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ». سنن الترمذي: 2755، قال أبو عِيسَى: حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ.
* المصدر: كتاب الإسلام والنهضة العلمية، محمد إبراهيم خاطر، دار ابن الجوزي، 2012م