الشطارة من المهارات التي انتشرت في الكثير من المجتمعات مؤخرًا، وهذه المهارة تنتشر بقوة في المجتمعات التي يغيب فيها القانون، وتنعدم فيها الأخلاق، ويموت فيها الضمير، وتعمى فيها القلوب، ويظن أصحابها أنهم أذكى الناس، وأنهم هم الرابحون دائمًا، ولكنهم في حقيقة الأمر خسروا أنفسهم ودنياهم وآخرتهم. فهل أنت شاطر بهذا المعنى؟
أنواع الشطارة
معاني كلمة (شاطر) في معجم اللغة العربية سيئة جدًا، وعلى الرغم من ذلك يستخدمها المعاصرون في المدح! قال الخليل بن احمد الفراهيدي في كتاب (العين):”ورجل شاطر: هو الذي أعيى أهله ومؤدبه خبثًا”، وقال الزمخشري في (أساس البلاغة):”وفلان شاطر: خليع”، وجاء في المعجم الوسيط:”الشاطر: الخبيث الفاجر”، وجاء في العامي الفصيح:”الشاطر في العامية: الماهر في عمله، وفي الفصحى: الخبيث الفاجر” .
والشطارة التي نتحدث عنها لا تخرج عن هذه المعاني الخبيثة، فهي تعني التفنن في أخذ حقوق الآخرين، والاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم، ولذلك صور كثيرة سنذكر بعضًا منها.
والشاطر الأكبر هو الحاكم المستبد الذي يستولي على الحكم بالقوة والبطش، ويفسد في الأرض، ويذيق الناس أنواعًا من البلاء، ويفعل ببلده ما لم يستطع الأعداء فعله.
وأول شاطر يقابلك في بداية يومك هو ذلك الشخص الماهر في تجاوز السيارات عن اليمين واليسار، والمتعدي على حقوق الآخرين في السير وفي المواقف.
والشاطر الثاني سيقابلك في المصالح الحكومية والخاصة، وسوف يأخذ دورك وينجز معاملاته بالواسطة أو الرشوة، بينما ستظل أنت منتظرًا لساعات ولا تدري ماذا تفعل.
وأسوأ أنواع الشطارة على الإطلاق هي الشطارة في العلاقات مع الناس، وبخاصة الأقارب ويأتي في مقدمتهم الوالدان والأخوات والإخوة، فالشاطر حريص على استيفاء حقوقه كاملة من الآخرين، ولا يؤدي واجباته تجاههم وينتقص من حقوقهم، وهو أسوأ أنواع التطفيف، يقول الله عز وجل:{وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} سورة المطفيين: 1-3.
وأحقر الشطار هو من يعتدي على الضعفاء ويسلب منهم حقوقهم ويستعين على أكل أموالهم بالسلطة أو الرشوة أو التهديد والعنف.
وأكثر أنواع الشطارة انتشارًا هي تفنن البعض في أكل أموال الناس بالاحتيال والغش والمكر والخداع في البيع والشراء والمعاملات الأخرى.
ومن الشطارة المذمومة التي تُوغر الصدور وتزرع الحقد والكراهية في النفوس شطارة بعض الموظفين في النميمة ويسمون من يقوم بذلك (العصفورة) التي تنقل أخبار الزملاء في العمل للمديرين.
وأخبث أنواع الشطارة هي شطارة الذئاب البشرية الذين يخدعون الفتيات بالكلام المعسول والوعود الكاذبة حتى يوقعوهن في حبائل الرذيلة والفاحشة.
ومن أنواع الشطارة المدمرة للفضيلة وللمجتمعات شطارة البعض في إشاعة الفاحشة في المجتمعات تحت مسمى الفن، ومن خلال الأفلام والمسلسلات الماجنة والأغاني الفاحشة، وقد توعد الله عز وجل هؤلاء بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، يقول الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} سورة النور: 19.
الشطارة والخسران
الشطارة من كيد الشيطان وتزيينه الباطل لضعاف الإيمان وصاحبها من المذمومين في الدنيا ومن الخاسرين في الآخرة.
والكيس هو من يبتعد عن ظلم الآخرين وإيذائهم بالقول أو الفعل، يقول الله عز وجل:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} سورة الأحزاب: 58.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:”لمَّا رجَعت إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مُهاجرةُ البحرِ قالَ ألا تحدِّثوني بأعاجيبِ ما رأيتُمْ بأرضِ الحبشَةِ؟ قالَ فِتيةٌ منهم بلَى يا رسولَ اللَّهِ. بينا نحنُ جلوسٌ مرَّت بنا عجوزٌ من عجائزِ رَهابينِهِم تحملُ علَى رأسِها قُلَّةً من ماءٍ فمرَّت بفتًى منهم فجعلَ إحدى يدَيهِ بينَ كتفيها ثمَّ دفعَها فخرَّت علَى رُكْبتَيها فانكسَرت قُلَّتُها فلمَّا ارتفَعتِ التفتَتَ إليهِ فقالَت سوفَ تعلَمُ يا غُدَرُ إذا وضعَ اللَّهُ الكرسيَّ وجمعَ الأوَّلينَ والآخِرينَ وتَكَلَّمتِ الأيدي والأرجلُ بما كانوا يَكْسِبونَ فسوفَ تعلَمُ كيفَ أمري وأمرُكَ عندَهُ غدًا قالَ يقولُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ صدَقَتْ صدَقَتْ كيفَ يقدِّسُ اللَّهُ أمَّةً لا يؤخَذُ لضَعيفِهِم من شديدِهِم”. أخرجه ابن ماجه (4010).
والكيس هو من يتجنب الفتن بجميع أنواعها: فتنة السلطة والجاه، فتنة العلم والفهم، فتنة المال والغنى، فتنة القوة والبطش، فتنة النساء، فعن المقداد بن عمرو بن الأسود، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”إنَّ السَّعيدَ لمن جُنِّبَ الفتنَ، إنَّ السَّعيدَ لمن جُنِّبَ الفتنَ، إنَّ السَّعيدَ لمن جُنِّبَ الفتنَ، ولمنِ ابتُلِيَ فصبرَ فواهًا”. صحيح أبي داود: 4263.
فكن أمينًا صادقًا مستقيمًا مخلصًا، واحذر أخي -عافانا الله وإياك- أن تكون من الشطار، فهم أبغض وأحقر الناس في الدنيا، وهم أذل وأخزى الناس في الآخرة.
لقراءة المزيد من المقالات على مدونات الجزيرة: