البحث العلمي وحقوق الإنسان
البحث العلمي وحقوق الإنسان يوجد بينهما ارتباط وثيق فالبحث العلمي له اسهاماته المتعددة في توفير الكثير من الحقوق للإنسان وعلى رأسها حقه في الحياة فالبحث العلمي أنقذ أرواح الملايين من البشر الذين كانوا يتعرضون لأوبئة تحصد أرواح الملاييين منهم ومنها على سبيل المثال: الكوليرا والملاريا والانفلونزا بأنواعها. والبحث العلمي ساهم كذلك في توفير الغذاء لملايين البشر في العالم وذلك من خلال تحسين السلالات النباتية والحيوانية وزيادة الكميات المنتجة من المحاصيل الزراعية ومن اللحوم والألبان وغيرها ولولا التنوع وزيادة الإنتاج لحدثت مجاعات وصراعات لا تنتهي من أجل الحصول على الغذاء. والبحث العلمي ساهم في توفير المياه الصالحة للشرب إما عن طريق تنقيتها من الميكروبات والشوائب أو عن طريق تحلية مياه البحر فأنقذ ملايين البشر من الأمراض التي تحدث بسبب تلوث المياه وأنهى معاناة الكثيرين من شح وندره مصادر المياه الصالحة للشرب.
والبحث العلمي حق من حقوق الإنسان لأنه يجيب عن الكثير من الأسئلة التي حيرت البشرية ويلبي حاجة الإنسان إلى المعرفة وعلى رأسها معرفة الله عز وجل فعن طريقه يتمكن الإنسان من معرفة عظمة الخالق عز وجل وإبداعه في الخلق يقول الله عز وجل:{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} سورة البقرة: 164. والعلماء هم أهل الخشية لما يعرفونه من الإعجاز في الخلق ولما يطلعون عليه من أسرار الكون ومكنوناته يقول الله عز وجل:{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} سورة فاطر: 27-28.
والكثير من حقوق الإنسان لا يمكن تحقيقها والحفاظ عليها إلا بالبحث العلمي الذي يوفر الحلول المناسبة للمشكلات والعقبات التي تعترض طريق الإنسان في هذه الحياة وما أكثرها وبإطلالة سريعة على معاناة الإنسان في الماضي يدرك المرء مقدار ما وفره البحث العلمي للإنسان من حماية وتنمية ورخاء. والبحث العلمي هو الطريق الذي يسلكه الإنسان نحو العلم والمعرفة واكتشاف الظواهر الكونية وإدراك العوالم المحيطة به والبحث العلمي هو الذي يدل الإنسان على أفضل الطرق للتعامل من الكائنات الأخرى ولو لم يفهم الإنسان طبيعة الأشياء المحيطة به عن طريق البحث في طبيعتها وتركيبها وفي سلوكياتها لاستحالت حياته مع هذه الكائنات إلى معاناة مستمرة وجحيم لا يطاق. يقول الله عز وجل:{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} سورة الحج: 65.
والبحث العلمي هو الذي يمكن الإنسان من تجاوز التحديات التي يواجهها وهذه التحديات تزداد تعقيداً كلما زادت درجة التطور الذي يصل إليه الإنسان. ومن خلال هذا العرض يتضح الارتباط الوثيق بين حقوق الإنسان والبحث العلمي الذي لولاه لزادت معاناة البشرية ولما استطاعت أن تصل إلى ما وصلت إليه من تقدم ورقي في الكثير من المجالات.
أهمية البحث العلمي
وفر البحث العلمي للإنسان في الدول المتقدمة الكثير من الحقوق وحرم الإنسان في الدول الفقيرة والمتخلفة من الكثير من الحقوق كنتيجة حتمية لعدم الاهتمام بالبحث العلمي والدلائل على ذلك كثيرة ومعروفة للجميع. والبحث العلمي يُقصد به استخدام وسائل وطرق معينة من أجل الوصول إلى حقيقة علمية بشأن ظاهرة من الظواهر الإنسانية أو الطبيعية وأهمية البحث العلمي تكمن في الحلول الملائمة التي يضعها وتعالج قضايا الحاضر وتستشرف المستقبل وتضعه في الحسبان. والبحث العلمي هو نقيض العشوائية لأنه يقوم على أسس ثابتة لا تتغير والمنهج بصفة عامة هو الطريق الواضح الذي يؤدي الى غاية مقصودة بذاتها ويحقق الأهداف المرجوة منها. والمنهج العلمي هو الوسيلة التي تنظم عملية الحصول على المعرفة العلمية وهو الذي يضع المبادئ التنظيمية التي يسترشد بها العلماء في عملية البحث والعلماء العرب والمسلمون هم الذين وضعوا أسس المنهج التجريبي قبل أن يعرفه الغربيون بقرون. والبحث العلمي يتميز بمجموعة من الخصائص التي توفر الحلول المناسبة والملائمة لكل مشكلة وهذه الخصائص وهي: أولاً: تحديد المشكلة فالحلول المؤقتة والانفعالية والتي تتم بعيداً عن البحث العلمي غالباً ما تفشل والسبب هو عدم القدرة على وضع الحلول المناسبة لأنها تعالج جانباً واحداً من جوانب المشكلة أما البحث العلمي فيقودنا إلى تحديد المشكلة بشكل دقيق يغطي كل جوانبها ولا يستبعد أياً منها. ثانياً: جمع المعلومات لأن نقص المعلومات يؤدي بالضرورة إلى إتخاذ قرارات خاطئة بينما القرارات التي تبنى على البحث العلمي تتم بعد الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات التي تخص المشكلة. ثالثاً: صياغة الفروض ويتم فيه وضع مجموعة من الفروض لحل المشكلة ودراسة أكثرها قدرة على حل المشكلة من جميع جوانبها. رابعاً: تجربة الفروض ويتم فيه تطبيق هذه الفروض على أرض الواقع واختبار مدى نجاحها وإدخال التعديلات اللازمة عليها. خامساً: الاستنتاج والتعميم فعندنا يثبت نجاح الفروض في حل المشكلة يتم تعميمها وتطبيقها على المشكلات المماثلة. ولذلك فالحلول التي يتيحها البحث العلمي حلول عملية دقيقة بعيدة عن العشوائية والتخبط الذي نعاني منه في مجالات كثيرة. والبحث العلمي من أهم العوامل التي يمكن من خلالها تخفيف معاناة البشرية والمساهمة في صنع الحضارة الإنسانية والبحث العلمي ضرورة حياتية ملحة لأنه يمكن البشر من تحقيق هدفين أساسيين لا غنى عنهما وهما: أولاً: معالجة القضايا والمشكلات المزمنة التي تعاني منها المجتمعات فالبحث العلمي هو الذي يوفر الآليات المناسبة لمعالجتها ووضع الحلول المناسبة لها أما الحلول العشوائية وغير المدروسة فقد ثبت فشلها في حل الكثير من المشكلات وتسببت في خسائر فادحة للاقتصاديات الوطنية وأصبحت من أكبر المعوقات في طريق النهضة والتقدم. ثانياً: البحث العلمي هو الذي يحقق الرخاء والتنمية للمجتمعات، والوفرة التي تعيش فيها المجتمعات الغربية وبعض الدول الآسيوية هي نتيجة الإهتمام بالبحث العلمي، وتوفير كافة الامكانيات اللازمة له وهي الآن تجني ثمرات هذا الإهتمام.
تنوع وتكامل حقوق الإنسان
حقوق الإنسان هي الحقوق التي ُوجدت وتقررت للإنسان لمجرد كونه انساناً وهي لازمة لوجوده والحفاظ على كيانه وحماية شخصه والقيم اللصيقة به وهي حقوق لا تثبت إلا للشخص الطبيعي. وحقوق الإنسان هي مجموعة الضمانات التي توفر الحماية للأفراد والجماعات وتمنع حدوث أية انتهاكات لهذه الحقوق والهدف منها الحفاظ على الإنسان والكرامة الإنسانية وهذه الحقوق تمنح لكل إنسان دون تمييز على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو المعتقد.
وتنقسم حقوق الإنسان وفق المواثيق والمعاهدات الدولية إلى ثلاثة أقسام هي:
أولاً: الجيل الأول من حقوق الإنسان ويشمل الحقوق المدنية والسياسية والتي تشمل: الحق في حماية الحرية الشخصية، والحق في الحياة وفي السلامة والأمن، والحق في ممارسة الحرية الدينية، وحرية الرأي والتعبير، وحرية الاجتماع، وحرية التجمع، والحق في احترام الحياة الخاصة، والحق في الاعتراف لكل فرد بالشخصية القانونية، والحق في الحماية القضائية، والحق في التنقل وفي اختيار مكان الإقامة، وتحريم التعذيب أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة، والحق في المشاركة وإدارة الشؤون العامة، والحق في الجنسية، والحق في تولي الوظائف العامة.
ثانياً: الجيل الثاني من حقوق الإنسان ويقصد به الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي تشمل: الحق في العمل، والحق في التعليم، والحق في التملك، والحق في الحماية من الرق والعبودية، والحق في الاضراب، وتحريم السخرة أو العمل القسري، وتحريم التمييز لأي سبب من الأسباب، والحق في الضمان الاجتماعي، والحق في الرعاية الصحية، والحق في السكن.
ثالثاً: الجيل الثالث من أجيال حقوق الانسان ويشمل: الحقوق البيئية والتنموية فالتطور المذهل الذي حدث في كل المجالات، والحياة التي صارت أكثر تعقيداً من ذي قبل، والانفجار المعلوماتي أدى إلى نشأة حقوق جديدة للإنسان، ولكنها مرتبطة بحقوق الإنسان الأساسية، ومتفرعة عنها. فحق الإنسان في العيش في بيئة نظيفة مرتبط بحقه في الحياة، وحقه في تداول المعلومات مرتبط بحقه في العلم والمعرفة، وحقه في السلام والأمن مرتبط بحقوقه المدنية والسياسية.
غياب أخلاقيات البحث العلمي
تواجه منظومة البحث العلمي مشكلة حقيقية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم وهي غياب الأخلاقيات العلمية وعدم القدرة على ضبط التجاوزات التي تحدث في مجال البحث العلمي وفيما يتعلق بجسم الإنسان على وجه الخصوص وهذا الغياب يضر بحقوق الإنسان ويعرض البشرية لمخاطر جمة لا تحمد عقباها. فالسرية التي تحاط بها الأبحاث العلمية التي تجرى على الكائنات الحية وعلى الإنسان تجعل من الصعوبة بمكان الرقابة على هذه الأبحاث وعلى من يقومون بها وتقرير مدى التزامها بحقوق الإنسان أو انتهاكها لهذه الحقوق. ووضع ضوابط صارمة وسن تشريعات وقوانين الملزمة وفرض عقوبات رادعة بات أمراً ضرورياً لمواجهة المخاطر التي قد تنجم عن الأبحاث العلمية التي تستهدف الجنس البشري وتهدد حاضره ومستقبله. وحماية البشرية من المخاطر التي تهدد وجودها يتطلب عملاً جماعياً وهواجس الدول الكبرى تجاه البرامج النووية لبعض الدول والتخوف من امتلاكها للأسلحة النووية كما هو الحال بالنسبة لإيران ينبغي أن يقابل بتطبيقات عملية على أرض الواقع تشمل تخفيض وتفكيك الترسانات النووية لهذه الدول وضرورة خضوع جميع دول العالم للتفتيش على المنشآت النووية. والأسلحة النووية وما ينتج عنها من دمار وتلوث بيئي ليست المجال الوحيد الذي يشكل تهديداً للبشرية فهناك مصادر أخرى لها مخاطرها الكبيرة ولذلك ينبغي أن تكون هناك رقابة دولية عليها ومنها شركات الأدوية والشركات التي تنتج الأجهزة التكنولوجية المتطورة حتى يمكن تجنب الأضرار التي تلحقها بجسم الإنسان وبالبيئة المحيطة به.
إن غياب الأخلاقيات العلمية عن مراكز الأبحاث العلمية في الدول المقدمة ربما يؤدي في المستقبل القريب إلى إنتاج هذه المراكز لـ (مردة) من المواد أو من الأجنة البشرية يهددون بها كوكب الأرض بل والكواكب الأخرى ولذلك فإن ضمان عدم خروج هؤلاء المردة يكمن في وضع أخلاقيات للبحث العلمي والتزام جميع الدول بتطبيق هذه الأخلاقيات في جميع مراكز البحث العلمي ووضع مقياس خاص للشفافية تقاس به درجة الالتزام بهذه الأخلاقيات.